استغل النظام المصري، برئاسة عبد الفتاح السيسي، دعوات التظاهر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي تحت شعار "ثورة الغلابة"، والترويج لها والتخويف منها بشكل كبير، لتمرير بعض القرارات الاقتصادية الصعبة، مثل تحرير سعر صرف الجنيه، وزيادة أسعار الوقود. وحاول النظام، من خلال أجهزته اﻷمنية، التهويل بسبب تظاهرات 11 نوفمبر، واستغلالها أفضل استغلال لخدمة أهدافه، خصوصاً مع وجود استطلاعات من أجهزة سيادية بعدم وجود استجابة كبيرة للنزول إلى الشارع في هذا اليوم، رغم التعاطف الكبير معها، بسبب تردِّي اﻷوضاع المعيشية.
وقرر البنك المركزي المصري، تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، في خطوة تهدف إلى القضاء على السوق السوداء، وأعقبه قرار مماثل من وزارة البترول برفع أسعار الوقود، وكلها إجراءات تكبّد الشعب المصري أعباء إضافية. وحاولت الحكومة، برئاسة شريف إسماعيل، امتصاص الغضب الشعبي، من خلال مؤتمر صحفي حضره عدد من الوزراء، وأغلبهم من المجموعة الاقتصادية، للحديث حول إجراءات الحكومة لحماية محدودي الدخل جراء القرارات الاقتصادية الصعبة، بحسب تعبيرهم. ويرى مراقبون، أنه سيترتب على القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة زيادة في أسعار أغلب السلع، مع انخفاض قيمة الجنيه، فضلاً عن ارتفاع سعر الوقود، ما سيراكم الغضب الشعبي، وهو ما يوشك أن ينفجر في وجه النظام الحالي.
وقالت مصادر برلمانية مقربة من دوائر اتخاذ القرار، إن الاتجاه إلى رفع أسعار الوقود، عقب قرار تحرير سعر صرف الجنيه، يأتي لخفض حجم الخسائر بالنسبة إلى الموازنة العامة للدولة. وأضافت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن هذه القرارات الاقتصادية الصعبة جاءت مدروسة بعناية لناحية توقيتها، رغم دعوات إلى التظاهر في 11 نوفمبر، وتزايد حالة الغضب في الشارع المصري. وأوضحت أنه وفقاً لاستطلاعات خاصة بأجهزة سيادية في الدولة، فإنه على الرغم من تصاعد حالة الغضب بشكل كبير خلال الفترة الماضية بسبب تردي اﻷوضاع المعيشية، إلا أن قطاعاً كبيراً من الشعب لم يتخذ قراراً بالمشاركة في التظاهرات المرتقبة. وتابعت أن الاتجاه الغالب كان استغلال حالة الغضب ومعرفة عدم نزول قطاعات كبيرة من الشعب والاستجابة لدعوات التظاهر، في اتخاذ عدد من القرارات الاقتصادية الصعبة، معبّرة عن ذلك بقولها "علشان (من أجل أن) يكون الموضوع مرة واحدة". ولفتت إلى أنه لم يتم اتخاذ كل هذه القرارات بشكل اعتباطي مطلقاً، حيث شاركت في وضع خطة التعامل مع ملف تعويم الجنيه، كل أجهزة الدولة المعنية، خصوصاً السيادية، التي كان لها دور بارز في هذا الصدد.
