"الناس بدأوا يشعرون بالأمان النسبي".. بهذه الكلمات يصف الصحافي أحمد العكلة حال المدنيين في ريف إدلب شمال غرب سورية، في اليوم الثاني (أمس) من "الهدنة" بين المعارضة السورية المسلحة من جهة وبين قوات النظام وحلفائها من جهة أخرى.
ويقول العكلة لـ "العربي الجديد" إن "بعد وقف إطلاق النار، عادت الحياة طبيعية في مختلف مدن وبلدات وقرى هذا الريف الذي كان من أكثر المناطق السورية اشتعالاً، والذي نال النصيب الأكبر من قصف طيران النظام خلال سنوات، ومن ثم قصف الطيران الروسي في الأشهر الأخيرة". ويشير إلى أن المدنيين في مدينة كفرنبل - حيث يوجد مدنيون - بدأوا يقصدون الأسواق من دون خوف ظاهر.
أما الصحافي هاشم العبدالله الموجود في مدينة جسر الشغور القريبة من الحدود السورية التركية، فيؤكد لـ "العربي الجديد" أن "الخوف ما زال سيّد الموقف في المدينة، إذ لم تستطع الهدنة تبديد مخاوف أهلها من معاودة الطيران لقصفه. مشاهد المجازر التي ارتكبها طيران النظام والمقاتلات الروسية ما زالت حاضرة في الأذهان". لكنه يلفت إلى أن ريف المدينة الغربي تعرّض للقصف بعد سريان الهدنة.
من جهته، يفيد الصحافي خالد الخلف بأن الحياة بدأت تعود إلى مدينة سراقب (حيث هو موجود) شرق إدلب على الطريق الدولي الذي يربط دمشق بمدينة حلب. ويقول لـ"العربي الجديد" إن "سراقب التي كانت تُقصف بشكل شبه يومي، بدأت تشهد الحياة تدريجياً، إذ عاد الأهالي إلى بيوتهم في المناطق التي كانت تُعدّ خطرة. ولم تعد العائلات تنزح نهاراً إلى ريف المدينة خشية القصف، لتعود مساء إلى بيوتها"، مشيراً إلى أن الحركة عادت إلى أسواق المدينة إثر سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
ريف دمشق
في مدينة معضمية الشام المحاصرة غرب العاصمة دمشق، يبدو وعد البالغ من العمر خمسة أعوام، فرِحاً. وفي خلال حديث مع "العربي الجديد" عبر موقع "سكايب"، يتحدث عن ذهابه الأحد (أمس) إلى الروضة من دون خوف من المروحيات التي دمّرت أكثر أحياء المدينة. تجدر الإشارة إلى أن كثيرين من أهل المدينة عبّروا عن شعورهم بالأمان بعد شهور من القصف المتواصل من قبل الطيران والمدفعية، إذ دارت معارك طاحنة بين فصائل الجيش السوري الحرّ وبين قوات الفرقة الرابعة التي تعدّ أشرس فرق جيش النظام التي حاولت اقتحام المعضمية إثر فصل المدينة عن جارتها داريا.
ويقول هنا الناشط داني قباني لـ "العربي الجديد" إن "الحال باتت أفضل في المعضمية لجهة توفّر المواد الغذائية، على الرغم من أن المدينة ما زالت محاصرة ولا أحد يخرج منها أو يدخلها، فيما الأسواق شبه مغلقة إذ لا بضائع في المحلات للبيع". من جهة أخرى، يوضح أن "ثمّة حركة جيدة للمدنيين سُجّلت في الشوارع بعد سريان الهدنة"، مشيراً إلى "عدم قدرتهم على الوصول إلى أحياء المدينة الجنوبية لتفقد منازلهم، بسبب استهداف قناصي قوات النظام من يحاول ذلك. وبالفعل أصيب شاب في يده من جرّاء قنص بعد سريان الهدنة".
إلى ذلك، تبدو الحال أفضل في بلدات جنوب العاصمة دمشق التي أجبرت على توقيع هدن تحت ضغط الحصار المحكم، قبل سريان الهدنة الأخيرة. ويشير الناشط رائد الدمشقي إلى أن "وفداً من اللجنة الدولية للصليب الأحمر اجتمع السبت (أوّل من أمس) مع وجهاء بلدات حجيرة والبويضة وعقربا والذيابية والحسينية التي هُجّر أكثر سكانها أواخر عام 2013، وبحث معهم موضوع إدخال المساعدات إلى هذه البلدات. يضيف لـ "العربي الجديد" أن هذه "المرة الأولى التي يدخل فيها وفد من الصليب الأحمر بهذا المستوى".
ومن شمال العاصمة دمشق، حيث مدينة تل منين المحاصرة، يقول الناشط أحمد البيانوني إن "شيئاً لم يتغير، باستثناء تراجع حركة الطيران فوق المدينة إلى حدّ كبير بعد سريان الهدنة". يضيف لـ "العربي الجديد" أن "حالنا في مدينة التل بعد الهدنة هو نفسه قبل الهدنة. نحن ما زلنا محاصرين من قبل حواجز النظام التي تمنع دخول المواد الغذائية والطبية والمحروقات والطحين الى المدينة، فيما تستمر هذه الحواجز باعتقال مدنيين خصوصاً من الشباب". ويوضح البيانوني أن "المحاصرين في التل يريدون فكّ الحصار عن مدينتهم بشكل نهائي، وليس فقط إدخال مساعدات إنسانية تكفي لفترة قصيرة"، مشيراً إلى أن أحوال المدنيين في المدينة تزداد سوءاً يوما بعد يوم.
