في الولايات المتحدة، وسواها من البلدان المتطورة في صناعة السينما، لا تحدث قفزات استثنائية في شكل الإيرادات إلا كل فترة من الزمن، وذلك بسبب درجة ما من الثبات الاقتصادي، تجعل سعر تذكرة السينما لا يزداد بدرجة فارقة إلا مع كل عدة عقود. لذلك، مثلاً، ظلَّ فيلم Titanicـ هو الأعلى إيراداً في تاريخ السينما لـ12 عاماً. وحتَّى مرحلةٍ قريبةٍ، كان الوضع مُقارباً في مصر. إذْ لم تكن درجة التضخم وزيادة الأسعار، بما فيها تذكرة السينما، تحصلُ إلا بُمعدَّل منطقي، وظل "صعيدي في الجامعة الأميركية" هو الفيلم الأكثر إيراداً لمدة 13 عاماً كاملة منذ إنتاجه عام 1997، حتى كُسِر رقمه عام 2011 مع فيلم "إكس لارج" للممثل، أحمد حلمي.
هذا الثباتُ المنطقيُّ، انتهى تماماً في السنوات الأربع الأخيرة. فمع التغيُّرات الاقتصاديّة التي تمرُّ بها مصر، والزيادة المتكرّرة والمستمرّة في أسعار كل السلع، تتأثر السينما باعتبارها "سلعة تجارية" في النهاية، لتزداد قيمة التذكرة بدرجة وصلت إلى 20% و30% و40% خلال العام الأخير فقط. وفي هذه القائمة، نتناول الأفلام الـ5 الأكثر حصداً للعائدات، والتي اعتلاها في الأيام الأخيرة فيلم "هروب اضطراري" محققاً رقماً قياسياً للمرة الأولى.
"الفيل الأزرق" لمروان حامد عام 2014
بلغت إيراداته 31 مليونا و430 ألف جنيه مصري. كان النجاح الكبير الذي حققه هذا الفيلم، أقرب للحدث في عام صدوره، فهو ليس فيلماً كوميديّاً ولا "أكشن". مدته تتجاوز الساعتين ونصف. وتمَّ طرحه في "أقوى موسم في تاريخ السينما المصرية" على الإطلاق، إلى جانب أفلام "الجزيرة 2" و"الحرب العالمية الثالثة"، و"صنع في مصر". ولكن الشهرة الكبيرة لرواية الكاتب، أحمد مراد، إلى جانب السمعة الجيدة التي حققها الفيلم منذ الأيام الأولى لعرضه، والتي وصلت إلى تكوين حملات من المشاهدين للتصويت المكثف له على موقع IMDB باعتباره "إنتاجاً مصرياً صالحاً للتصدير العالمي"، جعلته يحقق هذا النجاح الاستثنائي غير المعتاد.
"جحيم في الهند" لمعتز التوني عام 2016
بلغت إيراداته 32 مليونا و183 ألف جنيه. قبل هذا الفيلم بعام واحد، اجتمع نفس فريق العمل في فيلم آخر هو "كابتن مصر"، والذي حقّق نجاحاً أكبر من المتوقع، اعتماداً على مجموعة الكوميديانات الذين شاركوا في بطولته، وكانوا قد حققوا قبلها شهرة كبيرة في "مسرح مصر"، وعلى رأسهم محمد سلام وحمدي الميرغني ومحمد أنور إلى جانب بيومي فؤاد، مع وجود محمد إمام (في محاولة للدفع به خلفاً لوالده عادل إمام). ومع خلوّ موسم عرضه من أي فيلم كوميدي آخر، والقبول الجماهيري الفطري لأغلب أبطاله، إلى جانب، ربما، الأجواء المثيرة لمغامرة مخابراتية في الهند يقوم بها مجموعة من الحمقى، كل ذلك أدى لعائدات أعلى حتى من المتوقع.
"الجزيرة 2" لشريف عرفة عام 2014
بلغت إيراداته 35 مليونا و132 ألف جنيه مصري، في صيف 2014 الذي جاء فيه موسم عيد الأضحى. كان من الملفت جداً أن تتصدَّر حينها 3 أفلام تعرض فيه قائمة "أعلى الأفلام إيراداً في تاريخ السينما المصرية"، حيث جاء "الحرب العالمية الثالثة" ثالثاً، و"الفيل الأزرق" ثانياً، و"الجزيرة 2" اعتلى القمة. وهو تتابع ظل صامداً لمدة عامين بإيرادات وصلت لـ100 مليون جنية بين الـ3 أفلام فقط، في أقوى موسم عرض في تاريخ مصر. ولم يكن نجاح "الجزيرة 2" بهذا الشكل مفاجئاً، فإلى جانب نجومية أحمد السقا، وتقاطع الفيلم مع أحداث مثيرة مثل ثورة يناير وهروب المساجين والإرهاب الديني، فإن شهرة الجزء الأول الذي عرض عام 2007 وحقق نجاحاً ضخماً تزايد مع عروضه التلفزيونية المتكررة، جعل هذا الفيلم وقت عرضه العمل الأكثر نجاحاً على مستوى الإيرادات.
"لف ودوران" لخالد مرعي عام 2016
بلغت إيراداته 43 مليونا و226 ألف جنيه. هناك حكاية لهذا الفيلم، إذْ بدأ تصويره قبل عيد الأضحى بعدة أسابيع فقط، بنية عرضه في مطلع 2017. ولكن مع سحب فيلم "جواب اعتقال" لمحمد رمضان (الذي كان قادماً بنجاحٍ تاريخي مع مسلسل الأسطورة قبلها بفترة قليلة)، قرَّر صناع الفيلم الانتهاء من التصوير والمونتاج في أسبوعين فقط واللحاق بالموسم، استغلالاً لخلوُّه من الأفلام الكبرى، والاكتفاء بمنافسة "كلب بلدي" و"حملة فريزر" للثلاثي "فهمي وشيكو وماجد" بعد انفصالهم. عرض الفيلم وبسب خلو الموسم من أي فيلم آخر كبير واشتياق الجمهور لنجمه أحمد حلمي، صار، في غفلة من الزمن، الفيلم الأكثير إيراداً، قبل أن ينتهي ذلك بعد أقل من عام.
"هروب اضطراري" لأحمد خالد موسى عام 2017
بلغت إيراداته 50 مليونا و420 ألف جنيه (حتى الآن). الفيلم من بطولة أحمد السقا، مع عددٍ ضخمٍ من الممثلين في الأدوار الرئيسية، وضيوف الشرف. سيارات يتم تكسيرها، وأحصنة تقفز من فوق الأسياج، وموتوسيكل يمر من تحت مقطورة. كل الجنون الجماهيري المطلوب، مع سعر تذكرة سينما وصل هذا العام (بعد تعويم الدولار وزيادة أسعار البنزين في مصر) إلى 70 جنيها في بعض القاعات. لتصبح النتيجة أول فيلم يتجاوز الـ50 مليوناً، ورغم كونه رقماً ضخماً، إلا أنه مخادع مع ذلك، وسيتم كسره على الأغلب في العام القادم، في عصر التضخم الاقتصادي والتذكرة التي قد تصل إلى 100 جنيه.