بين نخيل واحات طاطا المغربية، عاش عمره. يعرف كلّ شيء عن الرعاية والقطاف. هو السي عمر برضو الذي يعامل النخلة بقداسة تصل إلى حدّ اعتبارها من أبنائه.
زيارة فدادين النخيل في منطقة العيون في واحات طاطا، جنوب شرق المغرب، استعادة حقيقيّة للحياة المرتبطة بالأرض. في واحة أو فدّان "الحفرة" كان عمر برضو ينظر إلى أعلى شجرة النخيل بانتظار أن تسقط حبّات التمر على الغطاء البلاستيكيّ. هو رجل طاعن في السنّ يعمل مع أشقائه وعائلته في الحقل ويتعاونون في القطاف. أما الأعمال الزراعية الأخرى فتُترك للسي عمر يقوم بها وحده، هو الذي يعتني بها منذ عام 1962.
سنوات طويلة مضى فيها الرجل إلى الواحة الصغيرة التي تطل بعد مسافة من البيوت الطينية للعيون. يتفقد أشجاره وخضره التي زرعها في أحواض صغيرة بين النخيل. الواحات المترامية على ضفاف وادي درعة تقدم ثلاثة أطباق، هي الخضر والفاكهة والتمر.
وسط عائلته في الواحة، يجلس الرجل المسنّ ليتحدث عن خبرته الطويلة مع فسائل النخيل (الأغصان التي تفصل للغرس) وثمارها. يقول: "علينا أن نقطف النخيل في أكتوبر/ تشرين الأول، هذا الشهر هو الأفضل للقطاف. هناك أنواع نبدأ بقطفها في شهر أغسطس/ آب مثل الفكَوس وسير البنات حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول أو يناير/ كانون الثاني الجاري لأنّ هذين النوعين يُسقيان كثيراً في شهري يوليو/ تموز وأغسطس".
الماء قليل في العيون والآبار، وقد تموت واحات كثيرة لقلّة الماء، فكلّ واحد وعشرين يوماً يأتي الماء إلى حقل السي عمر ويبدأ بسقي النخيل. يقول: "تحاول بعض الشركات الآن أن توفر ماء بحصص أكبر على الفلاحين لتساعدهم في إصلاح أراض زراعية جديدة وتشجيع الآخرين على التشبث بأرضهم".
هناك تنتشر كلمة "يقطع" التمر بدلاً من "يقطف". يجلب الناس كؤوس الشاي وأسطوانات الغاز وطعام الفطور والغداء معهم إلى الحقول، وكذلك بعض الفواكه الموسمية والخبز. تتكرر هذه اليوميات الحقليّة إلى نهاية الموسم، لتستريح الأشجار بعدها حتى مارس/ آذار، حين يُعتنى بها وتحرث الأرض تحتها.
يقطف السي عمر 190 شجرة في فدّانه الأول "الحفرة" و170 في فدّان آخر، وغيرها من الأشجار في جنائن صغيرة تعود له. لكنّ مجهود الرجل الآن أقلّ ممّا كان سابقاً، بعدما تقدّم به العمر. لم يعد حتى يزرع الأرض بالبطاطا والجزر كما كان يفعل.
مع ذلك، ما زال فعالاً في القطاف وفي تقديم النصح: "يجب أن نتخلص من الحشائش المحيطة بالشجرة قبل التسلق، ويجب ألاّ نقطع الجريد الأخضر بل اليابس فقط، ثم نبدأ شمر (قطع) عريش التمر بالشفرة الطويلة أو آلة الباشتول والمطرقة والشفرة والمقرض، ثم نجمعه في الأكياس إمّا إلى البيت أو السوق".
يتداول الفلّاحون أعرافاً زراعية واجتماعية في كيفيّة التعامل مع شجر النخيل، فمن قطع جريداً أخضر كأنّما قطع يدَي إنسان، ومن يقطع نخلة كمن قتل إنساناً، وقد يتعرض للقتل جراء فعله. وتعليق السي عمر على ذلك أنّ "النخلة تعطينا الحياة". ويشير كذلك إلى أنّ من يتسلّق شجرة النخيل عادة يرفع من فوقها الأذان.
تعمّر شجرة النخيل مدة قرن أو أكثر، فأكبر شجرة في فدّان السي عمر يصل عمرها إلى أكثر من قرن بكثير كما ينقل عن أجداده الذين خدموا الأرض ذاتها أو في فدادين أخرى. وغالباً ما تُسمّى الفدادين بأسماء مصغرّة عن ملّاكها متل "آيت حوسين" و"الدودران" أو أسماء أخرى مثل "حبل أنغريف" و"الحفرة" وغيرهما.
يميّز السي عمر التمر الجيد من غيره بمذاقه الحلو، وهي عملية تساهم فيها عوامل بيئية وطبيعية. فالتمر الجيد غير مصابة أشجاره بأمراض النخيل المعروفة. أما إذا أصيب بـمرض البيّوض (مرض فطريات) الذي تسببّه دودة، كما يقول السي عمر، تنخر الشجرة كاملة، فإنّها لن تعيش مجدداً، بل تجفّ جذورها وجذعها وأوراقها وتسقط وتصبح أعمدة شاحبة تدل على الخراب الطبيعيّ الذي أصاب الواحة.
لا يوجد علاج حاسم لمرض البيّوض لأنّ "الشجرة تتنفسه من الأعماق. وفي شهر مايو/ أيار تحديداً يمكن للفلّاح أن يعرف أن شجرته مصابة بأعراض البيّوض إذا أوقعت كميات كبيرة من البلح". يتابع: "نحاول أن نعالجه بالماء والملح. والبعض يستخدم كميات قليلة من الكلور أو الكاز (كيروسين) مخلوطاً بالماء ليسكبه على جذور النخلة، لكنّ ذلك يحرقها من الداخل، وإن عاشت فستعطي إنتاجاً أقل وقد تعيش لمدة 15 عاماً فقط". كذلك، قد "تصاب النخلة بالبرق الذي يحرقها بالكامل، كما حدث لدى بعض فلّاحي المنطقة".
يبيع السي عمر محصوله في سوقَي "الأحد" و"الخميس" وهما سوقان رئيسيان في قلب مدينة طاطا. في بداية الموسم "يباع التمر بعشرين درهماً (نحو دولارين أميركيين) للكيلوغرام الواحد، لكنّ الأسعار تبدأ بالانخفاض لاحقاً في وقت يودّ جميع الفلاحين بيع إنتاجهم".