الشكل السطحي لفكرة الممانعة

07 مارس 2018
+ الخط -
من الغريب جداً لدى بعض التوجهات السياسية الفكرية أن يتم الترويج للنظام السوري بكونه يحمل أخلاقا وطنية، لمجرد أن دفاعاته الجوية التي استخدمها لتدمير البنى التحتية للمدن السورية أسقطت طائرة إسرائيلية تتبع لطيران احتلال لطالما أشبع المدن والمقارّ ومطارات العاصمة دمشق على وجه الخصوص بالكثير من الهجمات الصاروخية وعبر سلاح الجو، وحينها كان الرد الأتوماتيكي التقليدي في إعلام النظام: نحتفط بحق الرد.

لدرجة أن السوريين ظنوا لوهلة أن هذه الجملة ستسقط سهواً في ترديد شعار المدرسة الصباحي الذي يهتفه الطلبة عند بدء الدوام الدراسي، والتساؤل المريب هنا: هل المطلوب من هذا النظام أن يرد مرة واحدة الانتهاك المتكرر الصارخ لإجوائه كي يصبح ممانعاً ومقاوماً! حتى لو ظل صامتاً طوال السنوات الأربعين السابقة!


هل إسقاط طائرة واحدة! -ربما صدفة- كافٍ كي يحاول القوميون المؤدلجون عنفيا بنزعتهم التبريرية جعل تلك الحادثة أمرا مهما!

نقول لهؤلاء إن الموضوع ليس مسألة حسابية، فلتذهب للجحيم الوطنية التي تبرر القتل والتصفية الداخلية لأنها تقاتل عدوا مشتركا عبر قتلها الآلاف من ذات البلد بذريعة حماية المصالح الوطنية القومية، وهنا تغدو الوطنية حسب مفهوم الأسد تشريعاً للتصفية والقتل أكثر من كونها مشروعاً متمدناً وحضارياً حقيقياً..

على هؤلاء المدافعين أن يظلوا يتذكروا أن هذه العقلية الأمنية المتوحشة التي أسقطت الطائرة هي نفسها العقلية التي قتلت عشرات الآلاف من مواطنيها وشردت الملايين للحفاظ على مجد كرسي الحاكم.

عندما يقتل نظام دمشق أبناء شعبه من معارضيه كي يثبت لمؤيديه أنه وطني، أو لأنه أسقط طائرة لعدو، فإن هذا لا يعني أنه يدافع عن قضايا الشعب وإنما يعني أنه يدافع عن فكرته الديكتاتورية لقمع مؤيديه بصورة متزايدة، وهذا تماما ما يحدث في الداخل السوري المتهالك المنهار اقتصادياً وأمنياً، وعندما نعلم أن الكثير من السوريين يسعون للخروج من البلاد بأي طريقة فإن هذا يؤكد ما نطرحه هنا..

إن تلك العقلية المتوحشة وتلقفها الخطير لدى بعضهم من النخبة المثقفة بعد كل ما جرى في العراق واليمن وليبيا وسورية من دمار واقتتال، تمثل دلالة خطيرة على تفكك الإدراك الثقافي السياسي في التعاطي مع مشروع نهضوي بشري وتصديره بشكل لائق بما يخدم مصالح الشعب بالمقام الأول.

نظام الأسد يعتبر نفسه يحارب إسرائيل ليس لكونه يحاربها فعلا، وإنما لأنه يدعي رفض ما تقوم به وحسب، مستخدما البروبغندا الإعلامية لخدمة ذلك، علما أن كل الشعوب العربية والكثير من شعوب العالم ترفض بشدة ما تقوم به إسرائيل بطبيعة الحال.

كيف يستطيع الشخص المتعاطف مع فكرة أن الأسد ما زال يقاوم إسرائيل أن يهمش ذهنياً وأخلاقياً مئات الآلاف من القتلى والمتضررين من أجل أن يتذكر حادثة!.. عندما ترى كل هذه الأعداد من المنكوبين ولا يتغير شيء في طبيعة فكرتك فستغدو مجرما لا يحمل سلاحاً.
42BBA522-1BE8-4B0B-9E9A-074B55E2BCB4
معتز نادر

كاتب صحافي وشاعر.يقول: من المخزي أن ينسف طارئ نفسي أو عقلي معين كل ما أنجزته تجربة الذاكرة عبر سنواتها الطويلة.. إن هذا يؤدي إلى الحديث عن الموهبة الممزوجة بالصدق والنقاء، إذ برأيي ستكون أقصى ما يمكن أن يصل إليه المرء من كفاءة وروعة.وليس ثمة قضية أهم من مواجهة الإنسان لوحدته.. إن هذا العالم نهض على الأغلب من أشياء تافهة وغير ملفتة، وهذا ما يمنح الإغراء للبحث عن حياة نقية وأكثر نضارة.

مدونات أخرى