السيسي لديه "ال" برنامج

11 يونيو 2014
+ الخط -
افتتح عهد عبد الفتاح السيسي الفعليّ في مصر في اليوم الذي أعلن فيه باسم يوسف، المقدّم الساخر الأشهر في مصر والعالم العربي عن توقّف برنامجه. كان إعلانه ممهداً ضرورياً لخطاب الفوز الذي كان من المفترض أن يُلقيه السيسي نهار الثلاثاء. كان متوقعاً للبرنامج هذه النهاية البائسة، خصوصاً بعد توقفه المريب أثناء الانتخابات المصرية، في وقت كانت فيه الأوضاع المصرية أحوج إلى هذا الصوت المختلف، لما وفرته السياسة والإعلام من مادة قيمة للبرنامج في أثناء الانتخابات.
طالما كانت السخرية تمثل الغريم الأساسي للحكم، في أي دولة ديمقراطية، فكيف بمصر الدولة العالمثالثية التي ترزح تحت ديكتاتورية العسكر التي لم تعد تخجل بالتعبير الفج عن سطوتها وسلطتها مباشرة، بعد إجبار حسني مبارك على التنحي وعزل محمد مرسي.
العداوة بين السخرية والعسكر تبدو أشد وطأة، ووقعها فتاك، كون العسكر يمثل كل جدية وصلابة وحزم، في وقت تعمل فيه البرامج الساخرة على تحويل هذه القيم إلى مادة للضحك، ما يبرز سطحية خطاب العسكر وخواء مضمونه، مما يدفع إلى الصدام المحتوم.
لم تكن إزاحة مرسي عن الحكم كافية لإعادة النظام القديم إلى موقعه القيادي، غير أن الأمر تطلّب زجَّ كامل جماعة الإخوان المسلمين بالسجن، وقمع مؤيديها على الأرض، وكانت ذروة هذا القمع مجزرة ميدان رابعة العدوية. غادر محمد البرادعي مصر، وبقيت معارضات كرتونية، مثل حمدين صباحي الذي لم يعارض منهج الفلول الاستبدادي، بل اعتبرهم منافسين سياسيين عاديين، في واقع سياسي طبيعي.
وبعد إفراغ الساحة السياسية من أي تيار سياسي وازن، انتقل العسكر إلى اعتقال الناشطين اليساريين والحقوقيين، أمثال ماهينور المصري، فحصلت مصر على ميدانٍ خالٍ من أي حراك فاعل، أو نشاط مؤثر. وبهذا، بقي الإعلام حاجزاً من أجل إتمام السيطرة على الفضاء العام الذي انفلت بعد 25 يناير 2011.
لم يكن البرنامج حزباً سياسياً، ولم يحمل برنامجاً إصلاحياً أو تغييرياً، وهو لم يدّع ذلك أصلاً، إلا أنه كان يفكك الخطاب السياسي والإعلامي الذي يلعب دور الصانع "المحرض" للرأي العام في مصر. من هنا، يبدو منعه تتويجاً لعودة النظام القديم، وللمفارقة، بقبول شعبي، وفي بعض الأحيان بدعم شعبي. ليس الهدف من منع البرنامج الشهير كمّ الأفواه، فالعسكرتايا المحدثة أذكى من ذلك بقليل، ولم يكن هدف الحكم المستنسخ منع كل اختلاف على طريقة ديكتاتوريات الخمسينيات العربية، وصبغ المجتمع بلون وخطاب سلطوي واحد، فهذه الأساليب يعلم العسكر، قبل غيرهم، تردّداتها السلبية على الحكم، وقلة فاعليتها على الأرض، وتحريضها على الاعتراض.
كان أكثر ما يؤرق العسكر المنغمس بالسياسة جماهيرية البرنامج، والذي يحوز مليوني مشاهَدَة على موقع "يوتيوب" في أقل من خمسة أيام أسبوعياً، ويعتبر منافساً حقيقياً ووحيداً لرئيس يحصل على 96،9٪ من الأصوات في الانتخابات الرئاسية. فيكف يتقاسم الرئيس صاحب الأغلبية شبه المطلقة هذه الشعبية مع برنامج تلفزيوني ساخر! وقد يحصل البرنامج على مشاهدات تفوق التي حصل عليها "معبود الجماهير"، في انتخابات جهّز لها على مدى أشهر، وترتكز استراتيجية البرنامج على خلخلة صورة الأب، وفضح سوقية الإعلام الممجد له، أي على معاداته مباشرة.
علاوة على ذلك، شكل البرنامج، عبر هذه الشعبية بالذات، بوصلة للخارج، لمعرفة الاتجاه السياسي للبلد، وشهرة عالمية حجمت إلصاق اسم الرئيس بمصر، على غرار "مصر مبارك" فالبرنامج ربط اسمه بمصر خارجياً.
استبق السيسي دخوله قصر الرئاسة بكثير من ضعف الحسّ الديموقراطي، وبالطابع العسكري لتفكيره، ما يجعل الخوف منه مضاعفاً. فالتثبيت السلبي للحكم عبر المنع والإقصاء لن يطول، وصدر المصريين لم يعد رحباً، خصوصاً لمن يمنع عنهم البسمة والسخرية من أوضاعهم.
 
C7F22493-3777-4EB1-AB38-543B3CBD88E9
C7F22493-3777-4EB1-AB38-543B3CBD88E9
وسام عبيد (لبنان)
وسام عبيد (لبنان)