كان يوم أمس الجمعة يوماً سياسياً طويلاً للغاية على رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد ووزرائه، فقد استمرت جلسة مساءلته في البرلمان إلى ما بعد منتصف الليل، واستمع إلى مداخلات وأسئلة وانتقادات طويلة وقاسية من كل الأطياف السياسية.
وقوبل خطاب افتتاحه للجلسة صباحا بوابل من الانتقادات والاتهامات من قبل المعارضة التي وجهت له اتهامات بالفشل الذريع وبالتخلي عن الحرب على الفساد للبقاء في منصبه مما حرك نواب الائتلاف الحاكم للدفاع عنه وعن حكومته، بعدما أعرب أمام النواب عن قبوله سماع النقد مع رفضه الرد على بعض الاتهامات.
واعتبر النائب المعارض وأمين عام حزب "حراك تونس الإرادة"، عماد الدائمي، أن رئيس الحكومة "أضاع فرصة مع التاريخ حين أراد المحافظة على موقعه في الجغرافيا فرجل السياسة مخير بين المناصب وبين الشعب"، موجهاً كلامه للشاهد "وقد اخترت اللوبيات على حساب الشعب وعلى حساب الثورة واخترت انتخابات 2019 على حساب قضايا الشعب" على حد تعبيره.
وأضاف الدائمي "خطابك موجه لقصر قرطاج وللمثلث الحاكم في البرلمان بعد أن فقدت شرعيتك الشعبية بإيقاف الحرب ضد الفساد وكنت انتقائيا في حربك، كما فقدت أيضاً شرعيتك بانفلات ميثاق قرطاج بسبب تضارب المصالح وهروب أطراف من مسؤولية الفشل، وفقدت الشرعية الاجتماعية بدخولك في حرب ضد اتحاد الشغل بسبب إيقافك المفاوضات ودخولك في إصلاحات ضد مصلحة الشعب".
وتابع "أنت تبحث بخطابك عن رضا الثالوث المقدس وهم الأب (الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي) والابن (حافظ قائد السبسي) والروح المقدس (حزب نداء تونس)" على حد تعبيره.
من جانبه، قال القيادي بـ"حركة الشعب" ورئيس الكتلة الديمقراطية بالبرلمان، سالم الأبيض، للشاهد "نتمنى ألا تكون هذه الجلسة الأخيرة لحكومتك وقد نبهناك منذ مجيئك ومنذ مجيء سلفك الحبيب الصيد حيث قلنا إن الطبقة الحاكمة لم تكن في مستوى الأمانة وقلنا إن هناك سقوطا أخلاقيا مدويا وغدرا من أحزاب الائتلاف الحاكم التي غدرت بكم وبسياساتكم"، على حد تعبيره.
وأضاف الأبيض "ليس هناك أكثر من هذا سقوطا أخلاقيا وليس هناك أنكى من حكومة منصبة وهناك مجلس في قرطاج يحاكم هذه الحكومة دون حضور أي شخص أو حتى رئيس الحكومة ليدافع عن حكومته".
بدوره رئيس كتلة حزب "نداء تونس" النائب سفيان طوبال قال إن "دعوة الرئيس السبسي لمساندي اتفاق قرطاج للاجتماع أثبت عبرها أنه الضامن لاستقرار البلاد ولاحترام الدستور حيث دعا للحوار والنقاش".
ولفت إلى أن "نداء تونس" يرى أن "تغيير الحكومة ليس مسالة مزاجية بل يعتمد على تقييم شامل وتشخيص وبرامج وليس لتغيير أشخاص، والأولوية هي ما ذهبت إليه مجموعة اتفاق قرطاج التي ستتوافق على جملة من البرامج التي يجب أن يحدث حولها توافق وإلا سيكون التحوير (التعديل) الحكومي مبنيا على الشخصنة"، منددا بمداخلات المعارضة واتهامها لرئيس البلاد ووصفه وعائلته بنعوت غير لائقة وقذف وشتائم.
