الشعب ينتظر الإعدام

23 مايو 2015
+ الخط -
لا يمكن وصف ما يجري في مصر إلا بالجنون. ربما التعبير قليل على ما يطالعنا فيه النظام الفاشي هناك من قرارات، لا نكاد نستفيق من أحدها، حتى يعالجنا بالآخر. هذا الوصف أول ما يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، فلا يمكن حساب أن أي نظام عاقل يمكن أن يقدم على مثل هذه الإجراءات التعسفية، خلال ساعات قليلة. حتى أعتى الديكتاتوريات، العربية وغير العربية، لم تأت على مثل هذه الأمور في هذه العجالة من الزمن. كانت تلك الديكتاتوريات تأخذ المساحة اللازمة بين القرار والآخر لضمان امتصاص أي غضب شعبي محتمل. 
ما الذي يدفع نظام عبد الفتاح السيسي إلى هذه الدرجة من الارتياح لقراراته؟ وما الذي يؤمن له هذا القدر من الطمأنينة أن أياً من هذه القرارات لن يؤدي إلى أي حالة غضب، ما عدا التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي ما إن تقرأها حتى تظن أن ميدان التحرير لا بد أن يمتلئ مجدداً عن بكرة أبيه بالمتظاهرين المطالبين بإسقاط هذا النظام الذي تفوق على كل سابقيه. 
السؤال لا بد برسم مئات آلاف المصريين، وربما الملايين، الذين خرجوا في مناسبات متفرقة، بدءاً من 25 يناير وصولاً إلى 30 يونيو، رفضاً للأشكال المتعددة من الظلم الذي عايشوه. ظلم حكم حسني مبارك الذي استمر 30 عاماً، ثم حكم العسكر الذي مثل امتداداً لذاك العهد، وتالياً حكم الإخوان والتفرد بالسلطة، ليأتي لاحقاً الانقلاب العسكري على الرئيس المصري المنتخب ديمقراطياً، بغض النظر عن كل الانتقادات التي يمكن أن توجه له.
غالبية من خرج في تلك التحركات لا يزال داخل مصر، على الرغم من حملة التهجير والملاحقات التي دفعت كثيرين إلى مغادرة البلاد. وجزء كبير جداً ممن شاركوا في التظاهرة الأخيرة، أي 30 يونيو، كانوا من أصحاب النيات الطيبة الذين أعجبوا بتجربة 25 يناير، وسعوا الى تكرارها سريعاً، قبل زوال آثار النظام السابق، وفي ذهنهم أن التغيير المقبل سيكون إلى الأحسن. غير أن ما هو أسوأ بكثير بات أمامهم، وما لم يحصل في عهد نظام المخلوع، حسني مبارك، ها هو يصبح أمراً واقعاً. جاهر هؤلاء بندمهم على تأييد الانقلاب العسكري وإجراءاته، ولو متأخراً، لكن مثل هذه المجاهرة غير كافية لوقف غول الفاشية الزاحف بقوة إلى مصر.
أحداث ومعطيات كثيرة خلال الأشهر الماضية كانت كفيلة بتفجير ثورة، أو تظاهرات احتجاج عارمة، لكنها مرت مرور الكرام، لتصبح أمراً طبيعياً لا ضير فيه. ماذا عن تبرئة مبارك ونجليه من غالبية القضايا المنسوبة لهم، والحكم المخفف الصادر الذي خولهم الخروج إلى الحرية المطلقة من دون أي قيود؟ ألم يكن هذا الحكم يستأهل صرخات الرفض المنادية بسقوط الحكم، أو رموز الحكم الأسبق على الأقل؟ بعد مبارك جاءت أحكام الإعدام المضحكة المبكية ضد مرسي، ومن معه، في قضية اقتحام السجون، وهي أحكام إذا كانت ذات سند قانوني، فمن المفترض أن تطال من ساهم في إيصال مرسي إلى الحكم، وشارك معه في إدارة البلاد، وفي المقدمة يأتي عبد الفتاح السيسي، ومن بعده كل القضاء الذي صادق على الترشيحات والنتائج. مع ذلك، مر الحكم داخلياً مروراً عابراً، حتى إن أصوات الاعتراض الخارجية، من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، كانت أقوى من أي صوت صدح في الشارع أو الإعلام. وبعد الأحكام، جاء التنفيذ بحق ستة شبان. وأيضاً لم يحرك أحد ساكناً للاعتراض على تنفيذ الأحكام المطعون في شرعيتها. وحتى مع تعيين أحمد الزند وزيراً للعدل، قامت الحملات الإلكترونية ولم تقعد، من أنصار النظام ومعارضيه على حد سواء، غير أن أياً من هذه الحملات لم تجد لها ترجمة فعلية على الأرض.
كل ما سبق يمكن أن تضاف إليه العوامل الاقتصادية وغلاء الأسعار، التي يمكن وحدها أن تفجّر احتجاجات شعبية كثيرة بعيداً عن أي اعتبارات سياسية، غير أن حال الركود في الشارع المصري مثيرة للاستغراب. ويبدو أن شعار "أحسن من سورية والعراق" الذي رفعه النظام في وجه الشعب لا يزال مؤثراً، خصوصاً في ظل ما يجري في المحيط. إلا أن هذا الشعار لا بد أن يسقط في ظل هجمة الإعدام الشرسة. وإذا كان السوريون والعراقيون حاولوا الدفاع عن أنفسهم في تغوّل أنظمتهم، فهل بات الشعب في مصر يجلس ساكناً بانتظار قرار الإعدام وتنفيذه، طالما أن المرحلة الجديدة من حكم السيسي ستكون قائمة على أعواد المشانق؟
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".