تعيش أغلب المدن اليمنية أوضاعا أمنية واقتصادية مزرية، بعد تزايد الصراع الذي أخذ بعدا طائفيا ومذهبيا في البلاد.
ومنذ أواخر مارس/آذار الماضي، تدور معارك ضارية بين جماعة الحوثي وأنصار الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من جهة، وفصائل المقاومة الشعبية المحسوبة على الرئيس عبدربه منصور هادي وحزب الإصلاح وحلفائهم القبليين من جهة أخرى.
وتتركز المعارك ذات البعد المذهبي والطائفي في محافظات عدن وتعز وإب ومأرب وشبوة ولحج والضالع ذات الأغلبية السكانية السنية.
ويعتقد نشطاء وإعلاميون يمنيون أن ما يحدث في بلادهم، هو جزء من مخطط دولي وإقليمي مهمته التصدي لثورات الربيع العربي، التي خرج فيها الشباب إلى الساحات، للمطالبة بالحرية والكرامة والعيش الرغيد.
يقول الصحافي الشاب ماهر منصر لـ"جيل العربي الجديد" إن ما يحدث من معارك يومية لها طابع مذهبي، خصوصا عند النظر إلى جماعة الحوثي كجماعة دينية زيدية تحالفت مع إيران، وهي المركز الرئيسي للمذهب الشيعي في بلاد الإسلام.
وأكد منصر أن تحالف الجماعة كان ولا يزال مع رموز وشخصيات أخرى من داخل المذهب الزيدي وفي محافظاته، فضلا عن أنهم داعمون للأقليات الزيدية وللأسر التي تنتمي لما يسمى بـ"آل البيت" في محافظات الوسط والجنوب ذات الأغلبية السنية.
ويقود الحوثيون بعد سيطرتهم على الحكم بالقوة بمساندة من قوات الحرس الجمهوري التابعة لنجل الرئيس المخلوع أواخر يناير/كانون الثاني الفائت، تحركات عسكرية في جبهات عديدة، بعد أن وُجهوا بمقاومة شعبية سقط على إثرها آلاف اليمنيين قتلى وجرحى، أغلبهم من المدنيين.
وبعد مطالبة الحكومة الشرعية المجتمع الدولي والإقليمي بالتدخل عسكريا أثناء التمرد على شرعية الرئيس هادي من قبل حلف صالح والحوثي، دخلت القوات الجوية السعودية في 26 مارس/آذار الماضي من خلال حلف إقليمي عربي مدعوم لوجستيا من قبل بعض القوى العظمى سمي بـ"عاصفة الحزم" لضرب أهداف عسكرية لما بات يعرف بالمتمردين.
هذا التدخل الإقليمي ساهم في رفع معنويات المقاومة في الجبهات الداخلية، فازدادت ضراوة المعارك التي خلفت مزيدا من الدمار المادي والمعنوي.
وكثفت السعودية التي تقود ذلك التحالف من ضرباتها الجوية لمواقع عسكرية تتبع "المتمردين" في مختلف المحافظات اليمنية، فيما ظلت وما تزال تستهدف تحركات صالح والحوثي العسكرية، وقطع أوصالهم في محافظات البلاد، الأمر الذي رجح كفة المقاومة الشعبية في بعض الجبهات.
في المقابل، تكفلت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها بدعم المقاومة ومدها بالذخيرة والسلاح في بعض الجبهات، ما جعل مقاتلي صالح والحوثي يكثفون من ضرباتهم للمدن والمدنيين، انتقاما من الضربات الجوية الموجعة التي تلقوها من مقاتلات "عاصفة الحزم".
وما يزال اليمن يعيش أوضاعا مزرية، بعد أن فرضت السعودية وحلفاؤها حصارا جويا وبحريا عليه، بهدف قطع إمدادات تحالف صالح والحوثي من قبل حليفهم الإقليمي، جمهورية إيران.
