السيدة أميركا: نسويات الموجة الثانية في مواجهة امرأة

02 يوليو 2020
يعرض المسلسل بروز شلافلي إلى الأضواء مع تحركها ضد الحراك النسوي (FX)
+ الخط -

في خضم الموجة الرابعة من الحراك النسوي الحالي لتمكين المرأة، يأتي مسلسل Mrs. America ليسلط الضوء على الموجة الثانية من هذا الحراك خلال فترة السبعينيات. ضمن الصراعات السياسية القائمة على التعديلات الدستورية المتعلقة بحقوق المرأة، يقدم المسلسل مراجعة نسوية للحراك من خلال عيون الناشطة السياسية فيليس شلافلي (كيت بلانشيت)، المؤسّسة لمنتدى إيغل، والتي تُعتبر من المؤسسين لحركة المحافظين الأميركية الحديثة. كانت شلافلي تروّج للقيم الأسرية التقليدية وتقف ضد النسويات اللواتي يعملن لتحقيق المساواة في الحقوق بين الجنسين. في محاولة للابتعاد عن التلقين والجمود، يقدم المسلسل الشخصيات التاريخية في صورة درامية متخيلة ضمن الإطار التاريخي الواقعي للأحداث. يقسم المسلسل إلى تسع حلقات، تدور كل واحدة منها حول قصة تربط إحدى نسويات الموجة الثانية، مثل غلوريا ستاينم (روز بيرن)، شيرلي تشيشولم (أوزو أدوبا)، بيتي فريدان (تريسي أولمان)، بيلا أبزوغ (مارغو مارتينديل)، وغيرهن من الناشطات في صراعهن مع فيليس شلافلي. يعرض المسلسل بروز شلافلي إلى الأضواء مع تحركها ضد الحراك النسوي الذي يهدف إلى إعطاء المرأة حرية الخيار في ما يتعلق بجسدها، ويدعم حرية الاختيار الجنسية، ويمنح المرأة المساواة القانونية في العمل.

عملت شلافلي في بدايتها على دعم سيناتور ولاية أريزونا باري غولدوتر، الذي يعتبر من المحافظين المتشددين من خلال إصدار كتابها "خيار وليس صدى" A Choice Not an Echo. وقد شاركت شلافلي في تأليف كتاب عن الدفاع الوطني، وانتقدت اتفاقيات الحد من التسلح مع الاتحاد السوفييتي. من اللافت للانتباه أن المسلسل عمد إلى إحياء شخصية متزمتة عملت ضد حقوق المرأة، تعكس هذه المسألة ما نعاصره اليوم من تصويت نسبة 53% من السيدات البيضاوات في أميركا لدونالد ترامب ودعمه.

في هذه الاستعادة، مراجعة للعقلية المحافظة التي تستمر بدعم قوانين تعيق تقدم المرأة والأقليات. ترى دافي والر، القيمة على مشروع Hulu and FX drama، أن خيارها لتقديم دراما تتمحور حول السيدة شلافلي جاء من رغبتها بفهم الأنماط المتعاقبة في عملية تطور المجتمع، ومن اهتمامها بقراءة موضوعة الأخوية sisterhood، التي عملت لتحقيقها نسويات الموجة الثانية، وإن كانت هذه القضية تتجاوز القبلية والجنسانية والروابط الأخرى. تظهر السيدة شلافلي كامرأة طموحة تسعى إلى تحقيق أحلامها بأي ثمن. فنراها تقرأ وتكتب وتشارك في مؤتمرات مسافرة حول الولايات المتحدة. ففي حين يبرز دفاعها المستميت ضد المساواة بين الجنسين، يظهر التناقض بين ما تدعو إليه وبين ما تقوم به. بينما توجه شكرًا لزوجها في كل ظهور لها في العلن لسماحه لها بالقدوم والمشاركة، يتبدى للمتابع أن دورها السياسي ونشاطها قد ساهم بتهميش زوجها. وعلى عكس مطالبتها بعدم عمل المرأة وتأكيدها على دور المرأة كربة عائلة، نراها كسيدة قوية تعمل لتحقيق سطوتها باسم تمثيل ربات المنازل في مجتمع ذكوري يسعى لتهميشها. وفي سعيها للسلطة والقوة، تستغل نساء أخريات يعملن لرعاية أطفالها، كخادمتها السوداء وأخت زوجها غير المتزوجة، من دون أدنى اعتراف منها بدورهن. وضمن النساء اللواتي يدعمنها باميلا (كايلي كارتر)، وهي ربة منزل غير عاملة، تتبدى عدم قدرتها على تقرير مصيرها، حيث تعتمد على ما يقدمه زوجها لتأمين دخلها، فلا إرادة لها على جسدها، حيث تستمر بالإنجاب تبعاً لرغبته وتعجز عن السفر عندما يمنعها من ذلك. باميلا هي نموذج من السيدات المحافظات اللواتي يدعمن شلافلي، رغم أن ذلك يساهم بقمعهن لعدم امتلاكهن الوعي الكافي والوظيفة التي تسمح لهن بتحقيق ذواتهن المستقلة. ومن سخرية القدر، فإن ابن السيدة التي وقفت ضد حقوق المثليين وكانت ترفع شعارات تجرّمهم، كان مثلي الجنس. المسلسل يعكس علاقة السيدة شلافلي بابنها، التي تقوم على منعه من التعبير عن ميوله الجنسية وكبت رغباته. يقدم مسلسل Mrs. America مناظرات ساخنة بين السيدة شلافلي ونسويات، مثل بيتي فريدان، التي اتهمتها بالنفاق لكونها تدعو لقيم تقف على نقيضها.

في تلك المناظرة، تخرج فريدان عن طورها بسبب اتهام شلافلي لها بأن النسويات هن نساء تعيسات يناقشن فشلهن على الملأ وتصرخ فيها: "أيتها الساحرة أود حرقك". كما تقوم بدعوتها بالعمة توم، في مجاز يستخدم ضد النساء الخانعات لإرادة السيد المسيطر. ومن الأجزاء المهمة في المسلسل الحلقة الثامنة بعنوان هيوستن، حيث يعقد مؤتمر المرأة الوطني في 1977، والذي كان حدثاً مهماً لدعم المساواة بين الرجال والنساء.

اجتمعت في هذا الحدث ما يصل لـ20000 سيدة من الناشطات في حقوق المرأة، وتظهر حماسة وتألق النسويات في هذا الحدث الذي عملن لسنوات لتحقيقه. في ذلك المؤتمر، يظهر التحول الذي يحمل إحدى مناصرات شلافلي، وهي أليس ماكري، في نهاية المسلسل، للحصول على وظيفة لتحقيق استقلالها. فبعد أن كانت ماكري عضوا في حركة إيغل التي تدعو إلى اعتبار عمل المرأة كربة منزل من أهم إنجازاتها، أخذت بتكوين وعي دفعها في الاتجاه المعاكس لتدرك أهمية استقلال المرأة المادي لتحقيق ذاتها. شخصية ماكري هي التجلي الذي يتحدى أفكار الحزب المحافظ التي تقف في وجه تحقيق النساء لذواتهن. يعطي مسلسل Mrs. America صورة متألقة لعمل نسويات الموجة الثانية اللواتي ساهمن بدفع عجلة التطور والتقدم، ويقدم للمشاهد مساحة لمساءلة الماضي ومراجعة لحظة من أكثر لحظات النسوية دفقاً وتوقداً.

المساهمون