رغم التطوّر النسبيّ على المستوى الكميّ والنوعيّ في قطاع الإعلام العربيّ، خصوصاً بعد الثورات العربيّة التي وسّعت هامش حريّة التعبير، إلاّ أنّ الواقع الاقتصاديّ والمهنيّ للصحافي العربيّ لم يواكب تطوّر القطاع ككلّ. حيث ظلّ المهنيّون الطرف المهمّش رغم دورهم المحوري في تشكيل الرأي العام ونقل الحقيقة. الانتهاكات التّي يتعرّض لها الصحافي لا تقتصر على التعنيف الأمني والرقابة والتضييق، بل تشمل كرامته التّي تُمتهن يوميّاً نتيجة التفقير وغياب أبسط الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعية.
تقول الصحافيّة التونسيّة خولة العشّ "تحمّل الصحافي بمفرده ارتدادات أزمة القطاع الإعلامي، إذ إنه من بين 265 مؤسسة إعلامية مختلفة تم إنشاؤها عقب الثورة في تونس، لم تستطع سوى 45 منها الصمود. وهو ما أدى إلى انتكاسة حقيقيّة للأوضاع المهنيّة للصحافيّين الذّين وجدوا أنفسهم مخيّرين بين البطالة أو العمل تحت الضغط ووفق شروط مجحفة من أرباب المؤسّسات الإعلاميّة بأجور لا تتجاوز 300 دولار".
وتضيف خولة "قامت النقابة المهنيّة بخطوات إيجابيّة لتحسين ظروف الصحافيّين عبر توقيع عدد من الاتفاقيات مع أرباب المؤسّسات الإعلاميّة، إلاّ أن الكثير من بنود هذه الاتفاقيات ظلّت حبراً على ورق، إما نتيجة مماطلة وتحايل أصحاب الصحف والإذاعات، أو نتيجة يأس الصحافيين وخوفهم من شبح البطالة الذي يدفعهم قسراً إلى التخلّي عن حقوقهم المهنيّة في ما يتعلّق بالتغطية الاجتماعية والحد الأدنى للأجور".
اقرأ أيضاً:العراقيون يتركون بيوتهم والحكومة تقطع عنهم الرواتب
وتؤكد خولة أن العديد من الصحافيين يعانون من آليات التشغيل الهشّ كتوظيفهم في مؤسسات إعلامية مكتوبة أو مسموعة أو مرئية دون عقود عمل أو ضمان اجتماعي أو تأمين، فيجدون أنفسهم بين مطرقة الواجب المهنيّ وسندان خطر العمل الميداني في ظلّ غياب الضمانات الكفيلة بحمايتهم ماديّاً وقانونيّاً". وتختم "إن الصحافيّ فرد من المجتمع الذّي يعاني أغلبه من تبعات الأزمة الاقتصاديّة الخانقة، كارتفاع الأسعار والتضخّم إضافة إلى محدوديّة فرص العمل، وهو ما ينعكس سلباً على مردوده وعلى تطوره في هذه المهنة".
معاناة مشتركة
معاناة الصحافيّين لا تقتصر على بلد عربيّ دون آخر، بل هي حالة شاملة لقطاع يصنّف كسلطة رابعة. إذ يشير نجيب، وهو صحافيّ يمني، إلى أنّ العامل في القطاع الإعلامي اليمني يمارس المهنة في مختلف الوسائل الإعلامية المستقلة والحزبية بدون عقد عمل، وعادة ما يكون راتب الصحافي الميداني في المتوسط 200 دولار، أما بالنسبة للصحافي في الوسائل الحكومية فيصل راتبه إلى 170 دولاراً، لافتاً إلى أن الكثير من وسائل الإعلام المختلفة في اليمن تعتمد آلية تُعرف محلياً بنظام "القطعة"، أي دفع مستحقات مالية مقابل الإنتاج ولا تلتزم براتب شهري، وعادة ما تراوح قيمة المادة الصحافية في المتوسط ما بين 25 إلى 30 دولاراً.
أما بالنسبة لموضوع التغطية الاجتماعية والحماية المعنويّة والماديّة للصحافيّين، فيؤكد نجيب أنّها غائبة تماماً، ولا تقدّم المؤسّسات المشغّلة لمنتسبيها أية رعاية، كما أنّ نقابة الصحافيين تبدو غائبة تماماً على صعيد الدفاع عن حقوق أهل المهنة، ويقتصر نشاطها على إصدار بيانات الإدانة عند تعرّض صحافي للاعتقال أو الضرب أو الصرف.
