الصحافة الورقية التونسية: أزمة مستمرّة

24 اغسطس 2019
أغلقت صحيفة "التونسية" وغيرها بسبب الأزمة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أنّ الصحافة الورقية لا تزال تعاني من أوضاع مادية وتسييرية مستفحلة في تونس، رغم مساعٍ من كلّ الأطراف المتدخّلة فيها للخروج بها من عنق الزجاجة، ما قد يُؤدي بها إلى الاندثار النهائي، خصوصاً بعد تراجع عدد المنشورات الورقية الصحافية من 255 مطبوعة سنة 2010 إلى أقل من 55 مطبوعة سنة 2019. العدد مرشّح للانخفاض إن لم يتم إيجاد حلول عمليّة للخروج من هذه الأزمة الخانقة، والتي تعود أساساً إلى تراجع المبيعات، حيث لا يُباع، وفقاً لرئيس جمعية مديري الصحف، الطيب الزهار، أكثر من 100 ألف نسخة يومياً، من كل المنشورات، وهو رقم ضعيف جداً في بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 11 مليوناً. هذا عدا عن تراجع المردودية المالية للإعلانات التجارية نتيجة منافسة المواقع الإلكترونية والأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها تونس منذ سنوات. 

في ظلّ ذلك، بدأت الحكومة التونسية بتنفيذ خطة لإنقاذ الصحف التابعة لها؛ إذ كلّفت، قبل أيام، لجنةً، برئاسة الإعلامي زياد الهاني، كي تتولى دراسة وضعيّة "دار سنيب لابراس" التي تُصدر صحيفتين يوميّتين، إحداهما ناطقة بالفرنسية هي صحيفة "لابراس" La Presse وأخرى ناطقة بالعربية هي صحيفة "الصحافة اليوم". والأخيرة تُعدّ إحدى أعرق المؤسسات الصحافية في تونس، إذ تأسست في ثلاثينيات القرن الماضي، لكنها تعاني وضعاً مالياً وتسييرياً صعباً جعلها تعجز في العديد المرات عن الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه العاملين فيها، عدا عن أنّ الإدارة قامت بتسريح عدد كبير من الصحافيين العاملين فيها.

ووفقاً للهاني، فإنّ اللجنة ستعمل على إيجاد مخرجات عملية لوضعية المؤسسة، خصوصاً بعد فشل الإدارة العامة السابقة التي كلّفتها الحكومة، في رسم خطة إنقاذ عاجلة للمؤسسة. لكنّ أكثر المتفائلين يعتبرون أنّ عمل اللجنة قد يبوء بالفشل إذا لم تكن هناك إرادة حكومية صادقة لدعم عمل هذه اللجنة.

والأمر هذا لا يقتصر على وضع "دار سنيب لابراس" بل يتجاوزه إلى ثاني أعرق مؤسسة فى الصحافة الورقية هي "دار الصباح" التي تُصدر ثلاث صحف، بينها يوميتان وأخرى أسبوعيّة. فهذه الدار، وبعد مصادرتها من قبل الدولة التونسية بعد الثورة من قبل مالكها محمد صخر الماطري الصهر السابق للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، دخلت في دوامة من المشاكل المادية والإداريّة جعلتها تعاني عجزاً مالياً كبيراً كان له التأثير السلبي على العاملين فيها. وهم يخوضون تحركات مستمرة من أجل ضمان حقوقهم المهنية والمادية والبحث عن السبل العملية لضمان استمرارية الدار أو بيعها لمستثمر خاص، وفقاً لشروط تحترم خطها التحريري المستقل وتضمن حقوق العاملين فيها.

واعتبرت جمعية مديري الصحف أنّ الأزمة التي تعيشها الصحافة الورقية تعود في جزءٍ منها إلى عدم التزام رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، بالعهود التي قطعها على نفسه منذ ما يزيد على السنتين، ومنها رفع عدد الاشتراكات الحكومية بالصحف وتقديم دعمٍ مادي للتحول الرقمي وتخفيض أو جدولة ديونها تجاه الصناديق الاجتماعية. وهذا رغم أنّ هذه الجمعية أنجزت التزاماتها تجاه العاملين فيها، ومنها رفع (منذ أسبوع) أجور العاملين في قطاع الصحافة المكتوبة بعد توقيع اتفاق مع النقابة العامة للإعلام (المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل).

وأزمة الصحافة الورقية مرشّحة لمزيد من التصعيد، خصوصاً في ظل تهديد مالكي الصحف بغلق صحفهم، مثلما فعل من يملك صحيفة "الصريح" اليومية وصحيفة "أخبار الجمهورية" الأسبوعية، وصحيفتَي "التونسية" و"الضمير"، وغيرها؛ إذ الجميع في تونس ينتظر غلق صحف أخرى وإحالة الصحافيين العاملين فيها إلى البطالة الإجبارية.
المساهمون