السياسة والرياضة

05 يونيو 2015
"عاصفة الفيفا" كشفت عن مدى الاختراق السياسي للرياضة(فرانس برس)
+ الخط -
ما هي المسافة الفاصلة بين ملاعب الرياضة وميادين السياسة؟ لطالما روّجت المنابر الصحافية والسياسية والرياضية للجمهور مقولات جاهزة من قبيل أن الرياضة هي أداة للتقريب بين الشعوب وتعزيز السلام والمحبة بين الأمم، ولطالما رسخت كليشيهات الخطاب العام، في المؤتمرات والملاعب، في عقول العالم أن "الكرة الساحرة" أقوى من العنصرية والاحتلال، وتفوق في قدرتها على تجاوز الحدود والحواجز قدرة الصواريخ العابرة للقارات، وأن الروح الرياضية أرقى من العقيدة القتالية لأعتى جيوش الأرض.

ولكن هل ستصمد هذه الشعارات البراقة والطنانة بعد "عاصفة الفيفا" التي كشفت عن مدى الاختراق السياسي للرياضة؟ وماذا سيبقى من ثقة ملايين المشجعين والمحبين للرياضة وهم يراقبون السياسة تسدد أهدافاً في شباك الرياضة ومنظماتها؟ لقد أماطت "عاصفة الفساد" التي هبّت في أروقة "الفيفا" اللثام عن "الطهارة" المزعومة للرياضة، وكشفت أن "مافيا" الفساد تلعب في ميادين الرياضة تماماً كما تعبث في أروقة السياسة والثقافة والاقتصاد.

لم يعد خافياً الآن أن القوى الكبرى في العالم قد نقلت صراعاتها من منابر السياسة إلى ميادين الرياضة، ولم يعد خافياً أن "الحرب الباردة" أو "الحرب بالوكالة" التي تجددت في أكثر من ساحة مواجهة بالذخيرة الحية، تمددت إلى ميادين الرياضة، وصار الصراع على رئاسة "الفيفا" لا يقل أهمية عن الصراع على رئاسة الأمم المتحدة، وبات التنافس على استضافة تنظيم كأس العالم لا يقل ضراوة عن التحارب على مناطق النفوذ في شرق أوروبا أو الشرق الأوسط.

لقد كشف الشوط الأول من "عاصفة الفيفا" أن الروح الشريرة في النفس البشرية، أفراداً واقواماً، هي أقوى من الروح الرياضية، وأن السياسة ومعها الفساد قادرة على حرث العشب الأخضر في ميادين الرياضة، وتحويل الكرة المستديرة إلى كرة لهب تحرق الأخضر واليابس وما تبقى من محبة وسلام بين شعوب الأرض.

ومن المنتظر أن تشهد الأشواط المقبلة من تداعيات "عاصفة الفيفا" المزيد من الأهداف التي سيسجلها الفساد السياسي في ملاعب البهاء الرياضي، وما على الجمهور القابع على المدرجات إلا متابعة تصفيات تجري في الغرف المغلقة بدلاً من الملاعب المفتوحة، حيث لا مكان للروح الرياضية، ولا حصانة لصفارة حكم.
المساهمون