يتوجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى روسيا اليوم الإثنين، في الزيارة الرسمية الرابعة له، والأولى منذ 2015، حيث يستهل الزيارة بلقاءات مع عدد من المسؤولين الروس في مجالات الصناعة والزراعة ومكافحة الإرهاب، على أن يلتقي الأربعاء بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي السياحية، حيث يعقدان مباحثات موسعة وأخرى ثنائية.
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن الملف الأبرز الذي ستناقشه المحادثات هو مستقبل الطيران والسياحة بين البلدين، بسبب تأخر روسيا في استئناف رحلاتها الجوية إلى مطاري شرم الشيخ والغردقة، الأكثر حيوية بالنسبة للسائح الروسي وللاقتصاد المصري، حيث سيحاول السيسي انتزاع قرار من بوتين بتحديد موعد نهائي لاستئناف الرحلات المباشرة للمطارات الإقليمية المصرية، وذلك من خلال إطلاعه على آخر المستجدات التي أدخلت على نظم إدارة المطارات المصرية. وأضافت المصادر أن السيسي سيتقدم بتقرير إلى بوتين يفيد بأنه تم الالتزام بزيادة نقاط التفتيش في المطارات المحلية وأن الحكومة اشترت أجهزة تفتيش حديثة، وبصمة حيوية، وتم تزويد جميع نقاط المطار بكاميرات تصوير تمتد سعتها التخزينية إلى أكثر من شهر، كما تم تخصيص مكان بالقرب من كل مطار لإقامة خبراء الأمن الروس.
وما زالت سلطات الطيران الروسي ترى أن على مصر الانتظار حتى الربيع المقبل للبت في هذه المسألة، وأن أوضاع المطارات الإقليمية يجب أن تخضع لعملية تطوير مشتركة بين الدولتين، إذ تعرض روسيا على مصر أن تبيع لها بعض الأنظمة الأمنية الحديثة وتشارك في تدريبات مكثفة لرجال الشرطة، لكن القاهرة لم تبت في الأمر حتى الآن، وترى أن موسكو كانت تتذرع بمبررات ومشاكل تم حلها واستيفاء سبل تلافيها جميعاً. ورغم أن شركة "إيروفلوت" الروسية الحكومية استأنفت رحلاتها من موسكو للقاهرة وبالعكس في إبريل/نيسان الماضي، بناء على بروتوكول استئناف الرحلات وتأمين المطارات الذي وقعه البلدان، إلا أن الموعد المبدئي لعودة الطيران لمدن البحر الأحمر والأقصر كان أغسطس/آب الماضي، ومر شهران دون أن يستمع المصريون لأي جديد من الحكومة الروسية حول هذه المسألة. وذلك رغم أن البروتوكول والوثائق التكميلية التي وقعت بداية العام الحالي اعتمدت حلاً وسطاً بين الدولتين حول سلطات واختصاصات الخبراء الأمنيين الروس، إذ كانت موسكو ترغب في ألا يختصوا فقط بالتفتيش على الإجراءات الأمنية الخاصة بالرحلات الروسية بل تمتد سلطاتهم للرقابة على الإجراءات الأمنية الخاصة بباقي الرحلات. وفي النهاية اتفق الطرفان على أن تكون للمراقبين الروس سلطة مراقبة على الرحلات من وإلى روسيا فقط.
وفي مقال كتبه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لصحيفة "الأهرام" المصرية الصادرة أمس الأحد، لم يعِد بأي شيء إزاء هذا الملف. لكنه كتب أنه "يجب على البلدين الاستمرار في شراكة دعم أمن مواطني البلدين بما في ذلك على متن الطائرات". وأوضحت المصادر الدبلوماسية أن مصر أرسلت إلى موسكو أخيراً تقريراً مدعوماً بصور ومقاطع فيديو لإثبات تغلبها على مشاكل أثارتها جولات التفتيش السابقة، مثل ضعف تأمين مسارات الركاب خارج صالة الوزن والتسجيل، والسماح بدخول أشخاص مجهولي الهوية لصالة الحقائب دون التأكد من هويتهم، وعدم تأمين مخازن الحقائب بأجهزة البصمة البيومترية، فضلاً عن عدم تعميم التعامل بتلك الأجهزة في جميع المطارات المطلوب تغطيتها لضمان هوية الأشخاص العاملين والمسموح لهم بدخول المناطق الحساسة. وتحاول القاهرة الضغط لتحقيق مكسب في هذا الملف من خلال ملفات أخرى سيطرحها السيسي على بوتين أيضاً، مثل المضي قدماً في إنشاء المنطقة الصناعية الروسية بمنطقة قناة السويس الاقتصادية، وهو المشروع الذي تم الاتفاق عليه مطلع العام الحالي ولم يشهد أي خطوات تنفيذية. إذ من المتوقع أن تجبر إجراءات إنشاء المدينة الجانب الروسي على التعامل بإيجابية مع ضرورة زيادة عدد الرحلات ورفع الحظر عن المطارات المحلية، فضلاً عن استئناف التفاوض على إرسال مبعوثين من الشرطة المصرية لتلقي تدريبات أمنية في موسكو. وبحسب المصادر الدبلوماسية، فهناك أفكار ستطرح في قمة سوتشي لتوسيع المنطقة الصناعية المزمع إقامتها لتشمل أراضي زراعية لإنتاج أصناف معينة من الفواكه والقمح.
