السيئ والأسوأ في الاتفاق النووي

20 يوليو 2015
+ الخط -
انتقادات كثيرة وجهت للاتفاق النووي الإيراني الغربي، ركّزت جميعها على تقييمه إجمالاً. ومن المهم عند النظر إلى مثالب الاتفاق، التمييز بين مستويين من السلبيات. فالاتفاق يتضمن جانباً سيئاً واضحاً، لكن فيه جانباً أكثر سوءاً، مظلماً لم تتكشف أبعاده بعد.
السيئ أن الاتفاق بلا أنياب حقيقية.. والحديث عن بنود غير معلنة سيتم إطلاع الكونغرس عليها لا يعني، بالضرورة، أن تلك البنود ستكون كلها في صالح واشنطن، أو ضد طهران حصرياً. أما المعلن من البنود، فيمكن تلخيصه في جملة واحدة، أن طهران ستحصل على جزء كبير من مطالبها، أو بالأحرى مكاسبها، بشكل محدد وواضح، سواء بصورة فورية، أو في المدى القصير. وفي المقابل، ستتمكن الدول الغربية فقط من تأجيل الخطر النووي الإيراني، إلى مدى أقصاه عشر سنوات. صحيح أن الاتفاق يحرم طهران من بعض قدراتها النووية الحالية، مثل جُل مخزونها من اليورانيوم المُثرى وعدد من أجهزة الطرد المركزي ومسائل أخرى فنية. لكن كل تلك المسائل تندرج في نطاق المتطلبات والأدوات اللازمة لتحويل الخيار النووي من سلمي إلى عسكري. فيما لم يتعرض الاتفاق، سوى بشكل جزئي وظاهري، للأركان الأساسية في البرنامج النووي، مثل المنشآت وتقنيات الإثراء والعلماء المؤهلين والبحوث والتطوير والأموال اللازمة لشراء اليورانيوم الخام وإنتاج أجهزة الطرد. فما تطرق إليه الاتفاق في هذه الجوانب ليس سوى نسخة مشوهة ومُجتزأة من إجراءات للتفتيش والتحقق، يجب أن تطبق بواسطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية كمنظومة متكاملة. ومن شأن اجتزائها أو تحويلها إلى إجراء شكلي أن يفقد العملية برمتها الصدقية والفعالية.
ذلك السيئ، لكن هناك الأسوأ، وهو الجوانب غير النووية في التفاهم الإيراني الغربي، فالشرق الأوسط بعد الاتفاق لن يكون أبداً كما كان قبله. ففي السنوات الماضية، كان الغرب يلاحق طهران، ويحاول تطويقها وتحجيم نفوذها في المنطقة، لتقليص قدراتها على تطوير قدراتها النووية، وتوظيف المتاح بالفعل منها سياسياً. بعد الاتفاق النووي لا يوجد ما يضطر أو يحفز الغرب على مواجهة إيران، أو تعطيل تحركاتها الإقليمية. فضلاً عن أن الأرجح هو وجود توافق، إن لم يكن اتفاقاً، على تقنين ذلك النفوذ، وترتيب تلك التحركات، بما لا يخل بمصالح الغرب وأمن إسرائيل. بل لن يكون مفاجئاً أن تتقاطع مصالح طهران والغرب في عدد من الملفات والقضايا الإقليمية. في مقدمتها مواجهة ما يصفه الطرفان بالإرهاب، ويحصرانه، فعلاً لا قولاً، في الجماعات الجهادية "السُنّية". والخطير أن توجه تهمة "الإرهاب" لاحقاً إلى الإسلام السني بشكل عام، وليس الجهاديين فقط. وقد بدأت بالفعل إشارات ذلك التوجه في عمليات التهجير والتطهير المذهبي التي تعرض لها مدنيون أبرياء من السُنة في بعض مناطق العراق، على أيدي المليشيات الشيعية، بعد طرد داعش منها.
ولا يقل خطورة عن ذلك ما قاله أوباما قبل لقائه بعض قادة دول الخليج في كامب ديفيد، منتصف أبريل/نيسان الماضي، إن الخطر على دول الخليج ليس من إيران، وإنما من أوضاعها الداخلية. ذلك التصريح العلني يعني، أولاً، إطلاق يد طهران في المنطقة، وثانياً تبرئة إيران من أي قلاقل أو اضطرابات داخلية في دول مجلس التعاون، حالياً ومستقبلاً.
تنفيذ ذلك الاتفاق بنجاح يعني انقلاباً في الأوضاع الإقليمية في المنطقة، وهدم النظام الإقليمي القائم ربما قبل اكتمال سنوات الاتفاق العشر. وعندها، لن تجد طهران أي دافع لتجديده، حيث ستتحرر من العقوبات، وتستعيد عافيتها الاقتصادية وحيوية قدراتها في مختلف المجالات، ولن تجد الدول الغربية أوراق ضغط فعالة تجبر القادة الإيرانيين على الاكتفاء بقدرات نووية سلمية. وقتئذ، لن يكون وضع العرب سيئاً أو أسوأ فقط، بل أسود، وربما أكثر سواداً.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.