لم يكن مرض الفشل الكلوي مانعا بالنسبة للشهيد والأسير المحرر مازن محمد المغربي (46 عاما) من سكان مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، من مشاركته بفعاليات التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام، فهم رفاق السجن والمعاناة، لذا كان متواجدا في خيمة التضامن معهم.
لم تفت مازن فعاليات التضامن، منذ اليوم الأول لإضراب الأسرى عن الطعام في 17 من الشهر الماضي، وشارك وحرض على التواجد في خيام الاعتصام، كان يخرج صباحا ويعود في وقت متأخر من الليل، فذاكرة مازن كانت عامرة بقضية الأسرى، إذ لم يمض على خروجه من السجن سوى عدة أشهر بعد الإفراج عنه في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2016، بحسب قول شقيقه منذر لـ"العربي الجديد".
أكثر من 12 عاما أمضاها مازن ابن حركة فتح، داخل سجون الاحتلال، اعتقلته قوات الاحتلال مرات عدة خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، عاش فيها ألم الأسرى ومعاناتهم، وأكثر ما كان يصعب عليه أنه لم يشهد ولادة أي طفل من أولاده، ولم يعرف أطفاله الثلاثة "بكر (9 سنوات)، عبد الرحمن (7 سنوات)، وأحمد (5 سنوات)"، وكان يراهم قد كبروا في كل مرة يخرج فيها من الاعتقال، ليعود إليه مجددا، يضيف منذر.
عام 2005 أصيب مازن في الاعتقال بجلطة في القلب نتيجة انسداد الشرايين، وخضع لعملية قسطرة، ثم أصيب بجلطة أخرى في اعتقال آخر، وأجريت له عملية شبكية في القلب، ومنذ إصابته الأولى كانت صحته تتدهور. ولم يشفع له مرضه واستمرت قوات الاحتلال باعتقاله، إلى أن أفرجت عنه قبل نحو 8 أشهر بعد قضائه 4 سنوات متواصلة داخل المعتقل، وخلالها عانى من إهمال طبي متعمد.
يقول منذر: "كان شقيقي حقل تجارب لأدوية جديدة يجربها الاحتلال عليه". ويضيف: "حدثني مازن أن سلطات الاحتلال كانت تعطيه أدوية لا يعرفها، وزاد وضعه تعقيدا، ولما كان يطلب الذهاب لعيادة السجن كانوا يرفضون ويجيبون بأنه لم يتبقَ على اعتقالك سوى 3 أشهر وتخرج".
ويتابع "بعد 3 أيام من الإفراج عن مازن، انتفخ جسده، ما اضطر العائلة إلى نقله للمستشفى، ليتبين بعد ذلك أنه مصاب بفشل كلوي"، مؤكدا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي مارست الإهمال الطبي بحق شقيقه وهو ما أدى لتدهور وتفاقم حالته الصحية.
حاولت العائلة أن تزرع كلية لابنها في الهند لكن القدر لم يمهلها، بعد أن بينت الفحوص أن جميع أشقائه غير مطابقين لشروط منحه كلية، في حين وجه منذر رسالة للعالم أجمع بأن ينظر إلى معاناة الأسرى الفلسطينيين الذين جعلتهم إسرائيل حقول تجارب من خلال الإهمال الطبي أو إعطائهم أدوية وعلاجات غير معروفة.
رغم إصابته بالفشل الكلوي لم يكن يأكل كثيرا خلال تضامنه مع الأسرى، وهو بحاجة لتناول الطعام من 3 إلى 4 مرات يوميا، وربما يكون تناول محلول الماء والملح أيضا، وهذا ممنوع على مريض الكلى، يشير منذر.
في ليل الأول من مايو/ أيار الجاري، تدهورت حالة مازن المغربي، فنقلته عائلته إلى مجمع فلسطين الطبي بمدينة رام الله، وكان قبلها في خيمة الاعتصام بمدينة رام الله، ويشير شقيقه منذر إلى "احتمال إصابة مازن بجلطة خفيفة وهو في خيمة الاعتصام، وساءت صحته بعد عودته إلى المنزل، ونقلناه إلى المستشفى بحالة حرجة وكان قلبه متوقفا وأعلنت وفاته فجر الثاني من مايو الجاري".
رحل الأسير المحرر مازن المغربي صاحب الخلق والمحب للناس والذي يسعى دوما إلى مساعدتهم، رحل من يعتبر "أمه فلسطين"، كما يقول شقيقه منذر. لكن العائلة أصرت على إقامة عزائه في خيمة التضامن مع الأسرى المضربين في منطقة رام الله التحتا بمدينة رام الله حيث يسكن، بعدما شيع جثمانه ظهر اليوم.
قبل انطلاق جنازته زار مازن خيمة التضامن ولكن هذه المرة شهيدا، وانطلق موكب تشييعه من أمام خيمة الاعتصام، ونقل بعدها إلى منزله حيث ألقيت نظرة الوداع عليه وصلي على جثمانه صلاة الجنازة في مسجد رام الله القديم برام الله التحتا، ومن ثم احتضنه تراب مدينته بمقبرة "رام الله الجديدة"، مدينة بيتونيا غرب رام الله.