تحيل القراءة السريعة للمطالب الـ13 التي سلمتها الدول المحاصرة لقطر، إلى الوسيط الكويتي في ساعات متأخرة من ليل الخميس، إلى مفهوم "الاستسلام" الذي اقترحه الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في مؤتمر الدار البيضاء المغربية في 24 يناير/ كانون الثاني 1943 لإنهاء الحرب مع ألمانيا الهتلرية، كبديل لمعاهدات الصلح التي كان معمولاً بها لإنهاء حالة الحرب بين دولتين. وقد عرف مفهوم روزفلت باتفاق "الاستسلام بدون قيد أو شرط". وتُرجم حرفياً باستسلام القوات الألمانية بدون قيد أو شرط في مدينة ريمس الفرنسية بتاريخ 8 مايو/ أيار 1945، ومدينة برلين الألمانية في اليوم التالي. كذلك فُرض اتفاق "الاستسلام بدون قيد أو شرط" على اليابان، عندما أُجبر الإمبراطور هيروهيتو على توقيع صك الاستسلام في 14 أغسطس/ آب 1945، و2 سبتمبر/ أيلول من العام عينه على ظهر الطراد الأميركي "ميسوري". وتقضي نظرية "الاستسلام بدون قيد أو شرط" أن تكون اليد العليا للدولة / الدول المُنتصرة في ترتيب علاقاتها مع الدولة / الدول المهزومة، من دون أن ترتبط معها بأي التزام ذي صفة حقوقية، عدا الالتزام الأخلاقي الذي تفرضه المعاملة الإنسانية، ما يعني عملياً، خضوع الدولة / الدول المهزومة، لإرادة وإملاءات الفريق الغالب التي يتم التعبير عنها في لائحة شروط ومطالب.
بالعودة إلى الوثيقة التي أرسلتها دول الحصار لدولة قطر، يتبيّن أن الوثيقة من حيث الشكل والمضمون، تبنّت مفهوم روزفلت "الاستسلام بدون قيد أو شرط"، مع ميل واضح لفرض وصاية واضحة للدول "المُنتصرة" على الدولة "المهزومة". وقد تضمّنت الوثيقة، والتي نشرتها وكالة "أسوشيتد برس"، بنوداً تكاد تحاكي وثيقة الاستسلام اليابانية. فقد جاء في مقدمة المطالب "إعلان قطر رسمياً عن خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقيات، ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من الأراضي القطرية، والاقتصار على التعاون التجاري مع إيران، بما لا يخل بالعقوبات المفروضة دولياً وأميركياً عليها، وبما لا يخل بأمن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقطع أي تعاون عسكري أو استخباراتي مع إيران". أما البند الثاني فتناول علاقة قطر مع تركيا، وطالب البيان بأن تقوم قطر "بالإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية الجاري إنشاؤها حالياً، ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية".
وطالب البند الثامن قطر بـ"التعويض عن الضحايا والخسائر كافة وما فات من كسب للدول الأربع، بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة، وسوف تحدد الآلية في الاتفاق الذي سيوقع مع قطر". وطالب البند التاسع "أن تلتزم قطر بأن تكون دولة منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي على كافة الأصعدة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، بما يضمن الأمن القومي الخليجي والعربي وقيامها بتفعيل اتفاق الرياض لعام 2013 واتفاق الرياض التكميلي لعام 2014".
وفي لغة تهديد واضحة من الدول "المنتصرة" للدولة "المهزومة" اشترط البيان في البند الثاني عشر، أن تتم الموافقة على المطالب خلال عشرة أيام، مع التأكيد في البند الأخير على ضرورة "إعداد تقارير متابعة دورية مرة كل شهر للسنة الأولى، ومرة كل ثلاثة أشهر للسنة الثانية، ومرة كل سنة لمدة عشر سنوات"، للتأكد من التزام "الدولة المهزومة" تجاه الدول "المنتصرة".
في المطلبين حول إيران وتركيا، وبمعزل عن كل ما يحتويه المطلبان من انتهاك للسيادة الوطنية لدولة مستقلة، وبعيداً عن كل ما تضمنه هذا المطلب من افتراءات غير مدعومة بسند أو دليل، من قبيل، إثبات أي وجود لعناصر من الحرس الثوري الإيراني في قطر، فإن من حق قطر، وهي الدولة ذات السيادة الكاملة، والعضو في الأمم المتحدة، استضافة من تشاء على أراضيها سواء كان إيرانياً أو تركياً (كما جاء في المطلب الثاني) وفقاً لمصالحها الوطنية، طالما أن هذا الوجود لا يشكّل تهديداً لأطراف أخرى. وكما لم تثبت دول الحصار وجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني في قطر، فإنها لم تثبت أن وجود قوات تركية في قطر يهدد أمنها القومي، أو أمن مجلس التعاون.
