15 نوفمبر 2024
الشجار والمنشار
كان المطلوب من السعودية أن تقدم روايتها لما حدث للكاتب جمال خاشقجي داخل قنصليتها في إسطنبول، هذا ما أبلغه وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، المسؤولين السعوديين الذين التقاهم أخيراً في الرياض، وهو ما قاله للإعلام لاحقا. ولكن يبدو أن هناك جزءاً آخر من الكلام كان قد قاله للسعوديين ولم يفصح عنه، مضمونه أن قدموا أي رواية، لا يهم مدى صدقيتها أو توافقها مع المنطق، لكن المهم أن يكون هناك قصة ومسؤولون عنها، وملامح محاسبة. هذا ما يمكن استنباطه من القصة المضحكة المبكية التي خرجت بها العربية السعودية لجريمة قتل خاشقجي، وتلقفها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، باعتبارها واقعاً و"شفافية سعودية"، في إطار مساعيه إلى إقفال القضية في أسرع وقت ممكن، من دون خسارة الحليف السعودي، وهو ما لم يتوان عن قوله علناً في مقابلته أخيرا مع "نيويورك تايمز".
لبت السعودية إذن الرغبة الأميركية، والأوروبية أيضاً مع فارق في الطلب، إذ كانت برلين قد طلبت أيضاً "رواية قابلة للتصديق"، وهو ما لا يمكن أن ينطبق على ما أعلنته الرياض فجر السبت. عوامل عدة تدفع إلى هذا الأمر، أي أن الرواية لا يمكن أن تصدّق، بداية من الإنكار السعودي منذ اختفاء خاشقجي معرفتها بمصيره أو أن يكون لديها أي معلومات عنه، مع الإصرار على أنه دخل إلى القنصلية في إسطنبول ثم غادر من باب آخر. غير أن الأمور انقلبت خلال أيام وأصبحت الرياض تعلم بالضبط ما حصل له في القنصلية، جازمة أنه "توفي". هنا يأتي الجزء الثاني من الرواية المتناقضة، خصوصاً ما يتعلق بالتداعيات التي تلتها، فالرياض أرادت تقديم معطياتٍ تواجه قصة المنشار التي تم تسريبها طوال الأيام الماضية في الإعلام التركي، مع تفاصيل كيفية تقطيع الفريق الأمني السعودي جثة خاشقجي. على هذا الأساس، تفتقت المخيلة السعودية عن تبريرٍ لا يحمل أي منطق لمقتل خاشقجي، والذي قالت إنه قتل خلال "وقوع شجار واشتباك بالأيدي" مع أشخاص داخل القنصلية في إسطنبول. لم يحدّد البيان السعودي من هم هؤلاء، ولا ما إذا كانوا يحملون أي صفات رسمية، أو ما إذا كانوا مكلفين بالتحقيق مع خاشقجي أو اختطافه. مجرد أشخاص صادف وجودهم في القنصلية في ذلك الوقت. المشكلة أن إعلان هذه الرواية ترافق مع قرارات وإقالات لشخصياتٍ على درجة كبيرة من الأهمية في السعودية. فإذا استثنينا عملية التحقيق مع الأشخاص الـ18، والذين يبدو أنهم المتورّطون في "الشجار"، ما هي علاقة سعود القحطاني وأحمد العسيري في القضية، ومن المعلوم أن الأول على ارتباط وثيق مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والثاني يدير المخابرات في البلاد. والمؤكد أن قرارات الإعفاء وارتباطها بقتل خاشقجي تبعد المسألة عن مجرّد "شجار"، بل عملية مدبرة من رؤوس كبيرة في المملكة، بغض النظر عن "أكباش الفداء" التي يجري تقديمها.
لا بد للرواية السعودية من تتمة، فحبكتها الحالية ناقصة، ولعل أهم عنصر ناقص هو جثة جمال خاشقجي، والتي سيكشف تشريحها، في حال كانت لا تزال موجودة ولم تقطّع أو تذوّب، السبب الحقيقي للوفاة. السعودية اليوم لا بد أنها تحضر الجزء الثاني المتعلق بالجثة، ومكانها، وكيفية التصرّف فيها. رواية قد يظهر فيها المنشار والمهمات التي قام بها "الأشخاص الـ18"، والذين سيكونون يعملون، بحسب التتمة المرتقبة، بأوامر من القحطاني والعسيري، مع تبرئة أكيدة لولي العهد.
