السينما في فرنسا 2018: الأميركي غالبٌ والعربيّ حاضرٌ

31 ديسمبر 2018
داني بون: أكثر النجوم الفرنسيين شعبية (فيسبوك)
+ الخط -
انخفضت نسبة التردّد على الصالات الفرنسية خلال عام 2018، بحسب التقديرات الأولية لـ"المركز الوطني للسينما والصورة المتحركة في فرنسا"، في الفترة الممتدة بين شهري ديسمبر/ كانون الأول 2017 ونوفمبر/ تشرين الثاني 2018، إذْ بلغ عدد البطاقات المباعة 203.4 ملايين، بتراجع 3 بالمئة عن تلك المباعة عام 2017. كما هبطت حصّة الفيلم الأميركي في الصالات نفسها من 48 إلى 45 بالمئة، بينما وصلت حصّة الفيلم الفرنسي إلى نحو 39 بالمئة، بزيادة طفيفة عن العام الماضي تساوي واحد بالمئة فقط، وتوزّعت الحصة الباقية على أفلام "أخرى"، آتية من أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا؛ وهي أفلام شهدت بدورها ارتفاعًا محدودًا لحضورها في السوق السينمائية، بنسبة 15 بالمئة. 

تتوزّع معظم الحصص في السوق الفرنسية على الفيلمين الأميركي والفرنسي، ويتراوح معدل تواجد الدول الأخرى بين 11 و13 بالمئة. وتتقارب حصص هذين الفيلمين في بعض الأعوام، كما حصل عام 2014، إذْ وصلت إلى نحو 44 بالمئة لكلٍّ منهما، أو تُرجَّح بوضوح لصالح الفيلم الأميركي أحيانًا، كما حصل عام 2016، إذْ تجاوزت حصّته 52 بالمئة، مقابل 35 بالمئة للفيلم الفرنسي. لكن المعدل العام في الأعوام الـ10 الأخيرة تجاوز 48 بالمئة للفيلم الأميركي و38 بالمئة للفرنسي، وهو معدل يُعتبر ممتازًا للسينما الفرنسية، مقارنة بالفيلم الأوروبي عامة، أمام الإنتاج الهوليوودي.

وفي ما يُعتبر نجاحًا للسينما الفرنسية، وصلت 3 أفلام فرنسية إلى لائحة الخمسة الأكثر مشاهدة في فرنسا عام 2018، وتجاوز عدد البطاقات المباعة لأربع منها عتبة 5 ملايين، واحتلت تلك الأفلام المواقع الثاني والثالث والخامس في اللائحة، وهي على التوالي: "عائلة توش 2" لأوليفييه بارو، و"عائلة شتيت" للنجم الكوميدي داني بون، و"الغوص الكبير" أو "الحوض الكبير" (Le Grand Bain) لجيل لولوش. بينما احتلّ الموقعين الأول والرابع فيلمان أميركيان، هما: "الخارقون 2" لبراد بيرد، و"المنتقمون: حرب اللانهاية" لأنتوني وجو روسّو. 



تنتمي الأفلام الفرنسية الثلاثة إلى النوع الاجتماعي الهزلي، الذي لا يزال يستقطب الجمهور الفرنسي أكثر من غيره. فيلم لولوش مفاجأة العام بلا منازع في فرنسا، إذْ بلغ عدد بطاقاته المباعة في 5 أيام مليون بطاقة، ولا يزال عرضه مستمرًا منذ أكثر من شهرين، وتجاوزت مبيعاته 4 ملايين بطاقة. بهذا، أعاد الحيوية إلى السوق السينمائية التي كانت راكدة في الأشهر الثلاثة السابقة على بدء عرضه في الصالات منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. والفيلم، الذي ربما ينال جائزة الجمهور في جوائز "سيزار" الفرنسية بنسختها الرابعة والأربعين (22 فبراير/ شباط 2019)، ينتمي إلى الكوميديا الخفيفة، ويمثّل فيه بعض أبرز نجوم السينما الفرنسية، أمثال ماتيو آمرليك وغييوم كاني وجان ـ لوك أنغولاد وليلى بختي وفرجيني إيفيرا، وهذا يُساهم في نجاحه الساحق، بالإضافة إلى موضوعه الذي رفع الروح المعنوية للفرنسيين هذه الأيام: يُقرِّر عدد من الرجال العاديين، في لحظة من حياتهم يُسيطر فيها إحساسهم بالفشل والإحباط عليهم، الانضمام إلى فريق "السباحة التوقيتية"، أو ما يعرف بـ"الرقص المائي"، وخوض مسابقة دولية فيه. في اجتماعاتهم وتدريباتهم المشتركة، يجد "السبّاحون" معنى لحياتهم، ويكتشفون أنفسهم مجدّدًا، وتنفتح شهيتهم على العيش بعد معاناة كلّ واحد منهم بسبب فشل كبير أو مشكلة معنوية أو اقتصادية في حياته.

