الصحافة الفرنسية بين التعاطف التلقائي مع لندن... وانتقاد "تساهلها"

23 مارس 2017
تشابهت المواقف مع الصحافة البريطانية (راي تانغ/الأناضول)
+ الخط -
"كما عندنا عندكم"، هذا هو لسان حال الجميع في فرنسا، بعد الاعتداء الإرهابي الذي ضرب أمس الأربعاء 22 مارس/آذار، العاصمة البريطانية، رجال سياسة، ولكن أيضًا وسائل الإعلام. مزيجٌ من التعاطف ومن العتاب، لأن بريطانيا، كما تُرَى من فرنسا، "تمارس نوعًا من التساهل مع دعاة التطرف في مساجدها".


وليس أكثر صراحة في الصحافة الفرنسيّة من صحيفة "لوفيغارو" اليمينية، التي ترى الإرهاب في كل مكان، فقد حملت صفحتها الأولى عنواناً كبيراً: "الإرهاب الإسلاموي يضرب قلبَ لندن". وفي مقال طويل في صفحة رأت في ما حدث "رُعبا يضرب وستمنستر"، وأشارت أيضا، في قراءة لما حدث، إلى أن "لندن أصبحت، بدورها، هدفاً للإرهاب منخفض الكلفة".


وكتبت الصحيفة "إرهابيون متعصبون مستعدون للموت، أشياء من الحياة اليومية يتمّ تحويلُها إلى وسائل موت، أهداف رمزية يتم استهدافها من أجل مضاعفة الرعب والصدمة النفسية"، قبل أن تصل إلى الخلاصة: "إن اعتداء لندن توضيح لهذا الإرهاب غير المكلف، والذي يُدمي كبريات المدن الأوروبية، في السنوات الأخيرة، وهي طرق هجوم شجَّع عليها أبو محمد العدناني، في 22 سبتمبر/أيلول 2014، في دعوته إلى قتل مواطني دُوَل التحالف".


واستعرضت الصحيفة مختلف المراحل التي مرّ بها "الإرهاب الإسلاموي في الغرب"، كما قالت، فكتبت: "بعد كل هجمات ما قبل 2016، كان يجب توقع الأسوأ: وهو ما حدث في نيس 14 يوليو/تموز 2016، على يد التونسي محمد بوهلال، وعلى يد تونسي آخر، أنيس عمري، في برلين، 19 ديسمبر/كانون الأول 2016".



وتطرقت صحيفة "لومانيتيه" بشكل مقتضب إلى الموضوع، مستعرضةً ما حدث "هجوم إرهابي بالقرب من البرلمان البريطاني" وردود الفعل، ومن بينها رد فعل عمدة لندن، الذي حيَّا دور الشرطة وقسم الإغاثة، وتضامن الرئيس الفرنسي وأيضا الأمين العام للحزب الشيوعي، مع الشعب البريطاني.


صحيفة "لاكَرْوا"، تحدثت في مقال لها: "هجوم إرهابي يضرب لندن في قلبها"، مستعرضة تفاصيل ما جرى في لندن.



أما صحيفة "لوباريزيان"، فتحدثت عن "الإرهاب، وكيف أنه استهدف قلب لندن". وكرّست مقالا صغيرا لـ توبياس إلوود "النائب - البطل" (ضابط سابق في الجيش، أصبح نائبا عن حزب المحافظين سنة 2005، ويشتغل في الخارجية، مكلفا في شؤون إفريقيا والشرق الأوسط وقضايا مكافحة الإرهاب)، الذي "حاوَل، إنعاش الشرطي الذي تعرَّض للطعن، لكن المعجزة لم تحدُث"، كما تقول الصحيفة. ويذكّرنا المقال بأن نفس النائب "فقد، قبل 15 سنة، أخاه، جوناثان، في اعتداء بالي، سنة 2002".