وأكدت المصادر ذاتها، ما نشرته "العربي الجديد" الشهر الماضي، عن وجود قرار برفع أسعار البترول منذ فترة، لكن كانت هناك رغبة في انتظار التوقيت المناسب، مشيرة إلى وجود قرارات أخرى يمكن أن تتخذ في إطار رفع الدعم عن البنزين خلال الفترة المقبلة، منها الفشل في تأمين حصة مصر من الوقود. وشددت على أن الحكومة ترى أنه لا سبيل للانطلاق اقتصادياً إلا بهذه القرارات، في حين أنها تضر بشكل كبير للغاية بالطبقات الكادحة التي يمكن أن تقضي عليها تماماً، فضلاً عن تأثر الطبقة المتوسطة، كما أنها تهدد وجودها في اﻷساس. وعلمت "العربي الجديد"، أن جهاز الاستخبارات العامة لعب دوراً كبيراً في عملية تعويم الجنيه، من خلال تشكيل غرفة عمليات لا تزال تعمل حالياً، برئاسة رئيس الجهاز، اللواء خالد فوزي. وبحسب المصادر فإن فوزي يتواجد في مقر الجهاز منذ الصباح الباكر وحتى وقت متأخر في المساء، لمتابعة عملية تعويم الجنيه وإدارة العملية وضبط اﻷوضاع، فضلاً عن متابعة الاستعدادات لمواجهة تظاهرة 11 نوفمبر، رغم رصد عدم وجود استجابة كبيرة في النزول إلى الشارع، رغم التعاطف معها، بفعل اﻷوضاع المعيشية السيئة. وكشفت عن اتصالات واجتماعات مع رجال أعمال نافذين، تحديداً العاملين في مجال الصرافة، ورؤساء بعض البنوك، لبحث عملية كيفية إدارة ملف التعويم، فضلاً عن ضبط اﻷسواق لتوفير العملية الصعبة.
وقال الخبير السياسي، محمد عز، إنه سيترتب على القرارات الاقتصادية اﻷخيرة زيادة في أسعار أغلب السلع، إن لم يكن جميعها، وهذا سيترتب عليه تزايد الغضب الشعبي. وأضاف عز، لـ"العربي الجديد"، إن الغضب الشعبي ليس معناه الترجمة الآنية في رد فعل على أرض الواقع، ولكن قد يمتد اﻷمر إلى عدة أشهر أو سنوات، لكن السرعة الكبيرة لدى النظام الحالي في اتخاذ إجراءات تضر كل الفئات، ستعجّل في الانفجار. وأشار إلى أنه لا يتوقع مشاركة واسعة في تظاهرات 11 نوفمبر، لكنها مقدمة لدعوات أخرى في الفترة المقبلة، وخصوصاً أن الشعب المصري يميل حالياً إلى انتظار ما تسفر عنه سياسات النظام الحالي، ولكن ليس معنى ذلك أنه راضٍ. وأشار إلى أن استمرار الوضع الصعب الحالي والغلاء، يمكن أن يكون أول نواة فعلية ضد النظام الحالي في 25 يناير/كانون الثاني المقبل، باعتبارها ذكرى الثورة.
من جانبه، قال الكاتب الصحفي، هاني شكر الله، "ما يحيرني هو الرؤية السياسية/الأمنية أو لعلها الأمنية/السياسية، وراء حزمة اﻹجراءات اﻷخيرة، بما تنطوي عليه من تخلٍّ يكاد يكون كاملاً عن التدرجية وتمهيد التربة وأسلوب بص العصفورة"، في إشارة إلى نظرية تقوم على أسلوب الإلهاء أو التشويش وصرف الانتباه بالتركيز على موضوع مختلف عن الموضوع الذي يراد التعتيم عليه بهدف تضليل الرأي العام. وأضاف شكر الله، في رؤيته التي طرحها على صفحته على موقع "فيسبوك" للتعامل الحكومي مع القرارات اﻷخيرة، "الظهر للحائط ولا بد مما ليس منه بد، والوضع النهار ده أفضل مما سيكون عليه بكرة (غداً) في الشارع وفي الكتلة الحرجة، وعليه خلّص في أسرع وقت، فتوجه الصدمة بكامل قوتها مرة واحدة وتأمل في ما توفره المدفعية الإعلامية والأمنية من تغطية لتمريرها وتغامر بقدرتك على التعامل مع رد الفعل". وتابع "أما الخطة فهي وجّه الصدمة مبكراً لتستعجل رد الفعل واحتمالات الانفجار، بمنطق أن انفجار اليوم أسهل ضربه من انفجار الغد، ومذبحة اليوم تستبق وتقطع الطريق على صدام غير مأمون العواقب في الغد، أي أنها تتعلق بيقين عند أولي الأمر بأن الانفجار آتٍ في كل الأحوال، وفي استعجاله درء لاحتمالاته المستقبلية"؟ واستطرد "أم هو غرور الإلهام ووهْم الشعبية الطاغية وآثار تطبيل المطبلين وتزمير المزمرين وعجرفة العقلية الأمنية، في ظل غياب شبه تام لكادر سياسي محنك في الجماعة الحاكمة"؟