اقرأ أيضاً: النازحون إلى إدلب.. هرباً من القصف الروسي إلى العراء
حلب الشهباء
لم تُفجع مدينة سورية بأهلها مثلما فُجعت حلب الشهباء التي تعرضت على مدى سنوات لـ "حرب إبادة" إذ شُنّت عليها غارات وحشية بالبراميل المتفجرة. أكثر من ذلك، قصفت حلب التي تُعدّ ثاني أكبر مدن سورية بالصواريخ البالستية بعيدة المدى في عام 2012، فنزح أكثر أهلها، خصوصاً قاطني الأحياء التي سيطرت عليها فصائل المعارضة.
وبعد سريان وقف إطلاق النار، بدأت المدينة تتنفس الصعداء، ليشير الناشط عمر عرب لـ "العربي الجديد" إلى أن "الحركة عادت إلى الأسواق والحدائق. الطيران اختفى من سماء المدينة التي كانت تُقصف يومياً، وتخسر أبناءها من جراء ذلك القصف". ويؤكد عرب أن "شعوراً حذراً بالأمان يسود المدينة، إذ ما زال المدنيون يتخوفون من عودة الطيران للقصف، على الرغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار".
من جهته، يشير الصحافي عمار البكور إلى أن "ثمّة ارتياحاً عاماً انعكس على وجوه الناس وعاد الازدحام إلى الأسواق". ويقول لـ "العربي الجديد" إن "المدنيين في عموم سورية يأملون استمرار وقف إطلاق النار لأن الحزن صار داخل كل بيت نتيجة القصف الجوي والصاروخي، وهم يريدون حلاً سياسياً". ويؤكد البكور الذي سبق وجال في عدد من مدن وبلدات إدلب وريف حلب الغربي، على أن "ثمّة حالة عدم ثقة لدى عدد كبير من المدنيين من اختراقات للهدنة من قبل الطيران الروسي، كما في بلدة الناجية في ريف إدلب وبلدة دارة عزة في ريف حلب الغربي". يضيف أن "حالة خوف تسيطر على أكثر المدنيين، من تصعيد الطيران الروسي قصفه الجوي بعد انتهاء مهلة الهدنة المحدّدة بأسبوعين".
ريف حماة
في ريف حماة الشمالي الذي تعرّض هو الآخر لتدمير شبه كامل على مدى سنوات الثورة، عادت الحركة إلى بعض المدن والبلدات، بحسب ما يقول الناشط شحود جدوع. لكنه يلفت لـ "العربي الجديد" إلى أن حذراً يميّز حركة المدنيين الذين ما زالت "قبضات المراصد" في أيديهم، إذ يتخوّفون "من غدر" الطيران الروسي وقوات النظام، خصوصاً أن طائرات عديدة حلّقت في سماء المنطقة أمس الأحد. ويؤكد جدوع أن "لا ارتياح كاملاً لدى عموم من تبقّى من سكان ريف حماة الشمالي، خصوصاً أن أبرز مدينتين فيه - اللطامنة وكفرزيتا - استثنيتا من الهدنة، بناء على الخرائط التي ظهرت وأوضحت المناطق التي شملها وقف إطلاق النار في سورية".
ريف حمص
من جهة أخرى، سُجّل اختراق للهدنة في ريف حمص الشمالي، أمس الأحد، وفق ما يفيد ناشطون، وذلك على جبهة بلدة حربنفسه التي تُعدّ امتداداً جغرافياً لسهل الحولة الذي يضمّ بلدات وقرى عدّة، والذي تحاصره قوات النظام وحلفاؤها. ويقول الناشط أحمد أبو محمد لـ "العربي الجديد" إن "المنطقة تعرّضت إلى 16 غارة طيران، وأكثر من سبعين صاروخ غراد، ومئات قذائف هاون في محاولة من قوات النظام للتقدم باءت بالفشل".
ويؤكد أبو محمد أن "اتفاق وقف إطلاق النار لم ينعكس إيجاباً على حياة الناس في عموم سهل الحولة، إذ إن المدنيين في الحولة كانوا يأملون خيراً من الهدنة، خصوصاً على الصعيد الإنساني، لكن أي طريق لم يُفتح بعد يومين من الهدنة. تجدر الإشارة إلى أن ثمّة ندرة في المواد الغذائية، من دون أن تتحرك أي جهات معنية لتدارك الموقف الذي يُنذر بمأساة تطاول آلاف المدنيين المحاصرين". كذلك، يشير إلى أن "اتفاق الهدنة لم ينعكس على حياة المدنيين خصوصاً الأطفال منهم، لأن أكثر العائلات قصدت الملاجئ في صباح اليوم الثاني من الهدنة (أمس الأحد) من جرّاء الطيران الروسي الذي يحلّق فوق بلدات الحولة على ارتفاعات منخفضة ليقصف جبهة بلدة حربنفسه شرق السهل".
اقرأ أيضاً: عرس بلا زفّة.. شباب سورية يريدون "السترة"