"نحن لا نعيش، بل نحاول البقاء أحياء لأطول فترة ممكنة". أم محمد الأربعينية جازمة في ذلك. وتقول، وهي تشتري حاجيات المنزل: "تجار الأزمات لم يتركوا لنا شيئاً، وما في اليد حيلة. نحن نشتري من مؤسسات الدولة، معونات الأمم المتحدة، هي تباع علناً".
تحاول أم محمد التأقلم وأطفالها الأربعة مع ظروف الحياة الاقتصادية الصعبة الناجمة عن الحرب الدائرة منذ أربع سنوات. وتوضح: "راتبي، اليوم، لا يتعدى مائة دولار أميركي، في ظل غلاء كل المنتجات. التسعيرة تختلف، ما بين الصباح والمساء، بحسب سعر صرف الدولار. لو كان الهواء بأيديهم، لرفعوا سعره أيضاً".
يحاول أهالي العاصمة دمشق تدبير شؤون حياتهم وسط الظروف الاقتصادية السيئة وحمى ارتفاع الأسعار، إذ انقسم المجتمع ما بين مستغَلين وتجار. وقد تحوّلت الطبقة المتوسطة إلى فقيرة وشديدة الفقر، وأصبح اللحم بالنسبة إلى أبنائها من الرفاهيات.
زينة طالبة في جامعة دمشق، تقول إن "طبخاتنا خالية من اللحوم، ونعوّض عنها بالبروتين النباتي. العدس والبقوليات أصبحت سيدة المائدة. كذلك نحن لا نشتري بكميات كبيرة بل بالغرامات، ولا نرمي شيئاً". تضيف: "والدتي تصنع المكدوس بالفول السوداني بدلاً من الجوز البلدي الذي بات سعر الكيلوغرام الواحد منه يعادل ثروة. كذلك تستبدل زيت الزيتون البلدي بالزيت النباتي لحفظه، وتحوّل البندورة غير الجيدة إلى دبس وتجفف الخبز الذي لم يسلم من الأزمة الاقتصادية وتغيّر لونه إلى الأسمر بسبب قشور القمح المضافة إليه. حتى أوراق الفجل بتنا نأكلها".
البطاطا والمعكرونة والخضار الموسمية، كالفول والفاصولياء أصبحت الأصناف الأساسية التي تحويها وجبات السوريين اليوم، لأنها أقل ثمناً. أما الفاكهة، فتشهد أسواق دمشق ارتفاعاً جنونياً غير مسبوق في الأسعار. وقد وصل سعر كيلوغرام الموز إلى ألف ليرة سورية (5.30 دولارات أميركية)، والكرز إلى 1800 ليرة (9.8 دولارات). بذلك تكون نسبة ارتفاعه قد بلغت 90% مقارنة بسنوات ما قبل الحرب. وهو ما دفع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى السخرية من ذلك، وتأليف النكات. هم يداوون أوجاعهم بالابتسامة.
أبو عارف صاحب متجر للمواد الغذائية في حيّ ركن الدين، يقول: "احتكرت اللجان الشعبية عمليات البيع والشراء، فمؤسسات الدولة الأمنية لا تقدم الرواتب لأعضائها، وهم لم يجدوا خياراً آخر غير سرقة الشعب لتأتي بمردود لهم. وأصبحوا يتحكمون في البيع والشراء والتوزيع، بحسب مزاجهم وبالأسعار التي يريدونها".
إلى ذلك، تراجعت جودة البضائع والمأكولات بشكل ملحوظ، واتجه عدد كبير من أهالي دمشق إلى الزراعة. سمير طالب سنة رابعة في كلية الهندسة الزراعية، يقول: "يقع منزلي في إحدى ضواحي دمشق التي تتميز بحدائق واسعة بين الأبنية. فاستغليت هذه المساحات في زراعة النعناع والبقدونس والبصل والقرع والفجل وغيرها. نحن نستهلك ما ننتج ونتقاسمه مع الجيران".
يضيف: "كانت تجربة ناجحة وبات الجميع يستغل الحدائق الصغيرة، حتى أن ثمّة من جلب بضع دجاجات للحصول على بيض، وذلك كطريقة للاكتفاء الذاتي. لا نعلم إلى أين ستصل الأمور. يوماً بعد يوم نستغني عن سلعة أقل ضرورة من غيرها".
