تخضع عمليات إيجار البيوت والعقارات في مناطق النظام، إلى رقابة أمنيّة مشددة، إذ تفرض السلطات على المستأجر مراجعة مقارها الأمنية والحصول على موافقة خطيّة، قبل إبرام العقود. ويُنفّذ هذا الإجراء بصرامة في كل من دمشق وحلب.
يقول أحمد الحاج، وهو صاحب مكتب عقاري، إنّ "على المستأجر الذهاب برفقة صاحب العقار إلى المقر الأمني، ليحصل على الموافقة قبل أن يشغل البيت أو يدفع بدل الإيجار. كذلك يتوجب عليه تكرار الأمر عند تجديد العقد". يضيف أنّ "طلبات عديدة ترفض، بما فيها طلبات التجديد، وذلك لاعتبارات أمنية أو طائفية.
في الواقع نحن لا نستطيع توقع النتيجة دائماً، لكنّ النازحين من المناطق المعارضة للنظام هم الأقل حظاً في الحصول عليها. كذلك يتشدد النظام في منح الموافقة في عدد من الأحياء، لأهميتها الأمنية بالنسبة إليه".
ويخبر الحاج أنّ عناصر الأمن يقصدون مكتبه بشكل دوري، ويطّلعون على عقود الإيجار التي توسّط في إبرامها، ليتأكدوا من حصولها على الموافقة الأمنية. كذلك يراجعون عشوائياً بيانات وأسماء المقيمين في تلك المنازل.
ويتخوف أصحاب العقارات من عدم الامتثال لهذه الإجراءات. فيشير حيان غاوي، وهو مالك عدد من العقارات في حلب، إلى أن "عدداً من أصحاب البيوت اعتقل عقب اعتقال مستأجرين في منازلهم، وقد وجّهت إليهم تهم إيواء مطلوبين". يضيف: "لا يمكنني تحمل مسؤولية تأجير المنزل من دون الموافقة الأمنية. فهم لا يرحمون أحداً".
من جهته، يقول عصام بيطار، أحد المستأجرين في حلب، إنّ "فرع الأمن العسكري في حلب رفض النظر في طلبي قبل إحضار جميع أفراد عائلتي معي. هم لا يستثنون من المراجعة الأمنية إلا الأطفال". يضيف أنه "لا تسمح لنا استضافة أحد لم يرد اسمه من ضمن الموافقة. لم أستطع استقبال أقاربي الذين نزحوا من ريف المدينة وباتوا مشردين. خفت من إيقاع نفسي وإيقاعهم في المشاكل. خفت أيضاً من اعتقال واحد منهم، إن اصطحبتهم ليوافق الأمن على استضافتي لهم".
وفيما تشير قوات النظام إلى أنها تهدف من خلال هذه الإجراءات، إلى تجنب حدوث خروقات أمنية في مناطقها، يشير أحمد غزاوي وهو متطوع في إغاثة النازحين في دمشق، إلى أنّ "النظام يسعى إلى منع أهالي المناطق الثائرة من الانتقال إلى مناطق سيطرته، ويعاقب عدداً كبيراً من المطلوبين، من خلال اعتقال أقاربهم الذين يتوجهون إلى المقر الأمني. فثمّة عائلات بأكملها مطلوبة". يضيف أنه "حتى في مراكز الإيواء علينا تقديم بيانات مفصلة عن النازحين فيها، وقد يُطرد بعضهم".
ويشتكي الأهالي من معاملة عناصر الأمن السيئة في أثناء وجودهم في المركز الأمني. وتروي أم خالد وهي أرملة وأم لثلاثة أطفال، أنه "كان علينا الانتظار لساعات طويلة حتى يصل دورنا. بالطبع لم يجرؤ أحد على التذمر في داخل الفرع الأمني. جميعنا تمنى فقط أن يخرج بسلام من مقر الجحيم. كان عناصر الأمن والضابط يعاملون الجميع بدونية وكأنهم مدانون. أما النسوة اللواتي كن يرتدين العباءة السوداء أو الخمار، فكنّ ينلن نصيباً مضاعفاً من الإهانات". تضيف أن "الضابط تحرّى عن اسمي واسم زوجي المتوفى (التفييش)، وكذلك عن اسم والدي وإخوتي الأربعة وأمي وجدي. كانوا ليستجوبوني بالتأكيد، لو كان أحد أفراد عائلتي من المطلوبين. وبعدما سألني عن حادثة زوجي، حذّرني من استضافة أي كان وطلب مني الانصراف".
إلى ذلك، تشهد مدينة حلب أسوأ أزمة سكن بين المدن السورية، إذ يبلغ متوسط إيجار المنزل فيها نحو 45 ألف ليرة سورية (نحو 213 دولاراً أميركياً). ويشير عباس خير الدين، وهو صاحب مكتب عقاري، إلى أن "الطلب يفوق العرض بكثير، وهذا ما يلهب أسعار الإيجارات". يضيف: "لا تحظى هذه المدينة بأي أمان. فعمليات الاعتقال على الحواجز وفي المنازل لا تتوقف، وقذائف الهاون لا تفرّق بين منزل سكني ومقر أمني. مع هذا ينزح كثيرون إليها ويقصدها الطلاب لإكمال دراستهم الجامعية". ويلفت إلى أن "بيوتاً عديدة لم تعد صالحة للسكن، لكنها مأهولة".
أما عصام بيطار فيتحدّث عن العبء المادي الكبير الذي يترتب على المستأجر في الدفعة الأولى. ويقول: "يستغل أصحاب البيوت كثرة الطلب، ويشترطون تسديد إيجار سنوي مسبقاً على أن يضاف إليه رعبون المكتب العقاري ومبلغ التأمين. بالتالي عليك أن تملك ثروة لتستأجر منزلاً هنا". يضيف "صاحب بيتي لا يمانع في أن يحصل على ماله مرّة كل ثلاثة أشهر. لكنه بات يرفع الإيجار عند كل دفعة".