اقرأ أيضاً: زيارة السيسي إلى روسيا: رسائل إقليمية ودولية
يروج السيسي في الداخل المصري لهذه الزيارة باعتبارها نقطة محورية في علاقة نظامه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خصوصاً في مجال تنفيذ وعود المساعدات التنموية التي وجهتها روسيا إلى مصر بعد الانقلاب، وما تزال بطيئة حتى اﻵن، واقتصرت على بعض "الهدايا" العسكرية المحدودة وقطع الغيار للأسلحة الروسية القديمة المعدلة بواسطة الجيش المصري.
ورغم بدء تفاوض الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الكهرباء مع عدد من الشركات الروسية المتخصصة في إنتاج الطاقة النووية منذ نحو عام لإسناد إنشاء وتشغيل أول مفاعل نووي مصري في منطقة الضبعة، فإن الخطوات في هذا المجال لا تزال أيضاً بطيئة.
ترجح مصادر حكومية لـ"العربي الجديد" أن تشهد زيارة السيسي التوقيع باﻷحرف اﻷولى على بروتوكول تعاون مع إحدى الشركات الروسية لإنشاء المفاعل، لكن بعض البنود في هذا الملف لم تحسم رسمياً حتى اﻵن، بسبب خلافات حول مدة إدارة وتشغيل الشركة الروسية للمفاعل.
وأكّدت المصادر التي فضلت عدم نشر اسمها، أنّ هناك شركتين صينيتين تقدّمتا بعروض ﻹنشاء المفاعل، غير أنّ السيسي شخصياً يفضل الخبرة الروسية، على الرغم من أنّ العرضين الصينيين يضمنان سرعة التنفيذ والبدء فوراً في المشروع.
اقرأ أيضاً: العلاقة المصرية الروسية: عسكر واستخبارات وعبد الناصر
يُستبعد أن يحسم السيسي هذا الملف بصورة نهائية خلال زيارته لروسيا، وأن ينتظر زيارته التالية اﻷسبوع المقبل إلى الصين وسنغافورة وإندونيسيا للاطلاع على عروض أخرى للمحطة التي تعلق عليها مصر أملاً كبيراً لحل مشكلة الكهرباء وزيادة إنتاج الطاقة للاستهلاكين، المنزلي، والصناعي.
ويصحب السيسي معه عدداً من وزراء المجموعة اﻻقتصادية على أمل الترويج لمناخ اﻻستثمار في مصر، كما حصل أثناء زيارته الماضية إلى ألمانيا، والتي أبرمت قبلها مباشرة وبعدها عقود مع نحو 20 شركة ألمانية متوسطة وصغيرة، تمكنها من إنشاء شركات في مصر لإنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو المجال الذي أصدر السيسي قانونين بشأنه خلال العام الجاري لفتح الباب أمام مشاركة القطاع الخاص فيه ﻷول مرة في تاريخ مصر، وهو ما ينعكس بالضرورة برفع سعر الكهرباء والطاقة على المنازل رغم زيادة اﻹنتاجية، نظراً لدخول المستثمر الراغب في تحقيق المكاسب كطرف في علاقة الدولة مع المواطن التي ظلت ثنائية فقط في إنتاجية الطاقة وتوزيعها منذ إنشاء مرفق الكهرباء.
وعلى الصعيد العسكري، يتوقع أن يطالب السيسي بوتين بإبرام عقود لتوريد أسلحة دفاع جوي ومدرعات حديثة للجيش المصري، بحسب مصادر مطلعة، خصوصاً أن السيسي يحاول تنويع مصادر التسليح تحسباً ﻷي مشاكل جديدة تعكر صفو العلاقة الحالية مع واشنطن.
سورية والسيناريوهات الثلاثة
في المقابل، تتوقع المصادر أن يكون الوضع في سورية هو الملف اﻷبرز على مائدة بوتين والسيسي، خصوصاً في ظل المفاوضات الجارية بين السعودية وروسيا حول الحل في سورية، والذي يتخذ أكثر من سيناريو لم يحسم حتى اﻵن.
السيناريو اﻷول الذي ترغب فيه موسكو هو تأجيل حسم الصراع بين نظام بشار اﻷسد، والمعارضة وتوجيه فوهات المدافع من جميع دول المنطقة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أوﻻً، وهو ما روج له وزير الخارجية الروسي سيرغي ﻻفروف ﻷول مرة في يونيو/ حزيران الماضي. وتتردد معلومات عن عدم رفض الوﻻيات المتحدة لهذا السيناريو، وقبوله من قبل السعودية وتأييده بشدة من قبل مصر، التي تبحث عن دور عسكري بارز لها في المنطقة خلال الفترة الحالية كقائدة مفترضة للقوات العربية المشتركة التي تروج لها عربياً بمساعدة اﻹمارات.
أما السيناريو الثاني الذي لم تعلنه أي دولة حتى اﻵن، ويقف عند حدود التداول اﻹعلامي الغربي، فهو تقسيم سورية بين النفوذ الخليجي وتركيا ونفوذ إيران، وتنازل كل طرف عن بعض أهدافه اﻹقليمية، وهو السيناريو الذي ترفضه مصر تماماً، وتفضل عليه تقديم دعم غير محدود لبشار اﻷسد.
والسيناريو الثالث هو إعطاء فرصة أخرى لمائدة المفاوضات في مؤتمر جنيف الثالث الذي بدأت روسيا التحضير له على عدة أسس من بينها اجتماعات الفرقاء السوريين في القاهرة، على أن يتمحور اللقاء في جزء منه على توحيد الجهود ضد "داعش".
وتتفق آراء السيسي وبوتين على ضرورة المواجهة العسكرية لـ"داعش" في العراق وسورية وليبيا، وعلى أن ظهور "داعش" كان جزءاً من تخطيط فوضوي للمنطقة بدأت بثورات الربيع العربي. وهذا اﻻتفاق الفكري بين الطرفين من اﻷسباب الرئيسية للتقارب بين القاهرة وموسكو حالياً، والتي يظل السيسي مستنداً إليها في التعويل على بوتين لمساعدته اقتصادياً وعسكرياً، وإن كان البطء هو سمة الخطوات الروسية الرامية لكسب موطئ قدم جديد لها في الشرق اﻷوسط.
اقرأ أيضاً: بوتين في القاهرة.. رسائل إلى الرياض وطهران وأنقرة