فرض الواقع السياسي والاقتصادي نفسه على احتفال المصريين بيوم "شم النسيم" في ظل الانقلاب العسكري الذي أطاح أول رئيس منتحب للبلاد في 3 يوليو/تموز الماضي الذي صاحبته احتجاجات وتدابير أمنية مشددة وغلاء أسعار غالبية السلع الغذائية، ما انعكس على الاحتفال السنوي في العديد من المحافظات.
ورغم حالة الطوارئ وتشكيل غرف عمليات خاصة في غالبية المحافظات المصرية لمتابعة الحالة الصحية والأمنية والأسواق، إلا أن مظاهر الاحتفال التي اعتاد عليها كثير من المصريين بالإقبال على شراء أكلة الفسيخ والرنجة وغيرها من الأكلات الشعبية اختفت تقريباً.
واشتكى عدد كبير من الأهالي وأصحاب المحال من استمرار حالة الركود في البيع والشراء بسبب سخونة الأحداث السياسية وارتفاع الأسعار الذي لم تنج منه أسواق الأسماك المدخنة والحية، ما أثار شكوى بعض المواطنين من ضعف الرقابة على الأسواق.
ويحرص المصريون على الاحتفال سنوياً بيوم "شم النسيم" الذي يعتبر إجازة رسمية في البلاد بتناول الفسيخ الشعبية والرنجة سواء في المنازل أو المتنزهات.
ودعا عدد من الحملات الشبابية والنسائية المهتمة بقضايا المرأة والدفاع عنها إلى التنسيق والتجهيز لحملة لمحاربة التحرش خلال الاحتفال وسط دعوات إلى االمقاطعة من قبل أنصار الدعوة السلفية.
وأكدت حملات "امسك تحرش" و"شفت تحرش" و"اتحرش بالمتحرشين" في بيان مشترك، نزولها إلى شوارع وميادين مدينة الإسكندرية، في احتفالات شم النسيم لمنع التعرض للفتيات بالتحرش في الشوارع.
وشددت الحركات في بيان لها بعنوان "أعياد الربيع خالية من التحرش بالفتيات" على الدفع بعدد كبير من المتطوعين بكل الميادين، لوضع علامة "متحرش" على ملابس كل من يتحرش بفتاة، لفضحه، مع التزامهم بعدم استخدام العنف والاكتفاء باتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين.
على جانب آخر، تصاعدت دعوات الدعوة السلفية إلى مقاطعة الاحتفالات بشم النسيم، بدعوى أنها حرام شرعاً، مطالبة المسلمين بالاكتفاء بالاحتفال بعيدي الأضحى والفطر.
وتداول أعضاء وكوادر الدعوة السلفية، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فتاوى لعدد من المشايخ بشأن تحريم الاحتفال بشم النسيم، وقال الشيخ محمود عبد الحميد، رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية في الإسكندرية، إن تحريم الاحتفال بمناسبة شم النسيم، هو أصل عند الدعوة، ونقوم بذلك كل عام لكونه بدعة ولا صلة للدين به، لذا وجب علينا تنبيه المسلمين، وحثهم على عدم التشبه بغيرهم، والاكتفاء بالعيدين اللذين سنهما الله لهم.
وتابع: "المشكلة الحقيقية أن الأهالي يعلّمون الأطفال الاحتفال بهذه المناسبة، عبر عادات وأكلات، تعمل على تغلغل أفكار غير سليمة في عقولهم منذ الصغر، وعلينا أن نتصدى دائماً للأفكار والمفاهيم الغلط في المجتمع بالحث والإرشاد" على حد تعبيره.
ويرى عماد بطرس (موظف) أن الاضطرابات السياسية في البلاد أثرت في الاحتفال هذا العام. "غالبية الأسر المصرية ليست لديها رغبة في المشاركة والخروج للمتنزهات خوفاً من تصاعد الأحداث والشكوى المستمرة من قدرة الأجهزة الأمنية على تأمين المشاركين".
وأشار محمد عادل (عامل) إلى أن ارتفاع الأسعار والمشاكل الاقتصادية أثرت كثيراً على مشتريات المواطنين ولجوء البعض إلى خفض الكميات أو اختيار أنواع أقل سعراً، لافتاً إلى اختلاف الأسعار والنوعيات من منطقة إلى أخرى. "في المناطق الراقية تكون الأسعار أكثر ارتفاعا عن غيرها من المناطق الشعبية".
وأرجع محسن عاصم ارتفاع الأسعار إلى قيام بعض التجار باستغلال "الموسم" للحصول على مكاسب غير شرعية عن طريق عرض كميات أقل ولكن بأسعار مضاعفة لتحقيق الأرباح نفسها التي يحققونها بكميات أكبر.
وحذرت منال العادلي (موظفة) من ظاهرة الغش التجاري الذي يلجأ إليه بعض التجار بسبب ضعف الرقابة وارتفاع الأسعار، وهو الأمر الذي دفعها والعديد من أصدقائها إلى رفض شراء الفسيخ هذا العام. "أنا والعديد من أصدقائي فضلنا تصنيعه في المنزل لأنه أكثر أماناً، في حين لجأ آخرون إلى جلبه من محلات وأماكن معروفة بجودة صناعتها".
ويقول الحاج فهمي سعد (تاجر أسماك بوسط الإسكندرية): "الأسماك المملحة والمدخنة أنواع وتختلف أسعارها حسب النوع والحجم وحسب إمكانات الزبون، ففي المناطق الشعبية يكثر بيع الرنجة والسردين أو الفسيخ، أما سكان المناطق الأكثر ثراء أو الراقية فيفضلون أصنافاً مختلفة مثل الكافيار والبطارخ والتي قد يصل فيها السعر إلى 500 جنيه للكيلو".
ورفض أشرف رزيق، رئيس جمعية الصيادين بالإسكندرية، اتهام الصيادين بأنهم السبب في ارتفاع الأسعار، مؤكدا أنهم يقومون ببيع ما تم اصطياده مباشرة للتجار أمام البحر ليعاد طرحه في الأسواق بالأسعار التي يحددها التجار بعد ذلك.
وأشار رزيق إلى أن الزيادة السكانية وزيادة الاستهلاك وتقلص مساحة البحيرات بعد التعدي عليها أو تجفيفها، إضافة إلى ارتفاع أسعار أراضي المزارع السمكية.. كلها عوامل تساهم أيضا في زيادة الأسعار.