الصرف الصحي يروي مزروعات مصرية... والدولة لا تبالي

11 يوليو 2016
الزراعة المصرية مهملة رسمياً (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -
تمتد آلاف الأمتار من الأراضي الزراعية على جانبي "ترعة المريوطية" (قناة مائية)، التي تشق محافظة الجيزة، وتحديداً جنوب المحافظة، الذي يشتهر أهله بالعمل الزراعي منذ زمن بعيد. هذه الأراضي الزراعية التي يعود عمرها إلى مئات السنين، تخضع لتغييرات جذرية من شأنها تغيير خريطة الرقعة الزراعية لهذه المنطقة بالكامل. 
وتعد محافظة الجيزة، إحدى محافظات القاهرة الكبرى، التي شهدت امتداداً عمرانياً كبيراً من دون أن يقابله توسع في خدمات الصرف الصحي. أسفر عن ذلك مد خطوط الصرف الصحي بالترع الرئيسية في المحافظة، مثل الزمر والمريوطية والتي تُستخدم في ري الأراضي...

هذه ليست الحالة الوحيدة، بل إن كفر الشيخ، إحدى أشهر المحافظات الزراعية في مصر، باتت هي الأخرى تعتمد بصورة كبيرة على الصرف الصحي والصرف الصناعي في ري الأراضي الزراعية.
وتحول المزارعون في كفر الشيخ للاعتماد على الصرف الصحي والصناعي بعد إغلاق مياه بحر "الصعايدة"، التي كانت تعد منفذاً لمياه نهر النيل عن طريق مدينة دسوق.
ويقول محمود الشيتي، أحد القاطنين في مركز أبو النمرس جنوبي الجيزة: "العمارات حلت مكان جزء من الأراضي الزراعية خلال السنوات الخمس الماضية، من دون تراخيص بناء، واعتمد الأهالي على الجهود الذاتية في توصيل خطوط الصرف الصحي. ولكن ظهرت أزمة بسبب عدم جواز ربط هذه الخطوط بخط الصرف الصحي الرئيسي لكل منطقة، نظراً لعدم الحصول على ترخيص البناء، وتمت الاستعاضة عن خط الصرف بترع ري الأراضي".
ويوضح الشيتي: "تحويل الصرف الصحي إلى الترع على مدار عدة سنوات أدى إلى تلوث المياه بشدة، فضلاً عن تحولها إلى مقالب للقمامة والحيوانات النافقة، ما جعل المياه غير صالحة للاستخدام. الفلاحون يدركون حجم الفاجعة ولكن لا يملكون مصدراً آخر لري أراضيهم".
ويؤكد الشيتي: "إن كفاءة التربة تراجعت بشدة وتتعرض للبوار التدريجي بسبب أملاح الصرف الصحي المتدفق إلى مياه الترعة".
وبخلاف التداعيات الكبيرة على التربة، فهناك تأثير أيضاً مباشر على المواشي التي يعكف على تربيتها الفلاحون نظراً لاعتمادها تغذيتها على محاصيل هذه الأراضي.
وقد أبدى الفلاحون في أكثر من مناسبة غضبهم تجاه تجاهل الحكومة، ممُثلة في مديريات الري، وعدم توفير مياه ري نقية للأراضي الزراعية، خاصة في محافظة كفر الشيخ التي تختلط فيها مياه الصرف الصحي بالصرف الصناعي الذي يحوي مُذيبات ومواد كيميائية.

هذه المخاطر يُدركها جيداً المواطنون الذين لا يجدون أمامهم سوى المحاصيل، التي تم ريها بالصرف الصحي، إذ تعبر السيدة، ماجدة أيوب، (ربة منزل 54 عاماً) عن حجم المأساة التي يعيشها المصريون، وتقول: "أصبحت الأمراض تنتشر بيننا بصورة واسعة وغير طبيعية، ونعرف جيداً أن تلوث الأطعمة سبب رئيسي في هذه الأمراض".
وتشدد أيوب على أن الحكومة تعلم جيداً هذه المخاطر دون أن تتحرك، ونعلم أيضاً أن كثيراً من الفلاحين يمتنعون عن تناول المحاصيل المزروعة بأراضيهم، والبحث عن محاصيل أخرى تم ريها بمياه نقية، هرباً من المرض.
حديث هذه السيدة تؤكده الدراسات العلمية، التي ذهبت إلى أن المحاصيل الزراعية التي خضعت للري بالصرف الصحي تكون مُمرضة، ولا سيما النيئة منها كالخس والبقدونس ولا تكفي عملية الغسل والنقع بالخل لإزالة آثار التلوث. وأرجعت الدراسات هذا الأمر إلى أن الأمراض قد دخلت أنسجة النبات، ولا يمكن التخلص منها إلا بالطهو على درجات حرارة عالية لا تناسب الكثير من المحاصيل.
وهناك كارثة أخرى أشد خطورة تضرب صُلب أنظمة الري والشرب في مصر، ألا وهي صب مصارف رئيسية للصرف الصحي غير المعالج في نهر النيل. ويؤكد الباحث، أحمد السيد، أن حصة مياه النيل البالغة 55 مليار متر مكعب سنوياً أصبحت غير كافية لسد احتياجات البلاد، في ظل الزيادة السكنية.

ومن هنا باتت مياه الصرف الصحي تدخل مباشرة لمياه النيل وتساهم في زيادة منسوب المياه.
ويوضح السيد أن مصرف "اللبيني" للصرف الصحي، الذي يعبر ترعة "نكلا" للصب في مياه النيل، أحد الأمثلة الحية على الكارثة التي تحدق بالمصريين.
المساهمون