وإمعاناً من دول الحصار في انتهاك السيادة القطرية، طالبت في المطلب السادس، بـ"إغلاق قنوات الجزيرة والقنوات التابعة لها". وفي المطلب الحادي عشر، بـ"إغلاق كافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر، على سبيل المثال: مواقع عربي 21، العربي الجديد، مكملين، الشرق، ميدل إيست آي إلخ.. وذلك على سبيل المثال لا الحصر". والسؤال هناك لا يتعلق بمدى قبول قطر لهذه المطالب التي فيها تدخل سافر في الشؤون الداخلية القطرية، وانتهاك واضح للسيادة، وإنما هل تقبل دول مثل الوسيطة الكويت، أو الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، فضلاً عن المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان الأساسية من حريات في رأي والتعبير والمعرفة، بمثل هذه المطالب غير المسبوقة، والتي تصيب سهامها قيم العالم الحر، قبل أن تصل قطر.
ويقف المطلب السابع متميّزاً وسط المطالب الـ13، إذ يطالب قطر بـ"وقف التدخل في شؤون الدول الداخلية ومصالحها الخارجية". وكأن المطالب السابقة واللاحقة للمطلب السابع، لا تعد تدخلاً سافراً في شؤون قطر الداخلية والخارجية، بل تتعدّى ذلك إلى حدّ فرض حدود على علاقات قطر الداخلية والخارجية، من دون احترام لسيادة وطنية، أو مراعاة لأي أصول دبلوماسية. ومن الواضح أن الجانب المصري، لم يغفل تحقيق مكاسب مالية من الخلاف الخليجي ــ الخليجي، فحشر نفسه في البند الثامن عبر المطالبة بـ"التعويض عن الضحايا والخسائر كافة وما فات من كسب للدول الأربع، بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة". وكأن نظام عبد الفتاح السيسي وجد في الأزمة فرصة لتصريف كل أزماته الاقتصادية على حساب قطر. والتأكيد هنا أن هذا المطلب مصري بامتياز، ذلك أن لا دولة من دول الحصار الأخرى سبق وتحدثت عن خسارة مادية أو اقتصادية أصابتها "بفعل سياسات قطر"، باستثناء ما تردده أبواق إعلام السيسي. مع الإشارة هنا إلى أن قطر رفضت حتى الساعة وقف تصدير الغاز إلى الإمارات.
وبلغة "المنتصر"، وشروط روزفلت في "الاستسلام بدون شرط أو قيد" تطلب دول الحصار في البند الثاني عشر، أن تتم موافقة قطر على "كافة هذه الطلبات خلال 10 أيام من تاريخ تقديمها وإلا تعتبر لاغية". وكأن شروط العدالة تقضي بأن يُقبل من المُدعي أي اتهامات من دون أدلة، أو بينات، أو براهين، أو حتى قرائن، وألا يُمنع "المُتهم" من الدفاع أو حتى التوضيح؟ أي عدالة هذه تطالب دولة مستقلة، بالتخلي عن كل سيادتها، والبقاء في بيت الطاعة الخليجي صاغرة، مع تقديم تقارير "حسن سير وسلوك" دورية، كما جاء في البند الـ13، من وثيقة "الإسستلام دون قيد أو شرط" التي أرسلها الحلفاء الجدد إلى قطر.
وبالنظر إلى ما جاء في الوثيقة من مغالطات، ومزاعم، وما تضمنته من شروط وقيود، لا يمكن لأي دولة ذات سيادة القبول بها، أو حتى الرد عليها، خارج إطار المتعارف عليه في حل النزاعات الدولية، من وجوب احترام السيادة الوطنية، واحترام قواعد القانون الدولي، فإنه من غير المُنتظر أن يسعد الحلفاء الجدد بخطاب استسلام قطري، على غرار خطاب الاستسلام الذي بثه الإمبراطور هيروهيتو إلى شعبه عبر الراديو، ومهّد لاحتلال اليابان.