وهو الأمر الذي جعل اليمنيين يعيشون، إلى جانب الدمار في بعض المدن، أزمة خانقة لما يزيد عن شهرين، بسبب غياب الخدمات الأساسية من نفط وغاز وكهرباء، ما دفع منظمات دولية إلى اعتبار ما يحدث في اليمن كارثة إنسانية بكل المقاييس.
وخلف الاحتراب اليومي بالأسلحة الثقيلة في محافظات تعز وعدن ولحج والضالع حياة يصفها مهتمون بالكارثية.
وتقول الناشطة فاتن سعيد من محافظة عدن لـ"جيل العربي الجديد": إن عدن باتت مدينة أشباح بالفعل، وإن الحياة فيها متوقفة بشكل شبه كامل، مشيرة إلى أن أبناءها يعيشون حالة مزرية للغاية.
وتؤكد الناشطة سعيد، التي تقوم بأنشطة ومبادرات ﻹغاثة النازحين والجرحى، أن كل بيت عدني يعاني من هذه الحرب، فالذي لم يدمر بيته ولم يفقد أحد أعضائه، أصيب أو نزحت الأسرة أو أنها بقيت في منزلها، لكنها لا تملك ما تأكله منذ أسابيع، على حد قولها.
ولا تنكر الناشطة سعيد تزايد حالة الغبن والكراهية في عدن الجنوبية لكل ما هو شمالي، مشيرة إلى أن البعض بات ينظر إلى هذه الحرب على أنها حرب مناطقية وطائفية بامتياز.
إزالة التجهيل الديني
وترى الناشطة الحقوقية والإعلامية، نعائم الخليدي، في تصريح أن الدور المفترض للشباب العربي الذين تصدروا الواجهة في ثورات الربيع العربي هو إزالة التجهيل الديني بالطائفية بين أوساط المجتمع، وإسكات أصوات الخطابات الدينية المشحونة بالعبارات العنصرية التي ظللت على حقيقة التوجه المدني للثورات العربية، موضحة أنها أوجدت صراعات عبثية بمسميات دينية ذات توجه طائفي، تجعل مدارك تحليل المشهد بعيدة كل البعد عن التفكير في المصالح الجغرافية والاستراتيجية للدول المستفيدة.
وتوضح الخليدي أن الطائفية أخذت مساحة مؤثرة تُنتج المُبررات الوهمية والشعارات الزائفة التي تخدم أجنداتها وسياساتها.
وتضيف، الموجة الطائفية لا يمكن تجاهل دورها في تأجيج حدة الصراع والتفكك، ومحاولة إغراق النسيج الاجتماعي في دوامة لا متناهية من التمزق والفُرقة الذي سيساعدهم تارة في تحقيق مآربهم المنشودة بسهولة في مجتمع غير متماسك، وتارة أخرى في القضاء على النزعة الثورية التي تجسدت في صحوة الشعوب ورفضهم للفساد المتمثل في كيان حكوماتهم، لتكون بذلك قد ضربت عصفورين بحجر الطائفية.
ثورات مضادة برداء الطائفية
إلى ذلك، يؤكد نشطاء في الثورة الشبابية الشعبية أن هذا الصراع الطائفي هو بمثابة رداء للثورات المضادة، وهو في كل الأحوال لن يثنيهم عن مواصلة مسيرتهم التغييرية للوصول إلى الحرية والعدالة والعيش الرغيد.
ويقول الناشط المدني، عارف العامري، لا يمكن لشباب ثورة 11 فبراير/شباط 2011 أن يبتئسوا رغم كل الذي يحدث، فهم سيقدمون اليوم شهداء كما قدموا بالأمس، للتخلص من كابوس الثورة المضادة التي باتت تلفظ اليوم آخر أنفاسها في اليمن، مبينا أن صوت الشباب الحر سيظل عاليا، وسينتصرون في النهاية دون شك.
(اليمن)