السودان يتجه إلى الصين بعد انحسار الدعم السعودي الإماراتي

09 أكتوبر 2018
السودان يلجأ للصين لعبور أزمته الاقتصادية (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

تسعى الحكومة السودانية، هذه الأيام، لإعادة إنعاش العلاقات الاقتصادية مع الصين، والتي تعرضت خلال السنوات الماضية إلى حالة ركود أحجمت بموجبها بكين عن تقديم تمويل لنحو 200 من المشروعات الاقتصادية التي عرضتها الخرطوم، كما توقف التنين الصيني عن تقديم المنح والقروض في ظل تعثر السودان عن دفع ديونه لبكين.

ويبدو أن توجه السودان نحو دول خليجية في مقدمتها السعودية لم يغنها عن الاستعانة بالصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مجدّداً، حيث لم تجد الخرطوم شريكاً مثلها، رغم محاولات السعودية والإمارات القيام بهذا الدور.

وكان السودان تقدم خطوة نحو هاتين الدولتين الخليجيتين عبر المشاركة بقوات برية فاعلة لاستعادة الشرعية في اليمن ضمن التحالف السعودي الإماراتي الذي تقوده الرياض، غير أن النتائج العملية اقتصادياً جاءت مخيبة لآمال السودانيين، حيث أحجمت الدولتان عن تقديم الدعم المالي الكافي لمساعدة السودان في مواجهة أزمات عديدة، أبرزها تهاوي أسعار الجنيه السوداني وفقدانه أكثر من 64% من قيمته الأحد الماضي، وشح النقد الأجنبي خاصة مع توقف تدفق نفط جنوب السودان بسبب الحرب الأهلية، والندرة في سلع أساسية مثل المشتقات البترولية والدقيق والدواء.

من هنا قل حماس السودان، تجاه الرياض وأبوظبي، وبدأ يقترب أكثر من شريكه القديم (التنين الصيني)، حيث فُتحت قنوات التواصل من جديد، وعلى هامش قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي في الشهر الماضي، انتهز الرئيس السوداني والمسؤولون الذين رافقوه الفرصة لاستكمال المباحثات على أعلى المستويات، حيث التقى عمر البشير بالرئيس الصيني شي جين بينغ وتطرقا لأهمية التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وخلال اللقاء أعلن بينغ عن تقديم الصين مبلغ 600 مليون يوان صيني (90 مليون دولار) كمنح وقروض لدعم مشارع التنمية في السودان، ونقلت تقارير صحافية عن جين بينغ تفهمه للأوضاع الاقتصادية التي يمر بها السودان.

وأثناء الزيارة أيضاً، توصلت الخرطوم لاتفاق مع الشركة الصينية الوطنية للنفط، وُقع بالأحرف الأولى، لزيادة الإنتاج في 3 مربعات نفطية سودانية تعمل بها الشركة، وفحص ودراسة واستكشاف 13 مربعاً آخر تمهيداً للتوصل فيها لاتفاقيات جديدة، على أن تستمر الشركة في مجال استكشاف وتطوير وإنتاج الغاز.

وشملت العقود التي تم التوقيع عليها في بكين 4 اتفاقيات مع شركة تورنتو القابضة حول استكشاف الذهب والمعادن المصاحبة له في ولايتي البحر الأحمر (شرق) ونهر النيل (شمال)، وإقامة مدينة صناعية وغيرها من المشروعات.

وعلى ضوء اتفاقيات بكين، سيبدأ وفدٌ من الشركة الوطنية الصينية لإنتاج النفط زيارة للسودان، والدخول في مباحثات مع المسؤولين لاستكمال التفاوض.




ويسعى أزهري عبدالقادر الذي أدى القسم مرة أخرى وزيراً للنفط والغاز والمعادن أخيراً، ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة، إلى المضي قدماً في خطوات بدأها من قبل في إيقاف تدهور الإنتاج النفطي الذي وصل إلى مراحل متدينة، لكنه، وحسب ما نسب إليه، أعاده إلى 78 ألف برميل يومياً، ويجتهد أكثر للوصول به خلال الفترة المقبلة، إلى 125 ألف برميل.

ويراهن الوزير، لتحقيق هدفه، على عودة الشركات الصينية مع أخرى هندية وماليزية، للعمل من مجال الإنتاج والاستكشاف، عطفاً على خبراتها السابقة في السودان، قبل أن تواجه بعقبات ومشكلات اضطرت معها لمغادرة البلاد.

ويقول وزير النفط أزهري عبدالقادر لـ"العربي الجديد" إن كل ما تم التوصل إليه مع الصين أدرج في اتفاقية إطارية واحدة، تشمل على زيادة الإنتاج النفطي واستكشاف حقول جديدة، والشروع في استثمارات جديدة منها الغاز الطبيعي، مشيراً إلى أن موضوع الغاز يدخل لأول مرة في الاتفاقيات الصينية السودانية.

وأضاف الوزير أن الاتفاقية الإطارية تطرقت لمعالجة بند الديون المستحقة للصين على السودان بصورة جذرية، مع الاتفاق على إنشاء معهد لدراسات النفط في السودان.