من ناحية أخرى، تشكِّل السينما العربية إحدى مكوّنات الفيلم "الآخر"، أي غير الفرنسي والأميركي، الذي ارتفعت حصّته عام 2018. يُمكن ملاحظة وجود أكبر لها في دور العرض الفرنسية، إذْ يقدّر عدد الأفلام العربية المعروضة في صالات المجمّعات الكبرى وصالات "فن وتجربة" بنحو 20 فيلمًا، وهو رقم مرتفع للعام الثالث على التوالي، ولا تدخل ضمنه بالطبع الأفلام العربية المُشاركة في المهرجانات والتظاهرات الثقافية الفرنسية.

معظم الأفلام العربية المعروضة في فرنسا مغربية وتونسية. هناك خمسة أفلام تونسية: "جسد غريب" لرجاء عماري، و"حبّ الرجال" لمهدي بن عطية، و"ريح الشمال" لوليد مطر، و"مكتوب حبي" لعبد اللطيف كشيش، و"ولدي" لمحمد بن عطية؛ وأربعة مغربية: "غزيّة" لنبيل عيوش، و"العودة إلى بولن" لسعيد حميش، و"صوفيا" لمريم بنمبارك، و"وليلي" لفوزي بن السعيدي. من الجزائر، هناك "تحقيق من الجنة" لمرزاق علواش، والوثائقي "أطلال" لجمال كركار. كما عرض فيلمان سوريان هما الوثائقي "طعم الإسمنت" لزياد كلثوم، والروائي "قماشتي المفضّلة" لغايا جيجي، وفيلمان لبنانيان هما "قضية رقم 23" لزياد دويري، و"كفر ناحوم" لنادين لبكي؛ بالإضافة إلى الفلسطيني "واجب" لآن ـ ماري جاسر، والمصري "يوم الدين" لأبو بكر شوقي. وعُرض للسعودية هيفاء المنصور فيلمها الأخير "ماري شيلي"، الناطق بالإنكليزية.

بعض هذه الأفلام معروضٌ في مهرجان "كانّ"، في المسابقة الرسمية أو التظاهرات الموازية، وهذا أحد العوامل المهمة في التوزيع التجاري للفيلم في فرنسا. من حيث الإقبال، كان جمهور "كفر ناحوم" الأكثر عددًا (368132) و"غزيّة" (154829) و"قضية رقم 23" (134656). أما من حيث المواضيع، فالغلبة للاجتماعيّ، خصوصًا وضع المرأة العربية. وطُرحت مسألة اللجوء بشاعرية، كما في "طعم الإسمنت"، أو على نحو مأسوي مُبالغ فيه، كما في "كفر ناحوم"؛ وللإرهاب حصّة متمثّلة في "تحقيق من الجنة"، وللحروب الأهلية دورٌ كما في "أطلال" و"قضية رقم 23". وظهرت مشاكل الهوية والانتماء للفرنسيين من أصول عربية في أقوى صورها في "العودة إلى بولن".

بالإضافة إلى الأفلام التي أخرجها عربٌ باللغة العربية، هناك أفلام متعلقة بالعالم العربي لفرنسيين من أصول عربية، أو لمخرجين أوروبيين، كـ"طريق آل السموني" للإيطالي ستيفانو سافونا.
هذه الإحصاءات يجريها "المركز الوطني الفرنسي للسينما والصورة المتحركة"، بالإضافة إلى دعمه المالي للإنتاج السينمائي في فرنسا والعالم، كما ينشر دراسات تفصيلية سنوية عن وضع السينما في فرنسا. اعتبرت إحدى تلك الدراسات العامة، التي تناولت أحوال السينما عام 2017 ونُشرت منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، أن إحصائيات عام 2017 تبدي "إخلاص" الجمهور الفرنسي للسينما، التي لا تزال "النشاط الثقافي المفضّل له"؛ وبيّنت أن الفرنسيين هم "الأكثر سينمائية بين الأوروبيين"، مع نسبة تردّد على الصالات هي الأعلى في أوروبا، إذْ يتردّد الفرنسي بنسبة 3.3 مرات، بينما البريطاني يتردّد بنسبة 2.6 والإسباني 2.2. أشارت الدراسة أيضًا إلى أن فرنسا تملك أحدث الصالات وأكثرها عددًا في أوروبا، إذْ لديها 2050 صالة وأكثر من 5900 شاشة، مع افتتاح المزيد منها ذاك العام (138 صالة جديدة افتتحت مقابل 71 أغلقت).

ومع أن أكثر المستفيدين من الافتتاح هي الصالات المتعدّدة، أي تلك التي لديها 8 شاشات وأكثر، فإن عدد "صالات فنّ وتجربة"، التي تعرض أفلامًا مستقلّة وغير ذات ريع تجاري ضخم، يزداد بانتظام منذ 10 أعوام، وتُشكّل عائداتها ثلث العائدات العامة للسينما. بهذا المعنى، لا تزال باريس الأكثر سينمائية بين المدن الفرنسية. أما الإنتاج السينمائي الفرنسي فيزداد سنويًا، ووصل عام 2017 إلى 300 فيلم، بينها 221 فيلمًا فرنسيًا.
دلالات
المساهمون