الشهيد ليث أبو نعيم.. الطفل العائد إلى حضن أمه

31 يناير 2018
أصابه جندي الاحتلال برصاصة معدنية في عينه (فيسبوك)
+ الخط -


أصرّ الفتى ليث هيثم أبو نعيم (16 عاماً) من قرية المغير شمال شرق رام الله وسط الضفة الغربية، عصر أمس الثلاثاء، على الخروج من منزله للمشاركة مع فتية القرية في التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي التي اقتحمت القرية، لكن خروجه هذه المرة كان الأخير ليرحل إلى جوار أمّه التي توفيت وهو طفلٌ صغيرٌ وعاش بعدها يتيماً.

صباح يوم أمس الثلاثاء، ذهب ليث كعادته إلى مدرسته للالتحاق بصفه الحادي عشر في الفرع الأدبي، وبعد نحو ثلاث ساعات، طلب إذناً من عمّه مرزوق أبو نعيم، الذي يعمل مدير مدرسته، للعودة إلى المنزل بعد شعوره بالإعياء والتعب، توجه ليث إلى منزله ونام حتى ساعات العصر، بعدها استيقظ على صوت الفتية وهم يتصدون لقوات الاحتلال التي اقتحمت وسط القرية، فقرر الخروج لمشاركتهم هذا التصدي، كما يفعل دائماً، يوضح عمه، مرزوق في حديث لـ"العربي الجديد".

وسط البلدة كانت أربع دوريات عسكرية إسرائيلية تصطف في شوارع القرية وتجوبها ذهاباً وإياباً، أما الفتية فيرشقون تلك القوات بالحجارة، وخلال تلك المواجهات وحوالى الساعة الرابعة والربع عصراً (توقيت محلي)، توقفت دورية عسكرية بجانب ليث، وخرج جندي منها وأطلق رصاصة معدنية باتجاه عين الفتى، فأصيب وبدأت الدماء تنزف منه، أما الجندي الذي أعدم ليث فبقي بجانبه ومنع أي أحدٍ من الاقتراب حتى سقط على الأرض.

قوات الاحتلال انسحبت بعد ربع ساعة فقط من إصابة ليث من قرية المغير وكأنها دخلت لتقتل فقط، أما الفتية والأهالي فقد نقلوا ليث إلى مستشفى بلدة ترمسعيا القريب، لكن دون جدوى فالأطباء لم يتمكنوا من علاجه إثر إصابته الخطيرة جداً، ونُقل إلى مجمع فلسطين الطبي بمدينة رام الله، وأعلن هناك عن استشهاده، وتبين أن الرصاصة المعدنية التي اخترقت عين ليث استقرت في دماغه ولم تخرج.

رئيس المجلس القروي في المغير، أمين أبو عليا يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن استشهاد الطفل ليث أبو نعيم، عملية إعدام مباشرة، فالقرية تشهد اقتحامات متكررة بشكل يومي، "خلال خمس دقائق من اقتحام القرية، تم إطلاق الرصاص على ليث، وإصابته بشكل مباشر من نقطة الصفر، ومن ثم تأكد جنود الاحتلال من استشهاده لينسحبوا بعد ذلك"، أما عم ليث فيقول: "كان بإمكان الجندي أن يعتقل ليث، أو يصيبه لكن أولئك الجنود جاؤوا ليقتلوا".



أمّا ليث الذي يمتاز بعلاقاته الطيبة والمحبوب من أهل قريته وزملائه، فقد رحل دون إكمال حلمه بدراسة الرياضة والحصول على درجة جامعية فيها، وهو العاشق لكرة القدم وأحد أعضاء فريق نادي المغير وفريق مدرسته.

لقد عاش ليث يتيماً في كنف جدَّيه، أما أحلامه فقد طويت دون أن تشاهدها والدته، خلال 13 عاماً من حياته وأحلامه ولعبه وضحكاته وبكائه وحنينه، فقد تركته في عمر الثالثة، بعد معاناتها من مرض السرطان، ليعود إليها، شهيداً محمولاً على الأكتاف، وهو ابنها البكر والوحيد.

وشيعت جماهير غفيرة من الفلسطينيين بعد ظهر اليوم الأربعاء، جثمان الشهيد ليث إلى مثواه الأخير في مقبرة القرية بمشاركة شعبية وقيادات فلسطينية.

وانطلق موكب التشييع من مجمع فلسطين الطبي بمدينة رام الله، حيث أقيمت له جنازة عسكرية من قبل قوى الأمن الفلسطيني، وتم نقله بواسطة مركبة إسعاف، إلى حين وصوله إلى مدخل قرية المغير.

وقبل وصول جثمانه إلى مسقط رأسه اندلعت مواجهات بين شبان كانوا ينتظرون موكب التشييع على مدخل بلدة ترمسعيا المجاورة وقوات الاحتلال التي أطلقت قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع باتجاههم، ولم يبلغ عن وقوع إصابات، بينما حاولت قوات الاحتلال اعتراض موكب التشييع لكن الأمور تمت دون أية معيقات في نهاية الأمر، وفق ما أوضح رئيس المجلس القروي لقرية المغير، أمين أبو عليا، لـ"العربي الجديد".

وفور وصول جثمانه إلى مدخل قرية المغير، جابت مسيرة حاشدة شوارع القرية، وردد المشاركون هتافات تمجد الشهيد وتدعو للانتقام له، وتؤكد أن دماءه فداء للمسجد الأقصى، بينما رفع المشاركون الأعلام الفلسطينية ورايات الفصائل الوطنية، ومن ثم وصل جثمان الشهيد إلى منزل عائلته حيث ودعه والده وجداه وعائلته وأصدقاؤه ومحبّوه.

بعد ذلك، جاب موكب التشييع شوارع قرية المغير، ومن ثم توجه لمقبرة القرية، حيث ووري جثمان الشهيد الثرى هناك، وألقيت على المقبرة العديد من الكلمات التي عددت مناقب الفتى ونددت بعملية إعدامه.

وفور الانتهاء من تشييع جثمانه، اندلعت مواجهات بين شبان وفتية القرية، وقوات الاحتلال على المدخل الشرقي لقرية المغير، حيث الشارع الاستيطاني وما زالت مندلعة.

ومنذ العام الماضي، وقرية المغير تشهد مواجهات، وهي الخط الساخن للمواجهة بين الشبان وفتية القرية، وقوات الاحتلال، نظراً لوقوعها على خط طرق المستوطنات المقامة على أراضي القرية، والتهم الاستيطان ويحاول الاحتلال السيطرة على أراضيها وزرعها بالمستوطنات، بل إن القرية تشهد إغلاقات لمداخلها واقتحامات متكررة من قبل جنود الاحتلال، ويطلقون قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع باتجاه منازل الأهالي حتى في وقت متأخر من الليل وفي ساعات الفجر الأولى، يوضح رئيس المجلس القروي.


قرية المغير الواقعة إلى الشمال الشرقي من مدينة رام الله والبالغ عدد سكانها نحو أربعة آلاف نسمة، تبلغ مساحة أراضيها نحو 26 ألف دونم، لكن قوات الاحتلال صادرت حوالى 85 في المائة منها لصالح الاستيطان، وعلى أراضيها وأراضي قريتي ترمسعيا وقريوت المجاورتين أقيمت بؤرة استيطانية تُدعى "عادي عاد" تم تحويلها لمستوطنة، وحاولت قوات الاحتلال إنشاء بؤرة استيطانية أخرى على أراضي القرية، لكنها لم تنجح بفعل احتجاجات الأهالي وحولت بعض الأراضي إلى معسكر لجيش الاحتلال.