السودان يبدي استعداده لتسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية

11 فبراير 2020
يُتهم البشير بارتكاب إبادة بدارفور عام 2003(أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
أعلنت الحكومة السودانية، اليوم الثلاثاء، أنها وافقت على مثول المطلوبين من رموز النظام السابق، وعلى رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير، أمام المحكمة الجنائية الدولية، من أجل تحقيق العدالة وتأكيد مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

وجاء الإعلان الحكومي عقب جولة من التفاوض في مدينة جوبا، بين الحكومة وحركات مسلحة في دارفور، وهي المفاوضات التي تبحث في تحقيق السلام في الإقليم.

وقال المتحدث الرسمي باسم وفد الحكومة، محمد حسن التعايشي، في تصريحات صحافية، إن المفاوضات ناقشت اليوم ورقة خاصة بتحقيق العدالة الانتقالية، واتفقت على أربعة محاور رئيسة لتحقيقها، أولها مثول الذين أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر قبض بحقهم، أمام المحكمة، مشيراً إلى أن الحكومة قبلت بهذا المحور، قناعة منها بأن تحقيق العدالة سيداوي جراحات الحرب وينصف الضحايا، وإيماناً منها قبل ذلك بمبدأ العدالة الذي رفعته الثورة السودانية، واحداً من شعاراتها.

وأكد أنه لن يكون هناك اتفاق سلام من دون تحقيق العدالة، مع وجود جرائم حرب وضد الإنسانية، ارتُكبت في حق أبرياء في دارفور ومناطق أخرى، معتبراً أن عدم مثول الذين صدرت بحقهم أوامر قبض أمام المحكمة الجنائية الدولية لن يحقق السلام.

ويقف البشير على رأس قائمة من أربعة من رموز النظام السابق، وجهت لهم المحكمة اتهامات بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية في دارفور، وأصدرت أوامر قبض بحقهم. وتشمل القائمة كذلك وزير الدفاع الأسبق، الفريق عبد الرحيم محمد حسين، ووزير الدولة في الداخلية الأسبق أحمد هارون، والقيادي القبلي علي كوشيب.

وأوضح التعايشي أن المحاور الثلاثة الأخرى لتحقيق العدالة في دارفور تشمل تكوين محكمة خاصة بجرائم دارفور، بما فيها الجرائم ضد الإنسانية، مهمتها التحقيق والمحاكمة في تلك الجرائم، إضافة إلى محور خاص بالعدالة التقليدية، ومحور الحقيقة والمصالحة.

وأشار إلى أن النقاش حول موضوع العدالة سيستكمل مساء اليوم، وإذا اكتمل بالاتفاق على بند خاص بالقضاء الوطني، وبند فرعي خاص بالمحكمة الخاصة، فسيطوي الطرفان صفحة ورقة العدالة الانتقالية، ومن ثم سيتم الانتقال إلى ورقة حول الأرض في إقليم دارفور.

ويواجه الرئيس السوداني المخلوع اتهامات بارتكاب إبادة جماعية، وجرائم حرب، وجرائم ضدّ الإنسانية، في الصراع الذي اندلع في إقليم دارفور عام 2003.

وقالت منظمة العفو الدولية، في تغريدة في وقت سابق اليوم، إنّها تتحقق من التقارير التي تحدثت عن أن السلطات الانتقالية في السودان وافقت على تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية. وأشارت في تغريدة عبر "تويتر" إلى أن ضحايا الفظائع التي ارتكبت في دارفور انتظروا هذه اللحظة لوقت طويل، لأن البشير كان هارباً من العدالة الدولية لأكثر من عشر سنوات.


من جهته، قال المحامي محمد الحسن الأمين، أحد محامي البشير لـ"رويترز" إن البشير يرفض التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية كونها "محكمة سياسية"، وإن القضاء السوداني قادر على التعامل مع أي قضية. وأضاف: "نحن نرفض دخول المحكمة الجنائية الدولية في هذا الأمر لأنها محكمة سياسية وليست عدلية، كما نرفض تدويل العدالة، ونعتقد أن القضاء السوداني لديه القدرة والرغبة للنظر في هذه الاتهامات".


حزب البشير يندّد
في غضون ذلك، دان حزب البشير، حزب "المؤتمر الوطني" المحلول، بشدة، موافقة الحكومة على تسليم البشير وبقية المطلوبين، للمحكمة الجنائية الدولية.

وقال الحزب على لسان، عضو الأمانة السياسية، عضو هيئة الدفاع عن البشير، الشيخ النذير الطيب لـ"العربي الجديد"، إن الموافقة التي أعلنتها الحكومة عبر مفاوضات جوبا تمثل قمة الانكسار للمجتمع الدولي، وتمريراً للأجندة الخارجية، ومحاولة لإهانة رئيس كسر هيبة المحكمة الجنائية منذ العام 2009، وفق قوله.

وأضاف الطيب، أن حزبهم سيقاوم تلك الخطوة بكل قوة، للحيلولة دون تنفيذها، محملاً مجلس السيادة وتحالف الحرية والتغيير المسؤولية، ومتهماً إياهما بتنفيذ الأجندة الخارجية، موضحاً أن الجرائم المزعومة التي تحدثت عنها المحكمة الجنائية الدولية تفترض مشاركة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو، في المحاكمة، سائلاً: "لماذا لا تتم محاكمتهما ولو حتى داخلياً؟"، خصوصاً وأنهما كانا ينفذان الجرائم ميدانياً.

وأوضح الطيب أنه كان بإمكان الحكومة وتحالفها السياسي محاكمة البشير داخلياً، وخصوصاً أن المحكمة تدخلت في السابق بزعم عدم الرغبة والقدرة في عهد البشير، وأن الحكومة الحالية، لو كانت راغبة وقادرة، فإن بإمكانها أن تحاكم المطلوبين داخل السودان، مشيراً إلى أن خطوة الموافقة على التسليم تُعدّ تخطياً لمقررات الاتحاد الأفريقي الذي توافق في أكثر من قمة، على عدم التعاون مع المحكمة، وعدم تسليمها أي مسؤول، مبيناً أن الحركات المتمردة في دارفور، والتي كسر البشير هيبتها، هي التي تشجع الآن على تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية انتقاماً منه.

وأكد أن تسليم البشير للمحكمة الدولية سيترك انعكاسات كبيرة على الواقع السياسي في البلاد، ولاسيما أن القضية لن تكون خاصة بالإسلاميين وحدهم، ولا أنصار "المؤتمر الوطني"، بل ستكون قضية كل القوى الوطنية الحريصة على سيادة البلاد.

وأعلن النائب العام السوداني تاج السر الحبر، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن بلاغ جنائي ضد البشير بشأن اتهامه بجرائم ضد الإنسانية في دارفور. وقال إن النيابة دوّنت بلاغاً جنائياً ضد البشير ووزير دفاعه الأسبق عبد الرحيم محمد حسين، والزعيم القبلي علي كوشيب، وجميعهم مطلوبون للمحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى متهمين آخرين يصل عددهم إلى أكثر من 51 متهماً، على خلفية الأحداث التي وقعت في الإقليم منذ عام 2003، والتي ذكر أنها "هزت كل الضمير العالمي"، مبينا أنهم اطلعوا على كل التقارير الدولية التي صدرت في هذا الشأن، "وأيا كان وجه الرأي، سواء كانت المحاكمة خارج أو داخل السودان، أو في أي دولة أخرى، لا بد من إجراءات تحرٍّ محترمة تستطيع تقديم المتهمين للمحكمة".