الشرطة البريطانية تحقق في قضية أموال ليبية منهوبة

15 يوليو 2014
سيف القذافي مهندس الانفتاح على الغرب (محمد طرقة/اف ب-Getty)
+ الخط -

 تجري شرطة حي المال البريطاني في لندن تحقيقاتٍ جنائية مع شركة "ترادشون فاينانشيال سيرفيس " للوساطة السويسرية بشأن دورها في إدارة أموال المؤسسة الليبية للاستثمار التي تدير توظيفات الثروة السيادية الليبية.

وقال متحدث باسم شركة "ترادشون فاينانشيال سيرفيس "إن الشركة تتعاون مع الشرطة البريطانية في هذه التحقيقات"، لكنه نفى أن يكون له علم بتحقيقات مماثلة تجرى مع الشركة في الولايات المتحدة الأميركية من قبل سلطات وزارة العدل.

ويدور التحقيق حول الخطط التي اتبعتها الشركة لكسب صفقات استثمارية من المؤسسة الليبية للاستثمار.

ومن بين هذه الوسائل استضافة كبار مسؤولي المؤسسة الليبية للاستثمار في منتجعات مغربية، خاصة في مراكش والتعاقد مع مقربين للعقيد معمر القذافي.

وتهدف التحقيقات البريطانية للتعرف على الأساليب التي اتبعتها الشركات الغربية للحصول على قطعة من كعكة الأموال الليبية.

كما تستهدف كذلك إلى الحصول على معلومات بشأن ما إذا كانت هذه الشركات الغربية قد اتبعت أساليب فاسدة وقدمت رشى، وتخالف بذلك الأخلاقيات واللوائح المنصوص عليها في الدول الغربية.

وحسب مصادر في حي المال البريطاني، فإن الشرطة البريطانية لم توجه تهماً بعد للشركة السويسرية.

وقالت مصادر إن التحقيقات التي تجرى حالياً في بريطانيا وقبلها في نيويورك ربما تساعد الحكومة الليبية الجديدة في معرفة خفايا الاستثمارات الليبية وتجعل من السهل عليها في المستقبل مقاضاة بنوك غربية.

وكانت الحكومة الليبية قد قدمت دعوى قضائية إلى المحكمة العليا البريطانية في لندن ضد مصرف "جولدمان ساكس" الأميركي ومصرف سوسيته جنرال الفرنسي بتهم الاحتيال على المؤسسة الليبية للاستثمار وخداع موظفيها لتحقيق مكاسب كبيرة وتكبيد ليبيا خسائر مالية فادحة.

ووفقاً للائحة الدعوى التي نشرت تفاصيلها الصحف البريطانية ، استخدم "جولدمان ساكس" في تعامله مع سلطة الاستثمار الليبية يوسف قباج، الذي شغل في الماضي منصب مدير عمليات "جولدمان ساكس" في شمال إفريقيا قبل استقالته من منصبه والانتقال للعمل في شركة استثمار أخرى.

وقام البنك عن طريق " قباج" بتقديم إغراءات سخية لموظفي سلطة الاستثمار الليبية على شكل هدايا شخصية وتنظيم رحلات سياحية وللنقاهة والاستجمام لهم في المغرب وأماكن أخرى، واستقدام عدد منهم للحصول على دورات تدريب في مكاتب البنك في لندن ودبي، واستغلال بساطة الموظفين الليبيين غير المؤهلين تأهيلاً كافياً وإغداق الهدايا الثمينة عليهم بما فيها العطور وعلب الشيكولاتة التي كان يحملها معه كلما جاء إلى ليبيا، وذلك لتوطيد علاقته بهم خدمة لأهداف مبيتة.

وذكر في لائحة الدعوى أن أحد الموظفين الذي حصل على دورة تدريب في مصرف "جولدمان ساكس" كان هيثم زارتي شقيق مصطفى زارتي، نائب رئيس سلطة الاستثمار الليبية الذي احتل هذا المنصب ليس عن كفاءة وتخصص في مجال الاستثمار، بل بفضل صداقته الشخصية مع سيف الإسلام، نجل الرئيس القذافي، منذ أن كانا يدرسان في فيينا بالنمسا.

فيما ذكرت لائحة الدعوى أن قباج استضاف ستة موظفين ليبيين آخرين كبار في سلطة الاستثمار في المغرب وأغدق عليهم لترفيههم، مستخدماً بطاقة الائتمان الشخصية الخاصة به الصادرة عن  مصرف "غولدمان ساكس".

