في الوقت الذي كافحت فيه العديد من الديمقراطيات الغربية للحفاظ على اقتصاداتها من الغرق، تمكنت كندا من أن تدير دفة اقتصادها خارج العاصفة المالية التي ضربت الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة، مع قدر كبير من البراعة والنجاح. فالاقتصاد الكندي يحتل المرتبة الحادية عشرة عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي، ويمتلك تصنيفاً ائتمانياً عالياً، وعملة وطنية تعتبر من بين أكثر سبع عملات عالمية تداولاً من حيث القيمة. في الواقع، أثارت هذه الأرقام إعجاب المستثمرين في شتى أنحاء العالم، ما أسهمت في جعل كندا واحدة من أكثر دول العالم جاذبية للاستثمار الأجنبي، ومن بين أفضل خمس دول في العالم من حيث مستوى رفاهية شعبها، وذلك حسب مؤشر التنمية البشرية الذي ابتكرته هيئة الأمم المتحدة.
لم يكن هناك خط فاصل واضح، في التاريخ الاقتصادي الكندي، بين استثمارات القطاع العام والخاص، إذ يُنظر إلى التفاعل فيما بينهما باعتباره عاملاً حاسماً في الاقتصاد الكندي على مدى عقود من الزمن. فقد جاءت ثورة الاتصالات والمواصلات، في منتصف القرن التاسع عشر، نتيجة الشراكة الناجحة بين القطاع العام والخاص في تطوير البنية التحتية من طرق، وقنوات بحرية، وسكك حديدية، ونقل بحري، وتلغراف، وكابلات، والتي عززت المكاسب التجارية للدولة. وقد كان لبناء السكك الحديدية العابرة للقارات، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهو مزيج من الاستثمار العام والخاص، دور بارز في تعزيز الابتكارات التكنولوجية والإدارية، مثل تطوير المناطق الزمنية القياسية. أما الاستثمار في محطات الكهرباء المركزية في أوائل القرن العشرين، وهو، أيضاً، مزيج من الاستثمار العام والخاص، فقد أدى إلى العديد من التغييرات التنظيمية والإدارية والتكنولوجية الناجحة في إنتاج البضائع.
اقرأ أيضا: الدنمارك تؤنسن الرأسمالية
سعت الثورة الكينزية، ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى إلقاء المزيد من الضوء على أهمية الاستثمار من القطاع العام والخاص في البنية التحتية كمفتاح للنمو الاقتصادي والازدهار. فقد كان المهندسون الرئيسيون للسياسة الاقتصادية الكندية لمرحلة ما بعد الحرب، مثل ماكينتوش وهاو، أتباعاً لفكر ومعتقدات الاقتصادي الإنجليزي، جون كينز، صاحب فكرة "الاقتصاد المختلط"، وهو من مؤسسي الليبرالية الاشتراكية التي تعارض الليبرالية الكلاسيكية واقتصاد السوق الحر، وسيطرة القطاع الخاص على الاقتصاد. إنهم كانوا يعتقدون أن الازدهار الاقتصادي الكندي لا يمكن أن يتم إلا من خلال الارتقاء المستمر للبنية التحتية على المدى الطويل، وليس من خلال السياسات الداعمة لاستقرار الدخل على المدى القصير.
ولعل الخمسة والعشرين عاماً التالية للحرب العالمية الثانية، كانت بمثابة العصر الذهبي للاستثمار في البنية التحتية من القطاعين العام والخاص في كندا. خلال هذه الفترة، ضُخّت استثمارات ضخمة في البنية التحتية مثل الطريق السريع في ترانس كندا، ومترو الأنفاق في تورونتو، والطريق البحري في سانت لورانس، وغيرها من المشاريع الكبرى. وقد أدى النمو الاقتصادي في كندا إلى ظهور هوية كندية جديدة، تمثلت في بروز علمها الحالي المكون من ورقة القيقب الحمراء في عام 1965، واعتمادها اللغة الإنجليزية والفرنسية كلغتين رسميتين للدولة في عام 1969، وقيامها بمأسسة التعددية الثقافية في عام 1971، وإنشاء الميثاق الكندي للحقوق والحريات في عام 1982.
اقرأ أيضا: التجربة الهولندية
علاوة على ذلك، استطاعت الدولة الكندية الحديثة إرساء برامج رعاية اجتماعية ناجحة، مثل برنامج الرعاية الصحية المجاني، وخطة التقاعد الكندية، والقروض الميسرة للطلاب، على الرغم من معارضة بعض حكومات المقاطعات، لا سيما مقاطعتي كيبيك والبرتا، للعديد من هذه البرامج باعتبارها تدخلاً في المناطق الخاضعة لولايتها. واستمرت التغييرات التي قامت بها الحكومات المتعاقبة، والمتسقة مع القيم الكندية، في تحقيق المزيد من الشمولية والمشاركة من أفرادها في المجتمع الكندي، حيث قامت بخلق بيئة عمل صديقة للأسرة، بغية أن تصبح المرأة أكثر قدرة على الجمع بين المسؤوليات العائلية والمهنية، فضلاً عن قيامها بتحسين الظروف الحياتية للوافدين الجدد، من خلال حصولهم على اعتراف رسمي للمهارات والخبرات التعليمية التي اكتسبوها في بلدانهم الأصلية.
واليوم، فإن كندا تنفق أموالاً طائلة على البحوث والتنمية المحلية، فقد أنفقت، في عام 2012، نحو 32 مليار دولار كندي في هذا المجال، جزء كبير ممول من الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، وهو ما يفسر حصول ثلاثة عشر كندياً على جائزة نوبل في مجالات متعددة في الفيزياء والكيمياء والطب، وحلولها في المركز الرابع عالمياً، في عام 2012، فيما يتعلق بجودة البحوث العلمية التي تقدمها. إضافة إلى ذلك، تعتبر كندا البلد الأكثر تعليماً في العالم؛ حيث تصنف في المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد الأفراد الملتحقين بالتعليم العالي، مع نسبة لا تقل عن 51٪ من البالغين من سكانها الحاصلين على تعليم جامعي.