العمل للحساب الخاصّ بدوره ما يزال غير منظّم، بحسب نجيب، أمّا عن المدوّنات، فيشير هذا الأخير إلى أنّه لا توجد أية قيود على إنشاء المواقع والمدوّنات الخاصّة، ولكن ما إن تتعارض المقالات المنشورة مع النظام الحاكم أو تنتقده فإنّها تكون عرضة للحجب.
الوضع في الأردن لا يختلف. إذ تشير الصحافيّة كرمل زهير إلى أنّ وضع المهنيّين في الأردن يكاد يكون كارثيّاً في ظلّ تدني الأجور التي لا تتجاوز 200 دولار، إضافة إلى غياب التأمين والضمان الصحيّ والاجتماعيّ للصحافيّين. كما تؤكّد هذه الأخيرة أنّ عقود التشغيل، إنْ وُجدت، فهي لا تضمن حقّ الصحافيّ الذّي يكون دائماً عرضة للطرد التعسفيّ والحسم والتحايل من قبل أصحاب المؤسّسات الإعلاميّة الخاصّة.
هذا، وتشير كرمل إلى أنّ 10% من المهنيّين يتمتّعون بظروف مهنيّة وماديّة مريحة، إما لقربهم من السلطة أو لكونهم من نجوم أوقات الذروة في التلفزيون. أما الباقون، من فرق الإعداد والمصوّرين والتقنيّين، فيكون نصيبهم التهميش والإكراه على العمل في الظلّ وحرمانهم من أبسط حقوقهم الماديّة والمهنيّة.
هذا، وتؤكّد زهير أنّ الصحافيّين يجدون أنفسهم مجبرين على الخضوع لإملاءات السياسيّين أو أصحاب المؤسّسات أو الانخراط في أعمال رديئة ودعائيّة نظراً للإغراء الماديّ وغياب البدائل، وخصوصاً أنّ الوسائل الإعلاميّة الخاصّة تبحث عن الربح الماديّ وعائدات الإعلان على حساب جودة المواد المقدّمة للقرّاء أو المشاهدين. هذه الظروف البائسة، بحسب محدّثتنا، هي ما تؤدّي في نهاية المطاف إلى تدجين الإعلام وانحرافه عن مهمّته الأساسية في تنوير الرأي العام والكشف عن الحقيقة.
اقرأ أيضاً:الطبقة الوسطى العربية: الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تهدّد بزوالها
تقول الصحافيّة التونسيّة خولة العشّ "تحمّل الصحافي بمفرده ارتدادات أزمة القطاع الإعلامي، إذ إنه من بين 265 مؤسسة إعلامية مختلفة تم إنشاؤها عقب الثورة في تونس، لم تستطع سوى 45 منها الصمود. وهو ما أدى إلى انتكاسة حقيقيّة للأوضاع المهنيّة للصحافيّين الذّين وجدوا أنفسهم مخيّرين بين البطالة أو العمل تحت الضغط ووفق شروط مجحفة من أرباب المؤسّسات الإعلاميّة بأجور لا تتجاوز 300 دولار".
وتضيف خولة "قامت النقابة المهنيّة بخطوات إيجابيّة لتحسين ظروف الصحافيّين عبر توقيع عدد من الاتفاقيات مع أرباب المؤسّسات الإعلاميّة، إلاّ أن الكثير من بنود هذه الاتفاقيات ظلّت حبراً على ورق، إما نتيجة مماطلة وتحايل أصحاب الصحف والإذاعات، أو نتيجة يأس الصحافيين وخوفهم من شبح البطالة الذي يدفعهم قسراً إلى التخلّي عن حقوقهم المهنيّة في ما يتعلّق بالتغطية الاجتماعية والحد الأدنى للأجور".
اقرأ أيضاً:العراقيون يتركون بيوتهم والحكومة تقطع عنهم الرواتب
وتؤكد خولة أن العديد من الصحافيين يعانون من آليات التشغيل الهشّ كتوظيفهم في مؤسسات إعلامية مكتوبة أو مسموعة أو مرئية دون عقود عمل أو ضمان اجتماعي أو تأمين، فيجدون أنفسهم بين مطرقة الواجب المهنيّ وسندان خطر العمل الميداني في ظلّ غياب الضمانات الكفيلة بحمايتهم ماديّاً وقانونيّاً". وتختم "إن الصحافيّ فرد من المجتمع الذّي يعاني أغلبه من تبعات الأزمة الاقتصاديّة الخانقة، كارتفاع الأسعار والتضخّم إضافة إلى محدوديّة فرص العمل، وهو ما ينعكس سلباً على مردوده وعلى تطوره في هذه المهنة".