لا يخرج سمير من منزله إلا في أيام الامتحانات، فالتنقل في المدينة المقطّعة الأوصال أصبح كالسفر من محافظة إلى أخرى. ويعود ذلك إلى قلة وسائل النقل، والازدحام الناتج عن الحواجز العسكرية التي تملأ المدينة. يخبر أن "المسافة التي كنا نقطعها في نصف ساعة، تحتاج، اليوم، إلى ساعتين على أقل تقدير. يضاف إلى ذلك أنك ستكون محظوظاً جداً عند الحصول على مقعد في الباص، الذي قد لا يوصلك إلى آخر الخط. هكذا مزاج السائق، فتبقى لك قدماك".
ويشير سمير إلى "حالة من الفوضى وعدم الالتزام. لا رقابة ولا محاسبة. الجميع يحاول استغلالك، حتى مالكي السيارات الخاصة حوّلوا سياراتهم إلى سيارات أجرة".
وقد شمل التوفير كل شيء، المأكل والمشرب وحتى المواصلات واللباس. أسر كثيرة أضحت تتمسك بثيابها القديمة لحفظ نقودها لحاجيات أهم. من جهتها، حوّلت جهينة الدمشقي صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إلى صفحة تجارية تكسب منها قليلاً من المال الذي يعينها في معيشتها. تقول: "حاولت مراراً بيع الملابس القديمة التي لا أستخدمها، طمعاً في الحصول على قليل من المال لمساعدة زوجي. فجاءت فكرة إنشاء مجموعة على موقع فيسبوك لعرض الملابس المستعملة والتجارة بها".
تضيف: "وقد نجحت الفكرة ووصل عدد المشتركين في الصفحة إلى أكثر من ستة آلاف عضو. الجميع يعرض الملابس المستعملة لديه، ويتمّ البيع والتسليم في نقاط معينة من المدينة. وذلك خصوصاً بعدما باتت الأسواق في العاصمة ملأى بمنتجات رديئة الجودة. حتى سوق الباله المعروف ببضاعته الأجنبية، خلا منها".
ومجموعة جهينة ليست الوحيدة اليوم، فقد بدأت تكثر على مواقع التواصل مجموعات أخرى تعنى ببيع وشراء الملابس المستعملة وأخرى لبيع الحلويات المنزلية والطعام وغيرها من المنتجات.
إقرأ أيضاً: عادَ الباعة المتجوّلون في سورية
تحاول أم محمد التأقلم وأطفالها الأربعة مع ظروف الحياة الاقتصادية الصعبة الناجمة عن الحرب الدائرة منذ أربع سنوات. وتوضح: "راتبي، اليوم، لا يتعدى مائة دولار أميركي، في ظل غلاء كل المنتجات. التسعيرة تختلف، ما بين الصباح والمساء، بحسب سعر صرف الدولار. لو كان الهواء بأيديهم، لرفعوا سعره أيضاً".
يحاول أهالي العاصمة دمشق تدبير شؤون حياتهم وسط الظروف الاقتصادية السيئة وحمى ارتفاع الأسعار، إذ انقسم المجتمع ما بين مستغَلين وتجار. وقد تحوّلت الطبقة المتوسطة إلى فقيرة وشديدة الفقر، وأصبح اللحم بالنسبة إلى أبنائها من الرفاهيات.
زينة طالبة في جامعة دمشق، تقول إن "طبخاتنا خالية من اللحوم، ونعوّض عنها بالبروتين النباتي. العدس والبقوليات أصبحت سيدة المائدة. كذلك نحن لا نشتري بكميات كبيرة بل بالغرامات، ولا نرمي شيئاً". تضيف: "والدتي تصنع المكدوس بالفول السوداني بدلاً من الجوز البلدي الذي بات سعر الكيلوغرام الواحد منه يعادل ثروة. كذلك تستبدل زيت الزيتون البلدي بالزيت النباتي لحفظه، وتحوّل البندورة غير الجيدة إلى دبس وتجفف الخبز الذي لم يسلم من الأزمة الاقتصادية وتغيّر لونه إلى الأسمر بسبب قشور القمح المضافة إليه. حتى أوراق الفجل بتنا نأكلها".