وكرست الصحيفة مقالاً عن الطلبة الفرنسيين الثلاثة الجرحى في هذا الاعتداء الإرهابي، الذي استخدم فيه المهاجم ما تقول الصحيفة بأنه سلاح "السيارة المجنونة"، والذي سبق تجريبه في "23 مايو/أيار 2013 في لندن، ثم 19 ديسمبر/كانون الأول 2016 في برلين، و14 يوليو/تموز 2016 في نيس".



"ليبراسيون" عنونت صفحتها المكرسة لما حدث، بـ"هجوم في العمق السياسي للندن"، وبعد أن استعرضت خيط ما جرى، ذكّرت بأن ما حدث يأتي "بعد مرور عام كامل على اعتداءات بروكسيل، التي خلفت 32 قتيلا".


في حين أن موقع "أتلانتيكو" الإخباري اليميني، رأى في ما جرى: "حرباً ضد الديمقراطيات الأوروبية، جميعاً، بغضّ النظر عن السياسات الداخلية المختلفة بين دولها". ولهذا السبب: "تحدث الاعتداءات في بريطانيا، التي تتساهل مع الدعاة المتشددين، وتحدث أيضا في دول تختلف سياساتها عن بريطانيا كفرنسا وبلجيكا والدنمارك"، وبالتالي "لا يوجد رابط تلقائي بين سياسة حكومة ما، وأفكارها متعددة الثقافات، ودرجة العلمانية فيها. فالاعتداءات ضربت في أماكن متعددة ومختلفة".



أما صحيفة "ويست فرانس"، وهي من أكبر الصحف الفرنسية وأوسعها انتشارًا، فقد اعتبرت ما جرى "اعتداء جديدا على الديمقراطية". وكتبت: "لا ينبغي لنا أن نخطئ في قراءة ما جرى. فليس، فقط، الصدى العالمي الذي يضمنُهُ، في الرؤوس المريضة لمرتكبي هذا الاعتداء، اختيارُ هذا الموقع المعروف عالميا والذي يحظى بالاحترام. بل الديمقراطية، هي أيضا، المستهدَفَة. كما كان عليه الشأن في باريس وكل المدن التي تعرضت للاعتداء".


وخلُصت إلى أن "قتلة الظل الذين يريدون إرهاب أوروبا يحومون. لا يتعلق الأمر بجيش، فلن نمنحهم هذا الشرف، ولكن يتعلق الأمر بتهديد رهيب ومستمر ومنتشر. والذي يتعين على حكومتنا أن تكافحه بأكبر قدر من الصرامة والذي يجب أن يتعامل معه المواطنون بأكبر درجات اليقظة".

وأعلنت الصحيفة تضامنها مع سكان لندن: "نحن، جميعا، لندنيون، حتى في زمن البريكست. أمامنا، جميعا، تحدي رهانات أمنية واستراتيجية لا سابق لها، منذ جيلين. وهو ما يتطلب الصرامة والهدوء ووضوح الرؤية. حتى لا نستسلم للخوف".


وغير بعيد من هذه القراءة، كتبت صحيفة "لوموند" أن ما حدث في لندن "هجوم أصاب رمز الديمقراطية".


وإذا كانت الصحافة الفرنسية في اتجاهها العام، وبعد الاعتداء، تميلُ إلى اعتبار الديمقراطية هي المستهدف الأول من هذا الهجوم الإرهابي، الذي ارتكبه مواطن بريطاني، إلا أن لحظة الصمت، تضامنا مع الضحايا، لن تتأخر طويلا. وبعدها، سيفتح الإعلام الفرنسي، خاصة اليميني، منابره، لانتقاد الموقف البريطاني الرسمي الملتبس، من الاندماج ومن دعاة المساجد، المتشددين، ومن الحجاب، إذ لم تتأخر رئيسة الحكومة البريطانية في انتقاد حكم المحكمة الأوروبية، الأخير، فيما يخص الحجاب في العمل، وهو ما أغاظ كثيرين من أنصار العلمانية الفرنسية. ​



المساهمون