معاناة مشتركة
معاناة الصحافيّين لا تقتصر على بلد عربيّ دون آخر، بل هي حالة شاملة لقطاع يصنّف كسلطة رابعة. إذ يشير نجيب، وهو صحافيّ يمني، إلى أنّ العامل في القطاع الإعلامي اليمني يمارس المهنة في مختلف الوسائل الإعلامية المستقلة والحزبية بدون عقد عمل، وعادة ما يكون راتب الصحافي الميداني في المتوسط 200 دولار، أما بالنسبة للصحافي في الوسائل الحكومية فيصل راتبه إلى 170 دولاراً، لافتاً إلى أن الكثير من وسائل الإعلام المختلفة في اليمن تعتمد آلية تُعرف محلياً بنظام "القطعة"، أي دفع مستحقات مالية مقابل الإنتاج ولا تلتزم براتب شهري، وعادة ما تراوح قيمة المادة الصحافية في المتوسط ما بين 25 إلى 30 دولاراً.
أما بالنسبة لموضوع التغطية الاجتماعية والحماية المعنويّة والماديّة للصحافيّين، فيؤكد نجيب أنّها غائبة تماماً، ولا تقدّم المؤسّسات المشغّلة لمنتسبيها أية رعاية، كما أنّ نقابة الصحافيين تبدو غائبة تماماً على صعيد الدفاع عن حقوق أهل المهنة، ويقتصر نشاطها على إصدار بيانات الإدانة عند تعرّض صحافي للاعتقال أو الضرب أو الصرف.
العمل للحساب الخاصّ بدوره ما يزال غير منظّم، بحسب نجيب، أمّا عن المدوّنات، فيشير هذا الأخير إلى أنّه لا توجد أية قيود على إنشاء المواقع والمدوّنات الخاصّة، ولكن ما إن تتعارض المقالات المنشورة مع النظام الحاكم أو تنتقده فإنّها تكون عرضة للحجب.
الوضع في الأردن لا يختلف. إذ تشير الصحافيّة كرمل زهير إلى أنّ وضع المهنيّين في الأردن يكاد يكون كارثيّاً في ظلّ تدني الأجور التي لا تتجاوز 200 دولار، إضافة إلى غياب التأمين والضمان الصحيّ والاجتماعيّ للصحافيّين. كما تؤكّد هذه الأخيرة أنّ عقود التشغيل، إنْ وُجدت، فهي لا تضمن حقّ الصحافيّ الذّي يكون دائماً عرضة للطرد التعسفيّ والحسم والتحايل من قبل أصحاب المؤسّسات الإعلاميّة الخاصّة.
هذا، وتشير كرمل إلى أنّ 10% من المهنيّين يتمتّعون بظروف مهنيّة وماديّة مريحة، إما لقربهم من السلطة أو لكونهم من نجوم أوقات الذروة في التلفزيون. أما الباقون، من فرق الإعداد والمصوّرين والتقنيّين، فيكون نصيبهم التهميش والإكراه على العمل في الظلّ وحرمانهم من أبسط حقوقهم الماديّة والمهنيّة.
هذا، وتؤكّد زهير أنّ الصحافيّين يجدون أنفسهم مجبرين على الخضوع لإملاءات السياسيّين أو أصحاب المؤسّسات أو الانخراط في أعمال رديئة ودعائيّة نظراً للإغراء الماديّ وغياب البدائل، وخصوصاً أنّ الوسائل الإعلاميّة الخاصّة تبحث عن الربح الماديّ وعائدات الإعلان على حساب جودة المواد المقدّمة للقرّاء أو المشاهدين. هذه الظروف البائسة، بحسب محدّثتنا، هي ما تؤدّي في نهاية المطاف إلى تدجين الإعلام وانحرافه عن مهمّته الأساسية في تنوير الرأي العام والكشف عن الحقيقة.
اقرأ أيضاً:الطبقة الوسطى العربية: الأزمات الاقتصادية والاجتماعية تهدّد بزوالها