البطاطا والمعكرونة والخضار الموسمية، كالفول والفاصولياء أصبحت الأصناف الأساسية التي تحويها وجبات السوريين اليوم، لأنها أقل ثمناً. أما الفاكهة، فتشهد أسواق دمشق ارتفاعاً جنونياً غير مسبوق في الأسعار. وقد وصل سعر كيلوغرام الموز إلى ألف ليرة سورية (5.30 دولارات أميركية)، والكرز إلى 1800 ليرة (9.8 دولارات). بذلك تكون نسبة ارتفاعه قد بلغت 90% مقارنة بسنوات ما قبل الحرب. وهو ما دفع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى السخرية من ذلك، وتأليف النكات. هم يداوون أوجاعهم بالابتسامة.
أبو عارف صاحب متجر للمواد الغذائية في حيّ ركن الدين، يقول: "احتكرت اللجان الشعبية عمليات البيع والشراء، فمؤسسات الدولة الأمنية لا تقدم الرواتب لأعضائها، وهم لم يجدوا خياراً آخر غير سرقة الشعب لتأتي بمردود لهم. وأصبحوا يتحكمون في البيع والشراء والتوزيع، بحسب مزاجهم وبالأسعار التي يريدونها".
إلى ذلك، تراجعت جودة البضائع والمأكولات بشكل ملحوظ، واتجه عدد كبير من أهالي دمشق إلى الزراعة. سمير طالب سنة رابعة في كلية الهندسة الزراعية، يقول: "يقع منزلي في إحدى ضواحي دمشق التي تتميز بحدائق واسعة بين الأبنية. فاستغليت هذه المساحات في زراعة النعناع والبقدونس والبصل والقرع والفجل وغيرها. نحن نستهلك ما ننتج ونتقاسمه مع الجيران".
يضيف: "كانت تجربة ناجحة وبات الجميع يستغل الحدائق الصغيرة، حتى أن ثمّة من جلب بضع دجاجات للحصول على بيض، وذلك كطريقة للاكتفاء الذاتي. لا نعلم إلى أين ستصل الأمور. يوماً بعد يوم نستغني عن سلعة أقل ضرورة من غيرها".
لا يخرج سمير من منزله إلا في أيام الامتحانات، فالتنقل في المدينة المقطّعة الأوصال أصبح كالسفر من محافظة إلى أخرى. ويعود ذلك إلى قلة وسائل النقل، والازدحام الناتج عن الحواجز العسكرية التي تملأ المدينة. يخبر أن "المسافة التي كنا نقطعها في نصف ساعة، تحتاج، اليوم، إلى ساعتين على أقل تقدير. يضاف إلى ذلك أنك ستكون محظوظاً جداً عند الحصول على مقعد في الباص، الذي قد لا يوصلك إلى آخر الخط. هكذا مزاج السائق، فتبقى لك قدماك".
ويشير سمير إلى "حالة من الفوضى وعدم الالتزام. لا رقابة ولا محاسبة. الجميع يحاول استغلالك، حتى مالكي السيارات الخاصة حوّلوا سياراتهم إلى سيارات أجرة".
وقد شمل التوفير كل شيء، المأكل والمشرب وحتى المواصلات واللباس. أسر كثيرة أضحت تتمسك بثيابها القديمة لحفظ نقودها لحاجيات أهم. من جهتها، حوّلت جهينة الدمشقي صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إلى صفحة تجارية تكسب منها قليلاً من المال الذي يعينها في معيشتها. تقول: "حاولت مراراً بيع الملابس القديمة التي لا أستخدمها، طمعاً في الحصول على قليل من المال لمساعدة زوجي. فجاءت فكرة إنشاء مجموعة على موقع فيسبوك لعرض الملابس المستعملة والتجارة بها".
تضيف: "وقد نجحت الفكرة ووصل عدد المشتركين في الصفحة إلى أكثر من ستة آلاف عضو. الجميع يعرض الملابس المستعملة لديه، ويتمّ البيع والتسليم في نقاط معينة من المدينة. وذلك خصوصاً بعدما باتت الأسواق في العاصمة ملأى بمنتجات رديئة الجودة. حتى سوق الباله المعروف ببضاعته الأجنبية، خلا منها".
ومجموعة جهينة ليست الوحيدة اليوم، فقد بدأت تكثر على مواقع التواصل مجموعات أخرى تعنى ببيع وشراء الملابس المستعملة وأخرى لبيع الحلويات المنزلية والطعام وغيرها من المنتجات.
إقرأ أيضاً: عادَ الباعة المتجوّلون في سورية