السودان في 2015: استمرار الصراعات من دون أفق للحل

29 ديسمبر 2014
نزوح كبير من مناطق الصراعات (فرانس برس)
+ الخط -

تدخل الحرب الأهلية في إقليم دارفور غربي السودان مع نهاية العام الحالي، عامها الثاني عشر، كما تصل الحرب في الجنوب السوداني الجديد (جنوب كردفان والنيل الأزرق) إلى عامها الرابع، من دون أن تظهر في الأفق بوادر لاتفاق سلام، على الرغم من استئناف المفاوضات بين الحكومة في الخرطوم والحركات المسلّحة (الحركة الشعبية قطاع الشمال والحركات المسلحة الدارفورية)، في أديس ابابا أخيراً لوضع حد لهذا الصراع.

وأسهمت هذه الصراعات في نزوح أعداد كبيرة من سكان تلك المناطق إلى معسكرات لجوء، قدّرتها مفوضية شؤون اللاجئين السودانية بمليونين و116 ألف نازح في إقليم دارفور، وُزّعوا بين 49 مجمّعاً ومعسكراً، و260 ألفاً آخرين في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، إضافة إلى أعداد كبيرة من السكان نزحوا باتجاه المدن السودانية والعاصمة الخرطوم، الأمر الذي أثّر في التركيبة السكانية وأدى إلى ظهور مجموعات جديدة في مناطق لم تكن جزءاً منها، فضلاً عن الحرب القبلية التي زادت وتيرتها خلال العام الحالي وقادت لنزوح الآلاف من مناطقهم.

الصراع الداخلي في السودان ترتّب عليه ظهور مجموعات سكانية جديدة، خصوصاً في إقليم دارفور الذي شهد هجرة أعداد كبيرة من سكانه بسبب الحرب الأهلية، الأمر الذي أثّر في التركيبة الديمغرافية في المنطقة. والأمر نفسه انسحب على منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.

ومع استمرار الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد عقب خروج إيرادات النفط عن موازنة الدولة بانفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة في العام 2011، ازدادت معدلات هجرة السودانيين إلى أكثر من أربعة ملايين سوداني وفقاً لإحصائية جهاز تنظيم المغتربين السودانيين، وهؤلاء يمثّلون المهاجرين الشرعيين بينما العدد الحقيقي يفوق ذلك إذا ما أضيف إليهم المهاجرون بطريقة غير شرعية.

وفي المقابل هناك هجرة عكسية من قبل الإثيوبيين والاريتريين إلى السودان، وبدأ وجود هؤلاء يصبح طاغياً في السودان، إذ يكاد لا يخلو حي سوداني منهم، كما أن بعضهم تصاهر مع السودانيين.

ووفقاً لتقديرات غير رسمية، فإن أعداد تلك المجموعات (الإريترية والإثيوبية) قد تخطت الخمسة ملايين شخص، أغلبهم دخل البلاد متسللاً واستقر فيها.

ويتخوّف مراقبون مع استمرار الهجرة السودانية، وازدياد لجوء الإثيوبيين والإريتريين إلى السودان، من أن يسهم ذلك في تغيير التركيبة السكانية في السودان بشكل كبير.

متغيّر آخر أدخل تحوّلاً في التركيبة السكانية في البلاد هو التعدين الأهلي، أي توجّه المواطنين للتنقيب عن الذهب بمبادرة منهم من دون تدخّل السلطات، والذي جذب أكثر من مليون سوداني وفقاً لتقديرات الحكومة الرسمية، انتشروا في 81 منطقة، بعضهم هجر منطقته الأصلية وكوّن مدناً وأسواقاً في مكان تمركزه الجديد.

حتى أن وزير الزراعة السوداني السابق عبدالحليم المتعافي، اشتكى من هجرة السودانيين داخلياً إلى مناطق التعدين وتركِهم للزراعة، الأمر الذي أحدث إشكالية حقيقية في تلك المناطق لأن العدد الكبير من النازحين أسهم في خلق مجموعة سكانية كبيرة في مكان واحد، ما قاد إلى ظهور كتلة بشرية في مناطق صحراوية لم تكن مسكونة في الأصل.

ويتوقّع مراقبون أن يشهد السودان تحولات كبيرة خلال العام 2015 في حال استمرار الحرب في إقليم دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وتمدّدها نحو مناطق أخرى، لا سيما في ظل انسداد أطر الحل السياسي بعد فشل مفاوضات الحكومة مع حركات دارفور و"الحركة الشعبية قطاع الشمال" للوصول إلى اتفاق سلام ينهي الحرب في الإقليم والمنطقتين، وإعلان السلطات الاستمرار في العمليات العسكرية ضد هذه الحركات.

كما أن تعثّر عملية الحوار الوطني وتمسّك النظام في الخرطوم بخوض الانتخابات العامة في أبريل/نيسان المقبل على الرغم من إعلان الأحزاب المعارضة مقاطعتها، سيزيد من تعقيد الوضع السوداني.

ويخشى مراقبون أن تقود تلك الحروب في نهاية المطاف إلى مطالبات بتقرير المصير أسوة بجنوب السودان، بعدما أدت نتائج الحرب فيه التي قاربت الثلاثين عاماً، إلى الانفصال، لا سيما بعد إعلان "الحركة الشعبية" عن مقترح بمنح منطقتي كردفان والنيل الأزرق حكماً ذاتياً، وبروز أصوات داخل الحركات المسلّحة تنادي بانفصال دارفور، على الرغم من أن تلك الخطوات تبدو بعيدة تماماً في الوقت الحالي.

ومع العام الجديد يُتوقّع تجدد الصراع بين السودان وجنوب السودان بشأن منطقة أبيي، والذي هدأ مع اندلاع الحرب الأهلية في دولة جنوب السودان في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، إذ يتمسك كل طرف بتبعية تلك المنطقة لدولته.

وكأن كل ذلك لم يكن كافياً للسودان، فاندلع أخيراً نزاع في جمهورية أفريقيا الوسطى بعد حرب مالي، أدّيا إلى نزوح أعداد كبيرة من سكان هذين البلدين إلى السودان، حتى أن بعضهم استوطن في دارفور واندمج في المجتمع.

كذلك نزح حوالي 200 ألف من مواطني جنوب السودان إلى الشمال، قبل أن يعود عدد كبير منهم إلى مناطقهم التي غادروها عقب الانفصال، خصوصاً أن الحكومة السودانية رفضت تصنيفهم كلاجئين وإقامة معسكرات لهم واعتبرتهم مواطنين.

ويتوقّع المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تزداد حركة النزوح خلال عام 2015، نتيجة لاستمرار الحرب في مناطق النزوح، إضافة إلى زيادة هجرة الإثيوبيين والإريتريين إلى السودان بحثاً عن عمل، باعتبار أن المشروع الرئيسي الذي يمكن أن يُحدث تغييراً في أديس ابابا (سد النهضة) لم يكتمل بعد.

ويؤكد أن تلك العوامل من شأنها أن تُحدث تغيرات في التركيبة السكانية في السودان، وتؤدي لظهور مجموعات جديدة في مناطق مختلفة.

المساهمون