باشرت الحكومة السودانية تحرّكاتها العملية لإعادة علاقاتها مع دول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى، عبر الإعلان رسمياً، أمس الخميس، المشاركة في عمليات "عاصفة الحزم"، التي أطلقتها السعودية، ليل الأربعاء ـ الخميس، لمواجهة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن، بمشاركة عشر دول عربية. وأكد وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم أحمد حسين، في تصريحات أمس الخميس، أن "الخرطوم تشارك في العمليات جواً وبحراً، كما ستتحرّك في اتجاه مواقع العمليات في اليمن".
وعلمت "العربي الجديد"، أن "الحكومة أبلغت الرياض التي يزورها الرئيس عمر البشير هذه الأيام، استعدادها الدفع بقوات سودانية لقتال الحوثيين، تأكيداً لحرصها على أمن المملكة والمنطقة عموماً، ومواجهة خطر الحوثيين الذين يمثلون تهديداً على الخرطوم نفسها". مع العلم أن السودان لا يُعدّ من دول الجوار اليمني، لكنه قريب منه، بالنظر إلى موقعه في الضفة الأخرى للبحر الأحمر، ما يشكل خطراً على استقرار الخرطوم الأمني.
وأكدت مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد"، أن "الرياض طلبت من الخرطوم أداء دور كبير في الحرب ضد الحوثيين، عبر فتح المنافذ السودانية المطلّة على البحر الأحمر، باعتبارها تمثل قاعدة جوية وبحرية جيدة، لانطلاقة العمليات العسكرية في اليمن".
وذكر الجيش السوداني في بيانٍ له، أن "مشاركة السودان في عاصفة الحزم، بمثابة حماية لأرض الحرمين وللدين والعقيدة". وكشف أن "وزير الدفاع السوداني أجرى سلسلة اتصالات بمسؤولين عسكريين سعوديين، في الأيام الماضية، في إطار التنسيق وتقسيم الأدوار بما يتصل بالعمليات المشتركة في اليمن".
وذكر المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني الصوارمي خالد سعد، في بيانٍ، أن "الخرطوم ستشارك بقوة وعزة ومنعة في عمليات عاصفة الحزم، للحفاظ على أمن الرياض". وأردف "شعب السودان لن يقف مكتوف الأيدي والخطر يحدق بقبلة المسلمين".
ويرى مراقبون أن "الخطوة السودانية تُعدّ استراتيجية، بالنظر إلى طموح الخرطوم تحقيق جملة مكاسب فقدتها خلال مرحلة تأييدها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، في حربه ضد الكويت مطلع التسعينيات، وما تبع ذلك من عزلة عربية عاشتها الخرطوم، وتداعياتها السياسية والاقتصادية والحصار الذي تعاني منه البلاد حتى اليوم".
وفسّر مراقبون آخرون، الخطوة "بمثابة طلاق ظاهر بين السودان وإيران، التي تربطها تحالفات استراتيجية بالخرطوم، خصوصاً في ظلّ دعم طهران للحوثيين". كما نشرت تقارير إعلامية عن إغلاق الحكومة السودانية مكاتب الممثليات والجمعيات الإيرانية، برغم عدم صدور أي تصريح رسمي بصحة أو نفي الخبر الذي تمّ تداوله على نطاق واسع.
أما بشأن زيارة البشير التي تنتهي اليوم الجمعة، فقد أسفرت عن جملة مكاسب اقتصادية وسياسية، بعد إعلان الرياض أنها ستبذل قصارى جهدها لرفع العقوبات الاقتصادية عن الخرطوم، وإنشاء صندوق لتحفيز الشركات السعودية للاستثمار في السودان.
وأبدت السعودية أيضاً استعدادها الكامل لـ "التعاون" مع الخرطوم في كافة المجالات، وأعطى العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، في السياق التوجيهات لحكومته وصناديق التمويل في البلاد والمستثمرين السعوديين، لتقديم الدعم الكامل للسودان خلال المرحلة المقبلة. الأمر الذي اعتبره مراقبون "نتاجا طبيعيا لمساندة الخرطوم عاصفة الحزم".
ويشير المحلل السياسي عبد المنعم أوبادريس، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "قضية اليمن مرتبطة بأمن السودان، ومن شأن مشاركته في عاصفة الحزم، المساهمة في تحسين علاقاته مع دول الخليج والسعودية بشكل أساسي". وأوضح "سيستفيد السودان من رفع العقوبات الخليجية غير المعلنة وجذب استثماراتها، والاستفادة من علاقات دول الخليج مع دول الغرب، من أجل تحسين علاقات السودان الغربية". وأضاف "تعلمت الخرطوم من الدروس السابقة، في ما يتعلق بتأييدها عراق صدام حسين، إبان غزوه الكويت مطلع تسعينيات القرن العشرين".
من جهته، يرى المحلل العسكري، الطيب أبو العباس، أن "الخرطوم بإمكانها تأدية دور عبر انخراطها ضمن المنظومة العربية، لا سيما أن التصور الايراني لليمن فيه خطورة على السودان نفسه". ولفت في تصريحات إلى "العربي الجديد"، إلى أن "الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة من شأنها أن تتحكم في جملة من الأمور، ومنها التجارة الدولية". ورأى أن "امتناع السودان عن المشاركة يعرّضه لعزلٍ استراتيجي خطير"، معتبراً أن "القرار يصبّ استراتيجياً في مصلحة الخرطوم، خصوصاً أن العملية تهدف إلى إعادة الشرعية لليمن".
وأشار إلى أن "الخرطوم تُمثل عمقاً استراتيجياً كبيراً لعملية عاصفة الحزم، لموقع السودان على البحر الأحمر، وقربه من باب المندب، الأمر الذي يُمكّنه من إنشاء قاعدة جوية وبحرية، تنطلق من بورسودان، إضافة إلى تأثيره على الصومال وجيبوتي، وضمان كسب دعمها التحالف العربي إذا تتطلب الأمر ذلك".
اقرأ أيضاً: مصر تؤكد مشاركتها عسكرياً بـ"عاصفة الحزم"