أما على الصعيد الإقليمي، فستتواصل المباحثات بين البلدين بشأن دعم نظام بشار الأسد في سورية وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا، والنتائج المنتظرة من مؤتمر باليرمو بشأن ليبيا وحجم التمثيل الروسي فيه. وكانت مصادر حكومية قد ذكرت، لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق أن السياحة في مدن البحر الأحمر تعتمد بنسبة 92 في المائة على الطيران المباشر، وليس الطيران الداخلي القادم من القاهرة، فضلاً عن أن إجبار السائحين الروس على استخدام الطيران الداخلي من القاهرة إلى أي مدينة أخرى للوصول إلى محل إقامتهم، يؤثر سلباً بنسبة تصل إلى 70 في المائة على إقبال الروس على الحجوزات الفندقية. علماً بأن السائحين الروس ما زالوا يمثلون نحو 40 في المائة من إشغال الفنادق في مدن البحر الأحمر، ما يعني أن استمرار الوضع الحالي يحرم مصر من فرص كبيرة في زيادة عوائدها السياحية.
ولم تقر روسيا حتى الآن بسلامة الإجراءات الأمنية في المطارات المحلية، وآخر جولة تفتيشية تمت في يونيو/حزيران الماضي، الأمر الذي يشي بإمكانية استمرار الوضع كما هو حتى نهاية العام الحالي على الأقل، وهذا يثير مخاوف مصرية من إصرار روسي محتمل على إبرام بروتوكول أو وثائق تكميلية جديدة خاصة بالمطارات المحلية وحدها، تأثراً بكارثة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء في 2015، والتي لم ينته التحقيق فيها حتى الآن بسبب تخوف مصر من فرض تعويضات عليها. وكان الطرفان قد حسما القضايا الأخرى التي كانت عالقة قبل قبول مصر وجود خبراء روس في مطاراتها للتفتيش على الإجراءات الأمنية. وتم التوافق على أن تكون للمراقبين الروس سلطة وقف أو إرجاء الرحلات الخاصة بالطيران الروسي فقط، وكذلك سلطة مراقبة كاملة للرحلات المصرية المتوجهة إلى موسكو. وكذلك تم الاتفاق على حضور وفود التفتيش التي ستكون لها صلاحية مراقبة السلطات المصرية والخبراء الروس على حد سواء، مرة على الأقل كل ثلاثة أشهر، مع أحقية روسيا في إرسال وفود تفتيش مفاجئة على متن رحلاتها. وفي مايو/أيار الماضي، تناولت الاجتماعات بين وزراء الدفاع والخارجية في البلدين في موسكو استئناف الرحلات المباشرة بين مصر وروسيا، والتغلب على المشاكل التي شابت التنسيق في هذا الملف خلال الفترة الماضية، مثل تعثر التعاون المعلوماتي بين سلطتي الملاحة الجوية في البلدين حول واقعة سقوط الطائرة الروسية في 2015، إذ ما زالت موسكو تطالب باعتراف القاهرة بالتقصير الأمني وتقديم مسؤولين مباشرين عن هذا التقصير، وما زال لديها شكوك في تورط مسؤول مصري واحد على الأقل في تسهيل عملية زراعة العبوة الناسفة على متن الطائرة الروسية. وفي الحالتين، سواء كانت المسؤولية تقصيرية أو جنائية، فتأكيد ذلك بتحقيقات قضائية مشتركة سيرتب على مصر دفع تعويضات ضخمة للضحايا الروس.