السياسة تفرض نفسها صيفاً على الإعلام التونسي

27 يوليو 2019
برامج سياسيّة صيفية ترقباً للانتخابات (شاذلي بن ابراهيم/نورفوت)
+ الخط -
يعتبر فصل الصيف فترة الراحة لأغلب التلفزيونات والمحطات الإذاعية التونسية، نظراً إلى تراجع نسب الاستماع والمشاهدة خلال هذه الفترة وتوجه أبرز العاملين فيها لقضاء إجازاتهم السنوية، مما يضطر وسائل الإعلام تلك إلى إعادة برامجها أو الاكتفاء بالبرامج الموسيقية في الإذاعات.

لكنّ صيف 2019 جاء استثنائياً بالنسبة للإذاعات والقنوات التونسية التي وجدت نفسها مضطرة للعمل بنسق عالٍ، على غير عادتها. فقد تابعت الحالة الصحية للرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، وتواتر الإشاعات حول وفاته قبل أن يُعلن عن وفاته رسمياً يوم الخميس (25 يوليو/ تموز)، وهو اضطر هذه المحطات والقنوات إلى تغيير برمجيتها العادية لتواكب هذا الحدث. وسبق إعلان وفاة السبسي تغطية هذه المحطات والقنوات لفعاليات ومباريات كأس أفريقيا لكرة القدم ونجاح المنتخب التونسي في الوصول إلى المربع الذهبي، لذلك خصصت جلّ القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية برامج رياضية مباشرة لمتابعة الحدث، وهو استثناء قليلاً ما عرفته تونس صيفاً، خصوصاً أنّ البطولة الأفريقية كانت تقام في الشتاء.

وبعد انتهاء البطولة، شرعت الإذاعات والتلفزيونات في برمجتها للانتخابات التشريعية والرئاسية التي تعرفها تونس بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل بعدما بدأت الفترة الانتخابية منذ 16 يوليو/ تموز الحالي، وسط حراك سياسي كبير تعرفه تونس حوّل صيفها إلى سياسي بامتياز، وهو الأمر الذي دفع وسائل الإعلام السمعية البصرية إلى المحافظة على برامجها السياسية التي كانت تعرف توقفاً في هذه الفترة. وقد تعرف هذه البرمجة تذبذباً جديداً بعد عدم وضوح المستجدات المتعلقة بالانتخابات بعد وفاة الرئيس التونسي.
وكانت القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية قد أعدت برمجةً خاصة بمناسبة هذا الحدث الانتخابي، لكنّها قد تشهد تغييرات كبرى. إذ أعلن التلفزيون الرسمي التونسي عن خارطته البرامجية لتغطية الانتخابات التشريعية، وبدأ ببثّ البرامج الخاصة بالحملات التوعوية والتثقيفية الخاصة بالانتخابات التشريعية. من ناحيتها، أعلنت الإذاعة التونسية (وهي أكبر شبكة إذاعية تونسية تضم عشر محطات إذاعية) عن برمجتها الخاصة بالانتخابات التشريعية، من خلال بثّ إعلانات وبرامج إخبارية حول العملية الانتخابية وعمل البرلمان التونسي في الفترة الماضية.



وتعيش "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا)، هي الأخرى، صيفاً ساخناً، إذ تقوم بعملية المراقبة "الما بعدية" للبرامج الإذاعية والتلفزيونية الخاصة بالانتخابات التشريعية والرئاسية. وقد أصدرت بياناً تفصيلياً حول الشروط الواجب احترامها في تغطية الانتخابات وضمان أقصى درجات المهنية والحيادية والاستقلالية، في سبيل تجنب وسائل الإعلام الملاحقة القانونيّة من قبل "الهايكا" وتسليط عقوبات مالية عليها.
استقلالية وحيادية توحي المؤشرات الأولى للحملة الانتخابية بصعوبة تحقيقها، تحديداً من قبل قناة "نسمة تي في" التي تدافع عن خيارات نبيل القروي، رئيس حزب "قلب تونس" والمرشح الرئاسي والمسؤول السابق في القناة وأحد مالكيها. إذ تبدي القناة من خلال برامجها السياسية انحيازاً للقروي وحزبه ضد حزبَي "تحيا تونس" و"حركة النهضة" المشكّلين للحكومة التونسية. القناة قد تدخل مجدداً في معركة أمام "الهايكا" التي تطلب من الحكومة التونسية غلقها إلى حين تسوية وضعيتها القانونية.

قناة "نسمة تي في" لا تشكل الاستثناء في عدم احترام الحيادية والمهنية، فبعض القنوات والمحطات الإذاعية تدعم وإن بشكل غير مباشر حزب "تحيا تونس" الذي يترأسه رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، من خلال استضافات موجهة للدفاع عن خيارات الحكومة ورئيسها في فترة انتخابية اشتد فيها التنافس. أما بعض المحطات الإذاعية مثل إذاعة "القرآن الكريم"، فهي تدعم مباشرة مالكها سعيد الجزيري رئيس حزب "الرحمة الإسلامي". كما أنّ بعض القنوات مثل قناة "الزيتونة" وقناة "أم تونيزيا" القريبة من "حركة النهضة" تدعم هذا الحزب وإن بشكل غير مباشر أيضاً.

كلّ هذه المعطيات تجعل صيف القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية ساخناً، وقد يزداد مناخه حرارة، كلّما قرب الموعد الانتخابي وازدادت حدة التجاذبات السياسية التي تعرفها البلاد منذ فترة.