توقع التتمة لا يقف فقط عند ضعف الرواية الحالية، وهشاشتها، بل لأنها لم تلق استحسان غير الرئيس الأميركي، فالأوروبيون، وخصوصاً المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أعلنوا عدم قناعتهم بالرواية. لذا قد يلجأ السعوديون إلى روائيين محترفين لإكمال الفصل، وربط خيوط رواية "الشجار والمنشار".
لبت السعودية إذن الرغبة الأميركية، والأوروبية أيضاً مع فارق في الطلب، إذ كانت برلين قد طلبت أيضاً "رواية قابلة للتصديق"، وهو ما لا يمكن أن ينطبق على ما أعلنته الرياض فجر السبت. عوامل عدة تدفع إلى هذا الأمر، أي أن الرواية لا يمكن أن تصدّق، بداية من الإنكار السعودي منذ اختفاء خاشقجي معرفتها بمصيره أو أن يكون لديها أي معلومات عنه، مع الإصرار على أنه دخل إلى القنصلية في إسطنبول ثم غادر من باب آخر. غير أن الأمور انقلبت خلال أيام وأصبحت الرياض تعلم بالضبط ما حصل له في القنصلية، جازمة أنه "توفي". هنا يأتي الجزء الثاني من الرواية المتناقضة، خصوصاً ما يتعلق بالتداعيات التي تلتها، فالرياض أرادت تقديم معطياتٍ تواجه قصة المنشار التي تم تسريبها طوال الأيام الماضية في الإعلام التركي، مع تفاصيل كيفية تقطيع الفريق الأمني السعودي جثة خاشقجي. على هذا الأساس، تفتقت المخيلة السعودية عن تبريرٍ لا يحمل أي منطق لمقتل خاشقجي، والذي قالت إنه قتل خلال "وقوع شجار واشتباك بالأيدي" مع أشخاص داخل القنصلية في إسطنبول. لم يحدّد البيان السعودي من هم هؤلاء، ولا ما إذا كانوا يحملون أي صفات رسمية، أو ما إذا كانوا مكلفين بالتحقيق مع خاشقجي أو اختطافه. مجرد أشخاص صادف وجودهم في القنصلية في ذلك الوقت. المشكلة أن إعلان هذه الرواية ترافق مع قرارات وإقالات لشخصياتٍ على درجة كبيرة من الأهمية في السعودية. فإذا استثنينا عملية التحقيق مع الأشخاص الـ18، والذين يبدو أنهم المتورّطون في "الشجار"، ما هي علاقة سعود القحطاني وأحمد العسيري في القضية، ومن المعلوم أن الأول على ارتباط وثيق مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والثاني يدير المخابرات في البلاد. والمؤكد أن قرارات الإعفاء وارتباطها بقتل خاشقجي تبعد المسألة عن مجرّد "شجار"، بل عملية مدبرة من رؤوس كبيرة في المملكة، بغض النظر عن "أكباش الفداء" التي يجري تقديمها.
لا بد للرواية السعودية من تتمة، فحبكتها الحالية ناقصة، ولعل أهم عنصر ناقص هو جثة جمال خاشقجي، والتي سيكشف تشريحها، في حال كانت لا تزال موجودة ولم تقطّع أو تذوّب، السبب الحقيقي للوفاة. السعودية اليوم لا بد أنها تحضر الجزء الثاني المتعلق بالجثة، ومكانها، وكيفية التصرّف فيها. رواية قد يظهر فيها المنشار والمهمات التي قام بها "الأشخاص الـ18"، والذين سيكونون يعملون، بحسب التتمة المرتقبة، بأوامر من القحطاني والعسيري، مع تبرئة أكيدة لولي العهد.
توقع التتمة لا يقف فقط عند ضعف الرواية الحالية، وهشاشتها، بل لأنها لم تلق استحسان غير الرئيس الأميركي، فالأوروبيون، وخصوصاً المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أعلنوا عدم قناعتهم بالرواية. لذا قد يلجأ السعوديون إلى روائيين محترفين لإكمال الفصل، وربط خيوط رواية "الشجار والمنشار".