وبالرغم من أن اعتداء أنيس العامري كان يمكن أن يأتي بنتائج كارثية على تونس؛ إلا أن هدوء المسؤولين الألمان من ناحية؛ ونجاح المسؤولين التونسيين في امتصاص الغضب الألماني من ناحية أخرى، ساهما في تهدئة الأوضاع وفتح المجال لحوارات صريحة بين البلدين حول التعاون الأمني عمومًا، وملف المهاجرين غير الشرعيين، وهو ما أنقذ تونس من توقف الدعم الألماني الذي لوّحت به بعض الشخصيات السياسية.
ويتحول الشاهد إلى ألمانيا على خلفية التفهم الألماني للظروف التونسية، وهو ما بدا واضحًا في خطاب الرئيس الألماني الجديد، فرانك وولتر شتاينماير، الذي تعرّض لتونس في أوّل خطاب له كرئيس، معتبرًا أنها نموذج للديمقراطية في المنطقة، مشيرًا، في السياق نفسه، إلى أنه "خلال الأوقات الصعبة من تاريخ الدول يجب التسلح بالشجاعة للتغلب على المخاوف لمجابهة مستقبل صعب".
من جانبها، حثت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، على إسراع وتيرة ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين إلى تونس. وقالت ميركل، في رسالتها الأسبوعية، السبت الماضي، إنها تعتزم خلال زيارة رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، بحث مسألة إسراع إجراءات إعادة التونسيين المرفوضة طلبات لجوئهم إلى بلدهم، خاصة المصنّفين "خطيرين" أمنيًّا.
ودعت ميركل إلى تصنيف تونس والمغرب والجزائر في قانون اللجوء الألماني على أنها "دول منشأ آمنة" لإسراع إجراءات الترحيل.
وسبق زيارة الشاهد لألمانيا توقيع مذكرة تفاهم في تونس بين وزارة العدل التونسية ونظيرتها الألمانية بشأن التعاون القانوني مع برنامج عمل لسنتي 2017 و 2018.
وتعمل المذكرة على دعم التعاون القائم في مجال القانون وحماية الحريات الأساسية، وفقًا للمبادئ المكرّسة في القانون الدولي بين البلدين، وفق ما ورد في البلاغ الرسمي الصادر عن وزارة العدل التونسية.
وعقد وفد ألماني، يقوده كاتب الدولة لدى وزير العدل الألماني، كريستيان لانج، لقاءات برلمانية مع النواب التونسيين حول ملف مقاومة الإرهاب، وضرورة تكثيف الجهود الدولية لمقاومة هذه الظاهرة العابرة للقارات.
وأفاد لانج، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "مذكّرة التفاهم تتنزل في إطار تعزيز وتعميق العلاقات القائمة بين البلدين، ودعم التعاون، خاصة في مجال القانون وحماية الحريات الأساسية، وستساهم في تطوير المنظومة القضائية وحماية حقوق الإنسان ومقاومة الإرهاب والجرائم الإلكترونية والجريمة المنظمة، وستسمح بمزيد من تبادل الخبرات بين الطرفين".
ومثلت مسألة ترحيل التونسيين المقيمين في ألمانيا بطريقة غير شرعية أهم المحاور التي تم التداول فيها خلال جلسة العمل البرلمانية. وأكد النائب عن "الجبهة الشعبية" المعارضة، مراد الحمادي، لـ"العربي الجديد"، أن النقاش دار حول تصريحات المستشارة الألمانية بعد مقتل العامري، حيث أعربت عن رغبتها بتسريع عملية ترحيل اللاجئين التونسيين الذين رفضت طلبات لجوئهم إلى ألمانيا، بعد أن أجرت مكالمة هاتفية مع الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، بشأن هذا الملف.
من جانبه أبرز النائب عن "نداء تونس"، حاتم الفرجاني، رئيس مجموعة "الصداقة تونس- ألمانيا"، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الإدارة الألمانية كان بإمكانها وضع أنيس العامري رهن الإيقاف التحفظي قبل ارتكابه الجريمة، وذلك استنادًا إلى الفصلين 58 و62 من قانون الأجانب الألماني، وربما كان يمكن تفادي الكارثة التي جدّت". وطالب بضرورة التعاطي مع ملفات التونسيين المقيمين بطريقة غير شرعية حالة بحالة، والتمييز بين اللاجئين الذين تتصل بهم شبهات إرهابية، واللاجئين الذين لديهم مشاكل قانونية في الإقامة.
وبالإضافة إلى ملف اللاجئين، سيكون على الشاهد أن ينجح في إقناع المسؤولين الألمان بتجاوز حادث برلين نهائيًّا، وتطوير الدعم الألماني لتونس، وعودة السياح الألمان إلى هناك، بعد الجهد الذي بذله الرئيس السبسي، منذ أيام، في إيطاليا للغاية نفسها، بهدف إنجاز موسم سياحي مثالي هذا الصيف، بعد التراجعات الكبيرة التي شهدتها المواسم الماضية.