وهناك طرف ثالث مستاء مما يحدث وغير منحاز لأي فريق، وهؤلاء يمثلون نسبة كبيرة في الشارع العدني. يقول (س ع)، أحد سائقي سيارات الأجرة، في حديثه لـ"العربي الجديد": "كلهم لصوص"، أما عبدالله منصر، وهو جندي متقاعد، يقول "إحنا الجنوبيين هذا هو حالنا، من احتلال إلى احتلال، طردنا الإنكليز وجبنا (أتينا بـ) الروس، طردنا الروس وجبنا الشماليين، تخلصنا من الشماليين والآن جبنا الإماراتيين".
وفي سياق الحديث عن الإمارات ودورها، يقول مبارك علي، الذي يعمل موظفاً: "البعض يظن أن الإمارات با تخلي (ستجعل) عدن زي دبي، عشم إبليس في الجنة، الإمارات غرضها تدخل عدن غرفة الإنعاش من شان تنتعش دبي.. وربي ما عملوا لنا شيء في عدن غير الرنج (الطلاء).. يرسمون أعلامهم في كل مكان وشغلوا بعض المراكز الصحية براءة للذمة". أما منير فيقول إن "المواجهات هذه المرة، على شدتها، أقل بكثير من مواجهات سابقة، وقتلاها أقل"، ويعلل: "أصحابنا شكلهم اتعلموا من أصحاب صنعاء، يتهاوشوا مهاوشة وما يوصلوا للعظم".
ثلاث فئات
في غضون ذلك، يعتري القلق الأشد ثلاث فئات؛ الأولى من تقف مع الحكومة الشرعية عموماً التي تدعمها السعودية، ومجموعة الأشخاص الذين بدأوا ترتيب أمورهم وفقاً لمواقعهم في حكومة أحمد عبيد بن دغر، وأن أي تغيير قد يعصف بهم، بل قد تعتبرهم الحكومة القادمة من "فلول" النظام السابق. والفئة الثانية، هي فئة التجار وأصحاب المحال الذين تكلفهم المشاكل خسائر كبيرة من جراء الإغلاق القسري لمحالهم خوفاً من شظايا الحرب. والفئة الأخرى هي العمال من المحافظات الشمالية، وخصوصاً من أبناء محافظة تعز الذين يُعتبرون عصب الحياة الخدماتية في عدن، وهؤلاء كانت هناك حملات ضدهم، على خطابات منصة ساحة العروض، حيث يتظاهر أنصار "المجلس الانتقالي".
وتنقسم عدن، من حيث الخطورة الأمنية، إلى مربعات عدة؛ ففي حين يبلغ الخطر مداه الأعلى في كريتر وصيرة ومحيط معاشيق (القصر الرئاسي) ومديرية خور مكسر، يقل إلى أدنى مستوياته في مناطق الشيخ عثمان وما حولها، حيث الحياة شبه طبيعية في هذه المناطق، التي تبدو بعض المباني المهشمة فيها كأنها حصلت على نصيبها من الخوف والدمار أثناء حرب تحرير المدينة من الحوثيين.
أما حركة النساء والأطفال؛ فكانت خافتة قياساً بما هي عليه العادة في عدن، حتى من قبل المواجهات الأخيرة، وذلك بسبب انتشار المسلحين الكثيف الذي لا يكاد يميز المرء من يتبع فيه إلى من؟ إذ لا توجد سمات واضحة تميز مسلحي هذا الطرف عن ذاك. علماً أن حركة التجنيد نشطت بشكل كبير في عدن ومحيطها خلال وبعد الحرب مع مسلحي جماعة الحوثيين في 2015.
وحتى وقتٍ قريب، كانت عدن تُعرف بكونها مدينة تنفر من أية مظاهر مسلحة، بل إن بعض أبناء عدن كانوا لا يستسيغون حتى لبس "الجنبية" (خنجر اللباس المعروف) في مدينتهم.
وعلى عكس مدن يمنية أخرى في ظروف مماثلة، فإن الشارع العدني ليس وسطاً متمرساً في تبادل الشائعات أو منشورات الحرب (باستثناء مواقع التواصل الإلكتروني)، فالكل تقريباً، في الشارع، يلتزم الحذر قدر الإمكان في تصريحاته، والأغلب يحجم عن طرح توقعاته، وتتفاوت لدى النقاش الانطباعات بشكل يصعب معه إيجاد خيط ناظم لكل فريق على حدة تجاه قضايا عدة، لكن حقيقة الموقف السعودي مما يجري هي اللغز الجامع الذي يحيّر الجميع.
إلى ذلك، وعلى الرغم من تطوّر وسائل الإعلام الإلكتروني، وامتلاك الغالبية من المهتمين بمتابعة الشأن العام وسائل اتصال حديثة، فإن الصحف الورقية المحلية اليومية في عدن لا تزال تلقى رواجاً كبيراً، ولا يزال كثيرون يذهبون إلى المقائل أو المقاهي، وبحوزتهم صحف "عدن الغد"، "الأيام"، "أخبار اليوم" وغيرها.
كذلك، تحدث خلال المواجهات حالتان من النزوح؛ إحداهما داخلية، أي من داخل مناطق التوتر إلى مناطق آمنة في المدينة، وأخرى خارجية، وتتم بنسبة أقل، إذ ينزح سكان مناطق المواجهات إلى قراهم خارج عدن.