اقرأ أيضا: سرّ الماكينات الألمانية!
لم يكن هناك خط فاصل واضح، في التاريخ الاقتصادي الكندي، بين استثمارات القطاع العام والخاص، إذ يُنظر إلى التفاعل فيما بينهما باعتباره عاملاً حاسماً في الاقتصاد الكندي على مدى عقود من الزمن. فقد جاءت ثورة الاتصالات والمواصلات، في منتصف القرن التاسع عشر، نتيجة الشراكة الناجحة بين القطاع العام والخاص في تطوير البنية التحتية من طرق، وقنوات بحرية، وسكك حديدية، ونقل بحري، وتلغراف، وكابلات، والتي عززت المكاسب التجارية للدولة. وقد كان لبناء السكك الحديدية العابرة للقارات، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهو مزيج من الاستثمار العام والخاص، دور بارز في تعزيز الابتكارات التكنولوجية والإدارية، مثل تطوير المناطق الزمنية القياسية. أما الاستثمار في محطات الكهرباء المركزية في أوائل القرن العشرين، وهو، أيضاً، مزيج من الاستثمار العام والخاص، فقد أدى إلى العديد من التغييرات التنظيمية والإدارية والتكنولوجية الناجحة في إنتاج البضائع.
اقرأ أيضا: الدنمارك تؤنسن الرأسمالية
سعت الثورة الكينزية، ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى إلقاء المزيد من الضوء على أهمية الاستثمار من القطاع العام والخاص في البنية التحتية كمفتاح للنمو الاقتصادي والازدهار. فقد كان المهندسون الرئيسيون للسياسة الاقتصادية الكندية لمرحلة ما بعد الحرب، مثل ماكينتوش وهاو، أتباعاً لفكر ومعتقدات الاقتصادي الإنجليزي، جون كينز، صاحب فكرة "الاقتصاد المختلط"، وهو من مؤسسي الليبرالية الاشتراكية التي تعارض الليبرالية الكلاسيكية واقتصاد السوق الحر، وسيطرة القطاع الخاص على الاقتصاد. إنهم كانوا يعتقدون أن الازدهار الاقتصادي الكندي لا يمكن أن يتم إلا من خلال الارتقاء المستمر للبنية التحتية على المدى الطويل، وليس من خلال السياسات الداعمة لاستقرار الدخل على المدى القصير.
ولعل الخمسة والعشرين عاماً التالية للحرب العالمية الثانية، كانت بمثابة العصر الذهبي للاستثمار في البنية التحتية من القطاعين العام والخاص في كندا. خلال هذه الفترة، ضُخّت استثمارات ضخمة في البنية التحتية مثل الطريق السريع في ترانس كندا، ومترو الأنفاق في تورونتو، والطريق البحري في سانت لورانس، وغيرها من المشاريع الكبرى. وقد أدى النمو الاقتصادي في كندا إلى ظهور هوية كندية جديدة، تمثلت في بروز علمها الحالي المكون من ورقة القيقب الحمراء في عام 1965، واعتمادها اللغة الإنجليزية والفرنسية كلغتين رسميتين للدولة في عام 1969، وقيامها بمأسسة التعددية الثقافية في عام 1971، وإنشاء الميثاق الكندي للحقوق والحريات في عام 1982.
اقرأ أيضا: التجربة الهولندية
علاوة على ذلك، استطاعت الدولة الكندية الحديثة إرساء برامج رعاية اجتماعية ناجحة، مثل برنامج الرعاية الصحية المجاني، وخطة التقاعد الكندية، والقروض الميسرة للطلاب، على الرغم من معارضة بعض حكومات المقاطعات، لا سيما مقاطعتي كيبيك والبرتا، للعديد من هذه البرامج باعتبارها تدخلاً في المناطق الخاضعة لولايتها. واستمرت التغييرات التي قامت بها الحكومات المتعاقبة، والمتسقة مع القيم الكندية، في تحقيق المزيد من الشمولية والمشاركة من أفرادها في المجتمع الكندي، حيث قامت بخلق بيئة عمل صديقة للأسرة، بغية أن تصبح المرأة أكثر قدرة على الجمع بين المسؤوليات العائلية والمهنية، فضلاً عن قيامها بتحسين الظروف الحياتية للوافدين الجدد، من خلال حصولهم على اعتراف رسمي للمهارات والخبرات التعليمية التي اكتسبوها في بلدانهم الأصلية.
واليوم، فإن كندا تنفق أموالاً طائلة على البحوث والتنمية المحلية، فقد أنفقت، في عام 2012، نحو 32 مليار دولار كندي في هذا المجال، جزء كبير ممول من الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، وهو ما يفسر حصول ثلاثة عشر كندياً على جائزة نوبل في مجالات متعددة في الفيزياء والكيمياء والطب، وحلولها في المركز الرابع عالمياً، في عام 2012، فيما يتعلق بجودة البحوث العلمية التي تقدمها. إضافة إلى ذلك، تعتبر كندا البلد الأكثر تعليماً في العالم؛ حيث تصنف في المرتبة الأولى عالمياً من حيث عدد الأفراد الملتحقين بالتعليم العالي، مع نسبة لا تقل عن 51٪ من البالغين من سكانها الحاصلين على تعليم جامعي.
اقرأ أيضا: سرّ الماكينات الألمانية!