وقالت الدعوى أن هذه الأساليب مهدت لمصرف "جولدمان ساكس" إقامة علاقة قوية مع سلطة الاستثمار الليبية، التي كانت تشرف على استثمار جزء كبير من ثروة ليبيا تقدر قيمتها بنحو 60 مليار دولار، وبالتالي نجح في خداع الموظفين الليبيين وجعلهم يستثمرون نحو مليار دولار في صفقات تبين أنها كانت خاسرة، فتبخر ما دفعته السلطة واختفى.

وجاء في الدعوى أن البنك الأميركي استغل عدم كفاءة الموظفين الليبيين وقلة خبرتهم وتدريبهم في الوقت الذي كانت ليبيا تصارع فيه من أجل التخلص من العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها، كما استغل مبادرة عدد من الحكومات في الغرب لتشجيع المستثمرين على التعامل مع ليبيا وعقد الصفقات معها، فقام قباج ومعه موظف آخر في البنك هو إدريس بن ابراهيم، رئيس قسم التجارة في الأسواق الجديدة، الذي عمل بحماس شديد على إجراء الاتصالات مع الموظفين الليبيين غير المؤهلين وتقديم الإغراءات لهم.

وبالإضافة إلى زارتي، ضمت قائمة الموظفين الليبيين الذين تم تقديم الإغراءات لهم مجموعة من الموظفين الشباب الذين تراوحت أعمارهم ما بين 20 عاماً و30 عاماً وعلى رأسهم محمد حسين ليّاس، الذي وصف في لائحة الدعوى على أنه "مصرفي تجاري" تم اختياره للعمل في سلطة الاستثمار بناء على توصية من الرئيس القذافي .

وللتدليل على مدى عدم كفاءة الموظفين الليبيين قالت سلطة الاستثمار في دعواها إن "خبرتهم المالية والقانونية محدودة جداً"، حتى أنه لم يكن لديهم في مكاتبهم أجهزة كومبيوتر تساعدهم على تصريف أعمالهم، في حين حظي "جولدمان ساكس" بحرية الدخول والخروج من مكاتب سلطة الاستثمار التي لم تكن فيها سوى ترتيبات أمن خفيفة.

وعندما اقترح مصرف"غولدمان ساكس" على سلطة الاستثمار مساعدتها في تدريب موظفيها تبين أن الدورات التي تلقوها اقتصرت على الاستثمارات التي كان البنك يسعى لإقناعهم بإجرائها. بل عندما وافقت سلطة الاستثمار على استثمار نحو مليار دولار بواسطة "غولدمان ساكس"، فعلت ذلك من دون الحصول على أي استشارة مهنية للتأكد من سلامة الخطوات التي اتخذتها.

وجاء في الدعوى أن الحكومة الليبية اكتشفت الخدعة التي تعرّضت لها من جانب "جولدمان ساكس" قبيل حدوث الثورة ضد نظام الرئيس القذافي، وفقط بالصدفة، من خلال ملاحظات قدمتها عام 2008 محامية أسترالية تعمل في شركة محاماة بريطانية كبيرة، حيث تبيّن أن المعاملات بين "غولدمان ساكس" وسلطة الاستثمار تمّت حتى من دون أن يجري توقيع اتفاقيات بين الطرفين.

ووردت في لائحة الدعوى تفاصيل ما حدث بعد اكتشاف الحكومة الليبية للورطة التي وقعت فيها، حيث تعرّض قباج وموظف آخر من "جولدمان ساكس" لتهديد شخصي من مصطفى زارتي أثناء زيارة لهما إلى طرابلس لشرح موقف البنك .

ورغم سقوط نظام القذافي والتغيرات العديدة والعميقة التي طرأت على إدارة البلد في ليبيا، إلا أن الحكومة الليبية الجديدة واصلت معركتها ضد البنك الأميركي.

وتسعى الحكومة الليبية لاسترداد ما حققه "جولدمان ساكس" من تعامله غير المشروع مع سلطة الاستثمار الليبية والذي يُقدّر بنحو 350 مليون دولار.

ووفقاً لمراقبين ماليين في لندن، ليس من المهم ما إذا كانت الحكومة الليبية محقة في دعواها أم لا، فالكشف عن الطريقة التي تعامل بها موظفو "جولدمان ساكس"مع الموظفين الليبيين والأساليب الخبيثة التي اتبعت أثناء المعاملات بين الطرفين ستلحق ضرراً بالغاً بسمعة البنك الأميركي.

 

دلالات
المساهمون