الشطرنج...رفاهية فكرية أم ضرورة تعليمية؟

19 ابريل 2017
تعمل ممارسة الشطرنج على تنمية إدراك الأطفال(Getty)
+ الخط -
الشطرنج لعبة ممتعة، تجتذب الملايين من الأشخاص لممارستها سنوياً، حتى إن هناك سبعة من كل عشرة أشخاص في العالم لعبوا الشطرنج في مرحلة ما من مراحل حياتهم، لكننا لا نجد الكثيرين من المهتمين بها في الوطن العربي، حيث تقتصر اللعبة على فئة محددة من الأفراد وتعتقد البقية أنها لعبة مملة قد تتسبب في إرهاق أذهاننا، أما بالنسبة للأطفال فإن الحالة أكثر ندرة، فمعظم المهتمين باللعبة في مجتمعاتنا يكونون من فئة عمرية فوق 15 سنة.

ما لا يدركه الكثيرون هو أن الشطرنج تمثل فرصة ذهبية لتحقيق تحسّن ملحوظ في قدرات أطفالنا على التفكير، في نفس الوقت لا يحتاج الطفل لأن يبذل أي جهد لقراءة كتب عن آليات التفكير النقدي، أو الخضوع لتمرينات مملة واختبارات ذكاء متكررة أو مساقات لا فائدة منها، فقط بممارسة لعبة بسيطة ممتعة يمكن له أن يعكف على ممارستها لساعات طويلة دون ملل، فأحد مزايا – وعيوب – الشطرنج هو أنها لعبة شديدة الجاذبية، وسنعدد 7 أسباب تجعل من العمل على تعليم ابنك لتلك اللعبة أكبر من مجرد رفاهية فكرية، بل ضرورة ملحّة.


1- شحذ التركيز
يؤكد العديد من الدراسات أن ممارسة الأطفال المنتظمة للشطرنج تؤدي إلى تحسن تركيزهم ودرجة انتباههم بنسب واضحة، خاصة حينما يتعلق الأمر بتحصيل العلوم والرياضيات، فكل ما يحتاجه اللاعب من أجل مباراة جيّدة هو درجة عالية من التركيز والتأمل من أجل الفوز، لذلك دخل الشطرنج المدارس في العديد من الدول، واهتم العديد من الحكومات بالعمل على نشر مسابقات الشطرنج بين المراحل التعليمية المختلفة.




2- لكل خطوة ثمن
في الشطرنج يتعلم الطفل أن لكل اختيار يتخذه ثمناً محدداً، فبعد حركات قليلة من بداية المباراة يُفتح الباب لعدد ضخم من الاحتمالات، كل احتمال منها يؤدي بالمباراة إلى خط سير مختلف، مع ممارسة الطفل للشطرنج على مدى زمني واسع بشكل منتظم يتعلم بطريقة عملية أن المكسب والخسارة لا يتحددان بالحظ، ولكن عبر اختياراته فقط، ومع تطور مستواه في اللعبة يدرك جيداً منذ سن صغيرة أن الوقوف في مفترق طرق هو طبيعة الحياة، وأنه يجب علينا دائمًا أن نتخذ قراراً باختيار أي من الاحتمالات القائمة، وأن الأمر يحتاج لبعض التأمل فلكل
اختيار ثمن.


3- مهارات حياتية
يعتمد الشطرنج في الأساس على صنع خطة استراتيجية، بعض الخطط تكون قصيرة فتتخذ خطوتين أو ثلاثاً، وبعضها يكون أكثر تعقيداً ويعتمد على السيطرة على مساحات محددة من الرقعة، بعض الخطط يكون للتمويه وإبعاد تفكير الخصم عن نقطة محددة، وبعضها الآخر يكون محدداً وواضحاً، لكنه يعتمد على منطق سليم يجبر الخصم على الانصياع له رغم علمه بالنتائج، في كل الأحوال يتعلم الأطفال مع الممارسة أن صنع الخطط أمر ضروري للحصول على نتائج مقبولة، وأن الالتزام هو أكثر من مجرد لعبة، لكنه منهج حياة يمكن له تحقيق أفضل نتائج في أقل وقت، عدم وجود خطّة في الشطرنج يعني خسارة فادحة، كذلك في الحياة.


