شكّلت مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري نقطة استقطاب للنازحين من المناطق السورية الساخنة الأخرى، لا سيّما تلك التي سيطر عليها تنظيم "داعش"، وهو الأمر الذي دفع مئات آلاف السوريين إلى الشمال آتين من محافظات الرقة ودير الزور وبعض مناطق محافظة الحسكة وبعض مدن ريف حماة وبلداته. استقر هؤلاء جميعاً في محافظة إدلب وفي ريفَي حلب الغربي والشمالي، الأمر الذي ساهم في زيادة الكثافة السكانية بطريقة غير مسبوقة في تلك المناطق.
إلى ذلك، جرى تهجير سكان داريا والزبداني بشكل قسري إلى محافظة إدلب، الأمر الذي أدى إلى زيادة في عدد سكان محافظة إدلب من مليون ونصف مليون نسمة في عام 2011 مع بداية الثورة السورية إلى ما بين مليونَين ونصف مليون نسمة وثلاثة ملايين في عام 2017.
من جهة أخرى، جاءت عمليات التهجير القسري من محيط دمشق وريف حمص الشمالي، على أيدي النظام السوري وبغطاء روسي، لينزح خلالها 118 ألفاً و862 مواطناً ما بين 14 مارس/ آذار و31 مايو/ أيار 2018، بحسب ما يفيد منسّقو الاستجابة وهم ممثلون لمنظمات المجتمع المدني الذين يستقبلون المهجّرين يؤمّنونهم. وقد تهجّر ألف و351 شخصاً من حيّ القدم في جنوب دمشق، إلى جانب 66 ألفاً و377 شخصاً من الغوطة الشرقية لدمشق، كذلك تهجّر ستة آلاف و236 شخصاً من منطقة القلمون في ريف دمشق الشمالي الشرقي، بالإضافة إلى تهجير تسعة آلاف و250 شخصاً من جنوب دمشق، في حين بلغ عدد مهجّري ريف حمص الشمالي 35 ألفاً و648 شخصاً. في السياق، وصل 84 ألفاً و290 مهجراً إلى محافظة إدلب عبر قلعة المضيق، و34 ألفاً 959 مهجراً إلى ريف حلب الشمالي عبر معبر أبو زندين القريب من مدينة الباب.
وهذا العدد الهائل من السكان يتجمّع في مساحة محدودة من الأرض تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة في ظلّ قصف تتعرّض مدن تلك المناطق وبلداتها بين الحين والآخر، ومع وجود عدد كبير من الفصائل العسكرية غير المتجانسة التي قد تشتبك في ما بينها. وذلك يجعل منها بيئة غير آمنة لقيام أيّ نشاط تجاري أو نشاط صناعي مستدامَين، ويجعل السكان يعيشون في حالة من عدم الاستقرار الأمني، ويؤدّي إلى انتشار البطالة، ويساهم في تدني مستوى المعيشة والتعليم والصحة والخدمات.
من خلال الملف الذي أعدّه "العربي الجديد"، ثمّة محاولة لتسليط الضوء على واقع السكان في الشمال السوري في شتى المجالات، من تعليم يفتقر إلى الاعتراف به وإلى الموارد اللازمة لاستمراره، إلى الصحة التي تفتقر إلى الكوادر والمستلزمات الطبية، وإلى الخدمات من ماء وكهرباء واتصالات والتي صارت كلها في حاجة إلى إعادة تأهيل. كذلك، تحاول "العربي الجديد" التعرّف على قدرة هؤلاء الناس على تأمين معيشتهم في ظل الظروف الصعبة، وكذلك فهم البدائل التي يلجأ إليها سكان شمال سورية من أجل الاستمرار والتأقلم مع كل التحديات التي يواجهونها.