الشرطة استدرجت العسكر

18 يوليو 2014
+ الخط -

ثمّة سبب أوّلي يجعل كل ذي نظر يقف ضد حركة انقلاب 3 يوليو في مصر، والأحداث التي مثلت إرهاصاً له، هو أنّ التحالف الذي تأسس عليه، ما يمكن تسميته "كتلة الانقلاب"، تحالف يجاز وصفه بالغبي، توصيفاً إجرائياً، فبأي منطق فعلاً يجتمع العسكر مع الشرطة مع القضاء مع قوى وشخصيات مدنية في صفّ واحد؟

إن ضم تحالف ما كلّاً من الشرطة والقضاء، أو الاثنين مع قوى وشخصيات تقول إنها مدنية، باعتبارهم جميعاً تجلّياً واضحاً لحالة شديدة العبثية، حاول أن يكرس لها ابن المخلوع حسني مبارك، وعصبته من حوله، وأحياناً قوى ديمقراطية معارضة، حملت زعم أنها تناضل لأجل استقلال القضاء، بل وإشرافه على الانتخابات، حتى لو زورها كل مرة!

هناك بالفعل تضاربٌ حقيقي في المصلحة بين العسكر وأطراف التحالف الأخرى، وفي مقدمتها الشرطة؛ ويرجع ذلك أساساً إلى أن أطراف التحالف الأخرى، بالأساس، تمارس دور الطفيل الذي يتغذى على فتات الكائنات الحيّة المكتملة، عبر ممارستهم الأدوار والأعمال المشبوهة سبياً أساسياً لوجودهم، فهم لا يمتلكون اقتصاديات حقيقية، يمكن أن يعوّل عليها لتمويلهم وقيامهم ككيانات بحد ذاتها. على عكس الحال عند العسكر الذين يمثلون قبيلةً قائمةً بذاتها، توجد داخل الدولة، لكنّها في الوقت نفسه منفصلة عنها، ولديها تضخم في وسائل إنتاجها، ومواردها المالية، لكنّها تظل قائمة بذاتها وأموالها وجنودها العاملين بالسخرة في مقار إنتاجها وتدوير رأس مالها.

بينما الشرطة لا تمتلك وسائل إنتاجها الخاصة، ولا مواردها المالية الخاصة، وهي قائمة، بالأساس، على ما تنعم الدولة به عليها بشكل رسمي أو غير رسمي، فضلاً عن الأعمال المشبوهة الصغيرة التي يقودها، غالباً، ضباط شرطة؛ كالقتل المأجور، وتجارة الجنس، والمخدرات، أو صفقات الرشى والاحتيال والنهب... إلخ، وينتهي نصيبهم بمبالغ لا يمكن القول إنها ضخمة، الأمر المتناسب مع كونهم طفيليات بالفعل. ولعل خير مثال على سلوكيات جهاز الشرطة، قضية الفساد المتهم بها حبيب العادلي، وزير الداخلية في عهد مبارك، وكان نصيبه فيها أربعة ملايين جنيه مصري، وعلى الشاكلة نفسها، نجد القضاء المعتمد أساساً على الرشى والمصالح، بين حين وآخر، لصالح جهاتٍ سيادية، أو أشخاص متنفذين.

وهي المصالح المتعلقة، غالباً بقضايا مشبوهة، كان القضاة فيها هم الحاسمين، فضلاً عن التزوير في الانتخابات، والذي كان يقوده القضاة، ولنا في انتخابات 2010 خير مثال وذكرى.

في انتخابات 2010، تظهر حقيقة الصراع بين ممثلي العسكروممثلي نجل مبارك وعصبته في السلطة، عندما كان الحزب الوطني يتقدم بمرشحين اثنين لكل مقعد في أغلب الدوائر، أحدهما من جناح العسكر، والآخر من جناح الشرطة ورجال الأعمال، وانتهى الأمر إلى أن ترجّح كفة جناح الشرطة ورجال الأعمال، أو كما يقال، جناح جمال مبارك.

إذن، التحالفات مقسمة من البداية، والصراع دائر ولم تخمد نيرانه، خصوصاً مع أحداث ثورة 25 يناير التي يرى الشرطةُ فيها أن العسكر باعوهم، وباعوا رجالاتهم في الدولة.

المزج بين الشرطة ورجال الأعمال يبدو منطقياً وسلساً، فرجال الأعمال في تخليص مصالحهم، المشوبة غالباً بـاحتيالات، أو فساد على قدر ما؛ كانوا يعتمدون على رجال الشرطة المتمرسين في مثل هذه الأعمال المشبوهة، فكان رجال الأعمال أحد أهم مصادر تمويل الجماعة الوظيفية المسماه بالشرطة.

بالفعل إن نموذج الجماعة الوظيفية، الذي وصفه عبد الوهاب المسيري بأنه نموذج مثالي، لفهم طبيعة دور الشرطة في مصر، باعتبارها جماعة منغلقة على نفسها، في عقد ضمني يضمن بقاءها واستمرارها في المجتمع، مع الحفاظ على نظرة احتقار أصحاب الأعمال لهم، ونظرة احتقارهم أنفسهم، مع تقبلهم دورهم، وهم متأكدون أن غيرهم لن يقوم به، وهو الدور الذي يوفر لهم السلطة والحماية وحق التطاول على العامة، لتقاطعه مع الكبار في الدولة. الحقيقة أن رجال الشرطة لا يمثلون "الكبار"، لكنهم متعلقون بهم.

لذلك، نرى أنّ التحالف بين العسكر والشرطة مخسر للعسكر، لأنّ ممارسات الشرطة غير محسوبة، والعقلية التي تسيّر تحركاتهم عقلية محدودة، يظهر في أكثر من موقف عدم قدرة القادة بينهم على تركيب جمل لغوية مفيدة. هم عاجزون حتى عن الكلام المفيد، فضلاً عن كونهم اعتماديين بالدرجة الأولى، وفي ظلّ دولة هي أقرب لكونها خرابة، على المستويات كافة، وتحديداً الاقتصادية، فالشرطة سترهق كاهل العسكر المضطر أن يصرف من جيبه، ليس فقط على الدولة في أحيانٍ كثيرة، ولكن، أيضاً، على الشرطة بوجه التحديد، وعلى القضاء الذي يرفض تطبيق الحد الأعلى للأجور على رجاله، على الرغم من أنه الجهة المنوطة بها تطبيق القانون!

بالرجوع سريعاً إلى نقطة اضطرار الجيش أن يصرف من جيبه، أحياناً فقط، على الدولة، نذكّر بتقرير وكالة رويترز، الذي أشار إلى أنّ العقل المدبر للانقلاب العسكري هو الأمن الوطني، أمن الدولة سابقاً. بمعنى آخر، إن الجهة المسؤولة عن توريط البلاد بأكملها في انهيار على كل المستويات، وتوريط العسكر في بحر دماء، ومستنقعٍ سياسي لن يخرج منه إلا بشقّ الأنفس، وضرائب سيدفعها رغماً عنه، هو واحد من أهم أجهزة الشرطة، أي جهاز الأمن الوطني، أو أمن الدولة سابقاً.

قد يفسّر لنا هذا السر وراء الهجمة المباغتة ضد وزارة الداخلية، وممارساتها القمعية والتعذيبية. الحملة التي تبناها كتّاب وإعلاميون محسوبون على الانقلاب لا يفرقون كثيراً عن الشرطة، وممارساتها المشبوهة.