4- نظرة إلى المستقبل
عادة ما ينصب تفكيرنا على ما يقع قبالة أعيننا، ونعتبر أن التفكير في المستقبل أمر مجهد، لكن مع الممارسة المنتظمة للشطرنج يتعلم الطفل أن وراء كل نتيجة نحصل عليها نتيجة أخرى مستقبلية يجب أن نفكر فيها، فوضعه لقطعة ما، كالرخ مثلا أو الفيل، في مكان محدد على الرقعة قد يتسبب في نهاية المبارة بالفوز أو الخسارة، رغم أن تلك الحركة لم تكن ذات أهمية في بداية المباراة، لكنّ لها دوراً مستقبلياً في السيطرة على الرقعة حينما تخلو من معظم القطع قرابة نهاية المباراة.




5- التفكير النقدي والإبداعي
يتعلم الطفل مع الممارسة المستمرة للشطرنج أن يعتبر جميع العوامل أثناء اتخاذه قراراً ما، كذلك يتفهم بسهولة طرائق التفكير العقلاني عبر الترتيب الأمثل للأفكار، ويتعلم أن يتعامل بحذر دائما أثناء محاولاته حل المشكلات التي تواجهه، ترتفع تلك النبرة التحليلية عند الأطفال لاعبي الشطرنج أكثر من غيرهم، فتفكيرهم دائماً يتخذ شكلا رياضياتياً، متطلعاً للصورة الكبيرة الخاصة بالأمور، مما يمكنه من تحقيق فهم أفضل للمشكلات وخلق حلول إبداعية لها.


6- المشاعر والتحيّزات جانباً
في مرحلة ما ينتبه اللاعب إلى أن كل الأخطاء التي وقع فيها لم تكن إلا بسبب استسلامه لميوله الخاصة وتحيزاته، بل إن مشكلة كل اللاعبين مع "كارلسن ماجنس" بطل العالم هي أنه كـ "لا يلين أبداً"، هنا يتعلم الطفل أن العمل على حل المشكلات يجب أن يتم قدر الإمكان في
إطار موضوعي، تخلق ممارسة الشطرنج في الأطفال بعد فترة درجة مقبولة من الثقة في الذات، تمكنهم فيما بعد من تحييد مشاعرهم جانباً أثناء محاولاتهم لحل مشكلاتهم الحياتية.


7- الروح الرياضية
إن حاول أحد الأبوين أن يعمل على تعليم الشطرنج لابنه فغالبا ما يكون ذلك في إطار التسلية،لكن الأفضل دائماً هو تطوير تلك الحركة لتصبح نشاطاً مستمراً عبر ناد متخصص، سواء في أرض الواقع أو عبر الويب، فالشطرنج كأية رياضة أخرى يتطور بالممارسة المستمرة عبر مباريات مع آخرين، يتسبب ذلك في خلق روح رياضية لدى الطفل، فحتى مع عدم تقبل الهزيمة، سوف يتعلم أن هناك فوزاً وخسارة دائماً، ويساعده ذلك على خلق صداقات من نوع مختلف، والاندماج في مجتمع نشط الذهن مسكون بالإبداع، فقط لأنه "يلعب".

يمكن القول إن نتائج كل الأبحاث تؤكد أن الممارسة المستمرة للشطرنج يمكن أن تساعد الأطفال بداية من ست سنوات على تحسين حياتهم بشكل ملحوظ، أشهرها دراسة لستيوارت مارجويليز حول تأثير الشطرنج على قدرات الأطفال في القراءة، يشير الباحثون إلى أن سبب ذلك هو قدرة الشطرنج على رفع أداء الأطفال إدراكياً والذي – بدوره – يرفع من قدراتهم في أي شيء آخر.


لذلك، فإن ما نود أن نشير إليه هو على الأقل أهمية إدخال ممارسة الشطرنج ولو على نطاق ضيق في المدارس، كأن تقوم مؤسسات بعينها بالاهتمام بمسابقات من هذا النوع، أو بالعمل على الزج باللعبة على درجات، كأن تكون صاحبة تأثير قوي على درجات الحافز الرياضي في بعض السنوات الدراسية، فالهدف من تدريس الشطرنج في المدارس، دعم بناء شخصية الطفل بجانب المواد التعليمية الأخرى، فالشطرنج، وهو لعبة مثيرة لانتباه الأطفال، قادرعلى إعطاء شخصياتهم المستقبلية كمواطنين فاعلين في المجتمع بعداً آخر مختلفاً. وسوف يؤثر ذلك بقوة في بناء شخصيات الأطفال في الوطن العربي، فقط بمجرد اللعب.