الصداقة بين الرجل والمرأة بين الضرورة والمحظور

03 يوليو 2018
+ الخط -
"وإن كنتِ تؤمنين بأنّه مجرّد صديق تتبادلين معه الحديث والكتب والموسيقى؛ فهو حتماً لا يراكِ كذلك بمخيّلته"..

عادة ما يكون هذا الردّ المعلّب جاهزاً عند كل حديث عن علاقتها الأفلاطونية البريئة مع صديقها الشاب. الجميل هنا أنّها باتت قادرة على التصريح بصداقاتها مع الجنس الآخر؛ فهي لا تنسى قبل بضع سنوات عندما قامت زميلة لها بمهاجمتها عبر منشور على فيسبوك، حيث وصفت علاقاتها مع أصدقائها الشباب بالعلاقات اللاأخلاقية المشبوهة التي قطعاً تسيء للفتاة ولعائلتها وتضعها موضع شكٍ وريبة.

لربّما تغير الوضع الآن قليلاً عما قبل، ومع ذلك فما زالت الاتهامات والشكوك حاضرة لدى الكثيرين. ويعود ذلك لعوامل عدة، أذكر منها: الدين والعادات والتقاليد ونمط السلوك المتّبع التي يمكن إجمالها جميعاً بما يسّمى بالثقافة السائدة في المجتمع.


ففي حين نرى أنّ مثل هذه الصداقات طبيعي جداً في المجتمعات الغربية، نجدها تصل إلى رتبة التحريم والفجور في مجتمعاتنا العربية. وأذكر فتوى من أكبر المواقع الإسلامية كمثالٍ هنا "أنّ هذه الصداقات حرام شرعاً؛ فهي ذريعة للوقوع في الفاحشة"، مستندين إلى الآية القرآنية "ولا متّخذات أخدان" أي أصدقاء.

وبما أن جزءاً كبيراً من تشريعاتنا وقوانيننا وعاداتنا وتقاليدنا مستمدةٌ من الإسلام؛ فكان لا بدّ أن ينبذ المجتمع هذه الصداقات، ويراها خروجاً وتمرداً عن المألوف. فنرى الأسرة من جهتها تحذّر أبناءها وبناتها من هذه العلاقات، ونرى المدارس والجامعات والمؤسسات من جهة أخرى تحرص على عدم التقاء واختلاط الجنسين في مكان واحد، تجنّباً لنشوء تلك الصداقات. ولا يقتصر التخوّف من هذه الصداقات على أرض الواقع فحسب؛ بل يمتد ليشمل أيضاً العلاقات الافتراضية على كافة مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الشبابية الإلكترونية المختلفة.

السؤال الآن الذي أودّ أن أختم به مقالتي هذه، هو: ما النتائج التي حصلنا عليها كمجتمعات عربيّة محافظة من محاولاتنا منع تشكيل علاقات الصداقة بين الرجل والمرأة؟

بالطبع ستختلف الإجابات باختلاف المجيبين؛ فسيجيب المحافظون الملتزمون بالنص بأنها قطعت حبال الشيطان وسدّت ذرائعه. بينما سيقول آخرون إنّ هذه المحاولات حمت المجتمع من الفساد الأخلاقي الذي قد ينتج عن هكذا علاقات مشبوهة لا داعٍ لوجودها.

ولكنّها ستدافع هي والمتمرّدون أمثالها بأنها حرمتهم من التوازن النفسي المجتمعي؛ إذ شكّلت أفراداً لا يعرفون كيفيّة التعامل مع الجنس الآخر، وحصرت النظر إليه بالنظرة الجنسيّة البحتة، وحرمتهم من تبادل أفكارهم ومعلوماتهم ومشاعرهم واقتراحات الكتب والموسيقى التي بالطبع كانت ستثري الجنسين الأنثوي والذكري على حدّ سواء.
B6981CBD-A92E-4191-8DC6-5B448B43F73F
آلاء ياسين

كاتبة فلسطينية تقيم بغزة، حاصلة على ليسانس آداب وتربية في اللغة الإنجليزية من جامعة الأزهر