وبحسب وزير النفط أزهري عبدالقادر، فإن الاتفاقية الإطارية ستتفرع لاتفاقيات أكثر تفصيلاً، وسيتم البدء في ذلك من خلال المباحثات التي تجري مع الشركة الوطنية الصينية هذه الأيام، مؤكداً أنه بتوقيع الاتفاقية ستزول كافة العقبات التي حالت دون التعاون الكامل في الفترة السابقة، وأنه تم بناء أرضية جديدة يمكن الانطلاق عبرها لآفاق جديدة ليست معها عودة للوراء بل للأمام.

وتتجاوز ديون الصين المستحقة على السودان 10 مليارات دولار، أكثر من ملياري دولار منها ديون نفطية، استحقتها شركات النفط الصينية العاملة في البلاد، على رأسها الشركة الوطنية الصينية للنفط (سي إن بي سي)، بعد توقف أعمالها في حقول النفط في جنوب البلاد، نتيجة انفصال جنوب السودان عام 2011.




من جهته، يؤكد ذلك السفير الصيني بالخرطوم، لي ليانخه، لـ"العربي الجديد" أن العلاقات السودانية تتطور يوماً بعد يوم، وقلل من الخلافات التي حدثت فيها، مشيراً إلى أن التعاون بذلك الحجم الكبير من الطبيعي أن تصاحبه بعض المشكلات الفنية.

وكشف ليانخه، عن تشكيل لجنة فنية مشتركة لمعالجة القضايا السابقة، مؤكداً ثقته في توصل اللجنة لتفاهمات في هذا الشأن بما يعزز العلاقات بين البلدين، ليس في مجال النفط، بل في مجالات أخرى عديدة، مثل الزراعة والصناعة.

وأكد السفير، عزم بلاده رفع حجم التبادل التجاري مع الخرطوم والذي وصل العام الماضي لحوالي 3 مليارات دولار، كما توقع السفير استفادة السودان كواحد من البلدان الأفريقية من خطط التعاون مع القارة السمراء التي أعلنت عنها بكين خلال قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي.

وفي المقابل، يقلل الخبير الاقتصادي وعضو البرلمان القومي السوداني، بابكر محمد توم من التفاؤل الذي ساد الأوساط الاقتصادية بعد التقارب السوداني الصيني. ويقول توم لـ"العربي الجديد" إن المنهج المتبع في العلاقة مع الصين القائم على نهج تقديم بكين قروضاً نقدية للسودان، لا جدوى منه، ذلك لأن سياسة الاقتراض لها أثر سلبي على الاقتصاد السوداني على المدى البعيد وتزيد عبء الديون، ويدفع ثمنها أجيال لاحقة.

وأشار إلى أن أغلب المشاريع التي تمولها الصين تقوم دون دراسة جدوى حقيقية وليست ذات فائدة إنتاجية ولا ترتبط بالميزات الاقتصادية للسودان، خاصة الزراعية والصناعية، وطالب توم بإحالة أي اتفاق مع الصين للبرلمان لدراسته بصورة حقيقية والتقرير بشأنه.

وأكد النائب البرلماني أن المخرج الرئيس للسودان من أزمته الراهنة هو الزراعة التي لا يتم التركيز عليها في التعاون مع الصين.

ولحكومة البشير، تاريخ طويل، في تطوير العلاقات الاقتصادية بين السودان والصين، وصل قمته في عام 1995، حينما بدأ الجانبان آنذاك تعاوناً، اعتبره البعض ضرباً من المستحيل، في مجال استكشاف وإنتاج النفط في السودان، لكن الجانبين نجحا في غاياتهما بإنتاج سوداني للنفط وصل إلى 375 ألف برميل في اليوم، كما نفذت الصين مشروعات أخرى زراعية وتجارية وغيرها.

لكن، وبعد انقسام السودان في 2011، وذهاب 72% من العائدات النفطية لصالح جنوب السودان، بدأت كرة العلاقات الاقتصادية بين السودان والصين، في التدحرج إلى الوراء، بعد أن فشلت الخرطوم، في سداد الديون الصينية المستحقة على البلاد والمقدرة ما بين 6 و8 مليارات دولار.

ويواجه اقتصاد السودان صعوبات منذ انفصال الجنوب في 2011، مستحوذا على ثلاثة أرباع إنتاج النفط، ليحرم الخرطوم من مصدر حيوي للعملة الصعبة. ولكن تأمل الخرطوم في مساهمة عودة ضخ نفط جوبا عبر أراضي السودان في حل الأزمة المالية، بالحصول على جزء من احتياجاته من الوقود، بالإضافة إلى رسوم الصادرات النفطية.

وتمر السودان حاليا بأزمة اقتصادية حادة، وضعف في السيولة، ونقص في العملة الأجنبية، ودفعت الأزمة الحكومة لاتخاذ قرارات لمعالجتها، في ظل مخاوف من تأثيرات سلبية لها على المواطن والأسواق، خاصة مع ارتفاع التضخم الذي وصل إلى مستوى قياسي؛ إذ بلغ، وفق إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي)، في أغسطس/آب الماضي، 66.88%، من 63.94% في يوليو/تموز السابق له.
المساهمون