الشرقية للدخان والرجل العجوز

06 مارس 2019
اجتذاب المستثمرين بهذه التدابير أمر غير مضمون (فرانس برس)
+ الخط -

في إطار تنفيذها أحد أهم بنود ما أطلق عليه "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي قبل أقل من 3 أعوام، للحصول على قرض تصل قيمته إلى 12 مليار دولار، أعلنت الحكومة المصرية بدء تنفيذ بيع 4.5% من أسهم شركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني"، إحدى الشركات التي تمتلك أكثر من 55% من أسهمها.

وفرض صندوق النقد على مصر بيع حصص من مجموعة من الشركات، التي تمتلك الحكومة أجزاءً منها، تحت دعاوى مختلفة، أكثرها انتشاراً كان هو تنشيط سوق المال وتوفير مصادر متعددة لتمويل الشركة المطروح أسهمها للبيع.

ويأتي طرح الشركة الشرقية للدخان للبيع بعد عامٍ كامل من إعلان برنامج الحكومة طرح العديد من الشركات العامة في البورصة، إذ تم التأجيل أكثر من مرة، وكان آخر موعد تم الاستقرار عليه هو شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلا أن الحكومة فضلت التأجيل مرة أخرى، بسبب الاضطرابات المالية في بعض الأسواق الناشئة، ومنها تركيا والأرجنتين، ثم الصين وروسيا ودول أخرى بدرجات أقل، مع توجه مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" وقتها لرفع معدلات الفائدة.

ضغوط صندوق النقد

لكن في الفترة الأخيرة، ضغط صندوق النقد على الحكومة بعد التأخر الكبير في الطرح، ما اضطرها للتعهد ببيع ما لا يقل عن 4 شركات، قبل انتهاء السنة المالية الحالية، بنهاية يونيو/ حزيران المقبل.
ويعدّ طرح الشرقية للدخان هو أول اكتتاب عام لأسهم شركة تملكها الحكومة، منذ طرح الشركة المصرية للاتصالات للبيع قبل أكثر من 13 عاماً.

وبعيداً عن الجدل اللامنتهي بين المؤيدين لتخلي الحكومة عن ملكيتها في بعض الشركات، ومن يفضلون احتفاظها بكل ما تملكه من أسهم لأسباب عديدة، وبعيداً أيضاً عن انتقاد الكثيرين لعملية الطرح، التي تمت يوم الخميس الماضي على ما يقرب من 95% من الكمية المقرر بيعها، وكلا الأمرين هام، وإن كانا بعيدين عما أريد الإشارة إليه.

فالحقيقة أن عملية الطرح جاءت لتنكأ بعض الجراح وتثير العديد من التحفظات، بعد خبرة عمليات البيع التي قامت بها الحكومة في الفترة بين عامي 1994 – 2005.

ويأتي أول التحفظات على هذه العملية من الغرض الأساسي من قرار بيع جزء من، أو كل، حصة الحكومة في بعض الشركات. فمن ناحية، يرى أغلب المتابعين أن البيع لا يهدف إلى تنويع مصادر التمويل للشركة كما يشاع، وإنما لتنويع مصادر التمويل للخزانة العامة للدولة، بعد التوسع في الاقتراض ووصول كل من الدين المحلي والدين الخارجي إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ المصري.

ومن ناحيةً أخرى، فقد حذر العديد من خبراء الاقتصاد من خطورة الاعتماد على أنواع التمويل التي تسدّ العجز بصورةٍ مؤقتة، ولمرة واحدة فقط، وهو بالضبط ما يحدث في حالات توفير السيولة المطلوبة لسدّ العجز في الموازنة العامة عن طريق بيع الأصول المملوكة للدولة.
ومن ناحيةٍ ثالثة، فإن اللجوء إلى بيع الأصول، بعد استنفاذ كل سبل الاقتراض المتاحة، يعطي انطباعاً سيئاً عن ظروف البائع المالية، ويجعل للمشتري اليد العليا في تحديد السعر الذي يتم به البيع، كما التوقيت والشكل الذي يتم به، وهو ما حدث يوم الخميس الماضي، إذ استقر سعر تنفيذ الطرح الخاص قريباً جداً من الحد الأدنى لنطاق السعر الذي تم تحديده.

وغني عن البيان أن البيع عند المستويات المرتفعة لمعدلات الفائدة، كما حدث في حالة الشرقية للدخان، يؤدي إلى انخفاض كبير في تقييم الشركة المبيعة.

احتكار إنتاج السجائر

أما في ما يخص الشركة، فهناك العديد من الأسباب التي كانت تدعونا للتمسك بكل حصةٍ فيها، مهما صغرت. فالشركة التي أُسست قبل ما يقرب من 100 عام تحتكر تصنيع السجائر في مصر بقوة القانون، وتمتلك حصة سوقية تتجاوز 55% من السوق المصرية، التي تعدّ سابع أكبر سوق لاستهلاك السجائر في العالم.

ورغم وجود بعض أنواع السجائر الأجنبية في السوق المصرية، إلا أن معظمها يتم إنتاجه في مصانع الشركة الشرقية للدخان، بتصريح من الشركات صاحبة العلامة التجارية. ولدى الشركة ثاني أكبر مصنع للسجائر في العالم خارج الصين.

ويعدّ الطلب على منتجات الشركة مرتفعاً، وهو ما يظهر في محدودية تأثر مبيعاتها رغم رفع أسعارها. وفي الفترة ما بين عامي 2014 و2017، رفعت الشركة أسعار منتجاتها بنسب تزيد على 80%، ولم يحدث تأثير يذكر لحجم المبيعات، الأمر الذي سمح للشركة بزيادة هامش ربحها، رغم فرض التسعير الجبري للسجائر في مصر.

لكن أهم ما يميز الشركة، هو قدرتها على توفير ما يطلق عليه "التحوط الطبيعي" ضد انخفاض قيمة العملة المصرية، المشكلة الأزلية للشركات المصرية على مر العصور، بسبب حصولها على مقابل إنتاجها من أنواع السجائر الأجنبية بالدولار في أغلب الأحوال.

العجوز المفلس

هذه الميزة، بالإضافة إلى طبيعة النظام المعمول به فيها لإدارة المخزون، الذي يفرض شراء الموادّ الخام المستوردة لعامين مقبلين طوال الوقت، سمحا للشركة بالتغلب على المصاعب التي واجهت الشركات الأخرى بفعل تعويم الجنيه المصري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وهو ما أدى إلى ارتفاع أرباحها لأكثر من أربعة مليارات جنيه في العام الماضي 2018، بعدما كانت أقل من مليار جنيه قبل ذلك بأربعة أعوام فقط.
اللجوء لبيع الأصول المملوكة للدولة في الوقت الحالي، يشبه حالة الرجل العجوز المفلس، غير القادر على إدارة مصنعه، الذي اقترض كل ما أتيح له من قروض، وما زال يعاني من عدم قدرة على الوفاء بالتزاماته الحالية، فإذا به يبدأ في بيع آلات المصنع.

المشكلة هنا أنه يبيع إحدى أفضل الآلات بثمنٍ بخس، طمعاً في اجتذاب مشترين لبقية الآلات المعطلة، وهو أمر غير مضمون بالمرة، وعلى الأرجح أنه مستبعدٌ!
المساهمون