من جانب أخر، قال النائب المعارض عن كتلة "الجبهة الشعبية" وأمين عام حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد"، زياد الأخضر، للشاهد "أنت ضعيف من حيث الثقافة السياسية ولديك خلط بين رجل الدولة ورجل السياسة فأنت تعتبر أن مصالح الدولة تختلف عن مصالح الناس وكأنها مختلفة عن مصالح تونس"، مضيفاً: "حكومتك دخلت في أيامها الأخيرة وهي حكومة تصريف أعمال كما قال عنك حلفاؤك".
وقال النائب عن كتلة "حركة النهضة" صبحي عتيق إن "الأزمة التي تمر بها البلاد، لن تتم حلحلتها بتغيير الأشخاص، وإنما باستمرارية الاستقرار السياسي"، ملاحظا عدم تطرق رئيس الحكومة للحرب على الفساد، كما دعاه إلى عدم التراجع عن هذه القضية التي تمثل أحد مقومات نجاح هذه الحكومة.
وأشارت النائبة المستقلة، بشرى بالحاج حميدة، إلى تردي لغة الخطاب السياسي وسقوط من كانوا يدافعون عن الحريات قبل الثورة في منزلق العنف السياسي منتقدة الأحزاب الحاكمة والمعارضة لعدم امتلاكها خارطة طريق لإخراج البلاد من أزمتها، في حين تعمل على نقد الحكومة دون بدائل تذكر.
ولفتت بالحاج حميدة، المستقيلة من حزب "نداء تونس" سابقا، إلى تواصل النسق البطيء للإدارة وضرورة إيجاد حلول عاجلة لهذه الظاهرة، مشددة على وجوب إقالة كل مسؤول أو وزير لا يحمل مشروعا وبرنامجا.
وفي إجابته على النواب، قال الشاهد "أنا أقبل النقد مهما كانت حدته ولكن هناك اتهامات لن أرد عليها وأكتفي بقول الشاعر أحمد شوقي (إذا أُصيب القوم في أخلاقـهم فـأقمْ عليهم مأتماً وعويلا)".
وأضاف الشاهد "لن اتهم الحكومات السابقة ولكن حكومة الوحدة الوطنية تعاني من ضربات قاسية بعد خمس عمليات إرهابية كبرى أثرت في السياحة والاستثمار والاستقرار وتحتاج استعادة انتعاشة الاقتصاد فترة زمنية وبصفة تدريجية"، مشيرا إلى انه تم تحرير الصحافة والكلمة في تونس ولكن هناك طاقات وإدارات مكبلة وهذا لا يحتاج تنقيحا للدستور".
ولفت إلى أن "رئيس البلاد انطلق في التنقيحات عبر التفكير في تغيير النظام الانتخابي والحكومة تفكر في قانون يحرك الطاقات ويحرر القيود التي تكبل الدولة ويرفع في نسق النمو"، مشيرا إلى أنه "قبل بقواعد اللعبة السياسية ونظام الحكم الذي عملت فيه سبع حكومات متعاقبة".
وعبر الشاهد عن تفاؤله بتطبيق نظام السلطة المحلية وتنفيذ مسار اللامركزية لما ستقدمه من دفع للتنمية وتحرير للمبادرات وتطوير التصرف والتسيير، معتبرا أن الانتخابات البلدية ستحقق الديمقراطية المحلية وستمكن المواطن من ممارسة سيادته وسلطته بشكل ديمقراطي.
وطرح الشاهد تصوره لمبادرة إصلاح الصناديق الاجتماعية ومسالة التفويت في المؤسسات العمومية، مبينا أن المسالة ستتم مناقشتها ودراستها بشكل تشاركي وسيتم عرضها على البرلمان لمزيد النقاش والتعمق.
وحول الفساد قال الشاهد "اتهمونا من جهة بإيقاف الحرب على الفساد وأحيانا يتهموننا بتصفية الحساب". وفيما تساءل "عن مدى ثقتنا في القضاء المستقل الذي تتم إحالة الملفات إليه بعد أن تم تدعيم المؤسسة القضائية"، دعا البرلمان بدوره إلى الإسراع بالمصادقة على "قانون من أين لك هذا"؟