السيسي يناقض نفسه... هدد القرى بالجيش لمنع البناء واستباح أراضي الوراق لمشاريع استثمارية
وقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاح عدد من المشروعات بمحافظة الإسكندرية، ملوّحاً للمواطنين بإنزال الجيش إذا لزم الأمر إلى القرى للحفاظ على الرقعة الزراعية، من دون أن يلتفت للحظة واحدة إلى أنه هو نفسه من سمح بنزول قوات من الشرطة المصرية المدعومة بعناصر من الجيش عام 2017 إلى جزيرة الوراق، في محاولة لإرهاب الأهالي، وإخلاء الجزيرة التي تتميز بأجود الأراضي الزراعية التي تُروى بمياه النيل، لتحويلها إلى مجتمع عمراني استثماري لصالح شركات خليجية.
ففي السابع عشر من يوليو/ تموز2017، فوجئ سكان جزيرة الوراق بحملة أمنية مكبرة بعد محاصرة الجزيرة، بزعم إزالة المباني المخالفة، حيث وقعت اشتباكات مع الأهالي أسفرت عن مقتل أحد السكان ووقوع عشرات الإصابات بطلقات خرطوش، إذ كانت تلك المعركة هي بداية الحملة التي شنتها أجهزة السيسي لإخلاء الجزيرة.
وأكد السيسي، خلال كلمته السبت، أنه لن يسمح بالتعديات على الأراضي الزراعية، مؤكداً أنه إذا لزم الأمر سيوجه الجيش المصري للنزول وإبادة التعديات، مضيفاً بأنه لن يسمح أبداً بأن "نهد بلدنا ونضيعها، ولو الأمر لزم هخلي الجيش المصري ينزل كل قرى مصر وأنا بكلمكم علشان تبقوا عارفين" على حد تعبيره.
وتابع السيسي: "يا نوقف ونبقى دولة مظبوطة يا سيب مكاني وأمشي من هنا وأي حد تاني يتولى البلد دي يضيعها يخربها".
ووجّه السيسي بضرورة اتخاذ إجراءات بالتنسيق بين رئيس الوزراء وكل المحافظات على مستوى الجمهورية لإزالة التعديات على الأراضي.
حديث السيسي تجاهل تماماً ما تقوم به أجهزته في تحويل مئات الأفدنة التي تعد من أجود الأراضي الزراعية، إذ تتمتّع بري نيلي مباشر، في محافظة الجيزة، وبالتحديد في جزيرة الوراق التي تضم نحو 1400 فدان زراعي.
وتحت مزاعم التطوير، أخذت أجهزة السيسي في تغيير معالم الجزيرة التي أدخل قاطنوها زراعة البطاطس إلى محافظة الجيزة عام 1917، وإخلائها من السكان والزراعات لتحويلها إلى مشروعات سياحية وسكنية استثمارية.
ولم تكتفِ بذلك فقط، بل قام رئيس الحكومة السابق شريف إسماعيل في 2017 بإصدار قرار باستبعاد 17 جزيرة نيلية تضم الآلاف من أجود الأفدنة الزراعية، من بينها «الوراق»، من قائمة المحميات الطبيعية، تمهيداً لتحويل بعضها إلى مشاريع استثمارية.
قرار رئيس الوزراء السابق جاء بعد أيام من ضوء أخضر وإشارة من جانب السيسي في يونيو/ حزيران 2017، خلال أحد المؤتمرات، عندما قال إن "هناك جزر موجودة في النيل هذه الجزر طبقا للقانون المفروض مكنش يبقى حد موجود عليها، وبعدين ألاقي مثلا جزيرة موجودة في وسط النيل مساحتها أكتر من 1250 فدانا ومش هذكر اسمها، وابتدت العشوائيات تظهر جواها والناس تبني وضع يد"، ليأمر المسؤولين: "لو سمحتم، الجزر اللي موجودة دي تاخد أولوية في التعامل معها".
السيسي الذي أعطى إشارة البدء بالقضاء على أراضي الوراق الزراعية، هو نفسه الذي تحدث غاضبا السبت بلهجة حادة حول أهمية تلك الأراضي الزراعية قائلا "أنا مش عارف أعمل إيه.. إيه إللي إحنا فيه ده.. ده الأرض اللي بناكل منها.. إحنا بنعمل إسكان ليكو.. الدولة بمؤسساتها مسؤولة عن الحفاظ على الدولة المصرية" في إشارة إلى ظاهرة البناء على الأراضي الزراعية.
تجدر الإشارة إلى أنه في عهد حكومة الدكتور كمال الجنزوري إبان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك اعتبرت جزيرة الوراق إلى جانب 16 جزيرة أخرى محميات طبيعية وفق القرار رقم 1969 لسنة 1998، الذي على إثره خضعت الجزيرة لإدارة بيئية من خلال وضع وزارة البيئة وأجهزتها، بمعاونة الجهات المختصة، ضوابط وشروطا للأنشطة الواقعة عليها.
ووفقًا للإحصاءات الرسمية تبلغ المساحة الإجمالية للجزيرة نحو 1600 فدان، منها 48 فدانا لأملاك الدولة، وباقي أرض الجزيرة تعتبر ملكية خاصة لسكانها الذين يقدرون بـ55 ألف نسمة يقطنون 3 آلاف منزل تشغل مع المنشآت الخدمية بالجزيرة نحو 270 فداناً. باقي أرض الجزيرة هي مساحات زراعية من أجود أنواع الأراضي المنتجة للبطاطس في مصر، أما المنشآت الخدمية على أرض الجزيرة فهي تضم وحدة محلية تتبع مدينة الوراق، ووحدة صحية، ومدرستين ابتدائي وإعدادي، وجمعيتين زراعيتين، ووحدة للمصل واللقاح، ومكتب بريد، ومحطة لمياه الشرب، و2000 خط تليفون، ومركزاً للشباب، وجمعية لتنمية المجتمع، و11 مسجداً، وجمعية خدمات مسيحية، فضلاً عن خط أتوبيس نهري.
وفي مارس/ آذار عام 1988 خصص وزير الزراعة لوزارة الصحة 23 فداناً من أرض الجزيرة لإنشاء مركز استشفاء يتبع معهد ناصر، وبالفعل تم نقل ملكية الأرض لوزارة الصحة وسلمت لمعهد ناصر لبدء أعمال الإنشاء.