"الخرطوم ليست كصنعاء". تلك كانت رسالة الرئيس السوداني، عمر البشير، إلى خصومه في الخرطوم وخارجها، حتى لا يرفعوا سقف توقّعاتهم بشأن التسوية السياسية التي يمكن أن يفرزها الحوار، وحجم التنازل الذي يمكن أن يقدّمه نظامه للدفع بعملية الحوار.
شكّلت هذه الرسالة صدمة للقوى السياسية المعارضة في السودان، لا سيما تلك المشاركة في الحوار، ومن بينها حزب "المؤتمر الشعبي"، بزعامة حسن الترابي، وحركة "الإصلاح الآن"، برئاسة غازي صلاح الدين، باعتبار أن التصريح يخالف ما سبق التوافق عليه في اتفاق أديس أبابا، الموقّع من وفد آلية السبعة الخاصة بالحوار، والتي تضم المعارضة الموافقة على الحوار والحكومة، مع الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي والجبهة الثورية، بشكل منفصل.
وكانت المفوضيّة القوميّة للانتخابات، أعلنت الأسبوع الماضي، الدوائر الجغرافيّة، والتي حدّدتها بـ213 مقعداً للتنافس عليها، من جملة مقاعد البرلمان القومي المكوّنة من 426 مقعداً. وتمثل الدوائر الجغرافيّة 50 في المئة من المقاعد، بينما تُمثّل المرأة بـ30 في المئة، والتمثيل النسبي بـ20 في المئة. وجاءت الخطوة تمهيداً لنشر السجل الانتخابي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ومن ثم انطلاق عمليّة الترشّح في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والعملية الانتخابية مطلع شهر أبريل/نيسان المقبل.
وأمام تصريحات البشير، وتمسّكه بتشكيل حكومة موسّعة من القوى السياسيّة لإدارة فترة الانتخابات، تؤكّد المعطيات أنّ الحزب الحاكم اتّخذ من قضية الحوار ذريعة لشلّ تفكير القوى المعارضة، حتى لا تُعدّ نفسها لمواجهته في الانتخابات المقبلة.
ويبدو أن النظام لعب على كافة الاحتمالات، وتحسّب لها، خصوصاً أنّ الاحداث التي وقعت في سبتمبر/أيلول الماضي، من تظاهرات خلّفت قتلى وجرحى، حتّى في صفوف مؤيدي الحزب الحاكم نفسه، وانعكس ذلك سلباً على الحزب نفسه، بعد انتقال مناطق بأكملها، من تأييد النظام إلى تأييد المعارضة، وكذلك قيادات وأفراد داخل النظام الحاكم نفسه.
وتوضح مصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحزب الحاكم، سبق وأن عرض على القوى السياسيّة المشاركة في الحوار، مقترح الحكومة الموسّعة ونظام المحاصصة، لضمان مشاركتها في الانتخابات المقبلة لإضفاء شرعيّة أكبر على العمليّة الانتخابيّة".
وتؤكّد المصادر ذاتها أنّ "الحزب ماض في الانتخابات العامة"، مشيرة إلى أنّ "النظام سيقود حملة دبلوماسيّة ضخمة، خلال الفترة المقبلة، لإضفاء تأييد دولي وإقليمي على خطوته، والحدّ من أي إدانات، عبر إبراز مخاطر الفراغ الدستوري وضرورة إجراء الانتخابات في وقتها، للحد من الفوضى التي يمكن أن تتنج عن ذلك الفراغ".
ومن المعروف أن الحزب الحاكم أكمل استعداده للعمليّة الانتخابيّة، وفرغ من عملية اختيار مرشحيه لمناصب رؤساء حكومات الولايات، إذ تقدّمت كل ولاية بخمسة مرشّحين، على أن يختار المكتب القيادي للحزب أحدهم ليكون مرشّحه.
كما يستعد الحزب الحاكم عقب عطلة عيد الأضحى، لاختيار مرشّحه لرئاسة الجمهورية، تمهيداً لرفع قائمته إلى المفوضيّة القومية للانتخابات، عند فتح باب الترشّح في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويقول القيادي في حزب "المؤتمر الشعبي" المعارض، أبوبكر عبد الرازق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "خطاب البشير يؤكّد أنه لا يزال مستبداً ومتمسكاً بالكرسي، وإن كان على أنقاض البلاد". ويضيف: "من ظنّوا به خيراً واهمون، وربما يتفاءلون بالمشيئة المطلقة لله سبحانه، لكن لا مؤشر في عالم الشهادة يدعو لذلك التفاؤل".
ويجزم عبد الرازق "بعدم موافقة أيّ من أحزاب المعارضة، سواء المشاركة أو الرافضة للحوار، على الانتخابات"، مشدداً على أنه "ليس هناك من يأتمن النظام على نتائج الانتخابات، باعتبار أنه رضع أساليب وأدوات التزوير". ويوضح أنّه "إذا كان الرئيس جاداً في عمليّة الحوار، فعليه الاعتذار للشعب السوداني عن خطابه الأخير، وإن لم يفعل، فعلى الأحزاب أن تتخذ منابر بديلة وتتناسى تلك الملهاة السياسيّة وتوحّد صفوفها في الداخل والخارج لإسقاط هذا النظام الفاسد".
ويسخر عبد الرازق من كلام البشير لناحية أنّ "الخرطوم ليست صنعاء". ويقول: "نعم الخرطوم ليست صنعاء، لكن من مكّن رئيس حركة "العدل والمساواة" خليل إبراهيم عام 2008 من دخول الخرطوم في وضح النهار، لن يعجز غيره من أن يفعل أكثر مما فعل، طالما أن الجبهة الداخلية في تمزّق والحكومة ما زالت في غيّها".
وفي سياق متّصل، يؤكّد نائب رئيس حركة "الإصلاح الآن"، فضل الله محمد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "حديث البشير بمثابة تراجع عن الوعود التي سبق والتزم بها، منذ خطاب الوثبة، الذي أطلقه في يناير/كانون الثاني"، ويضيف أن "خطاب البشير يعبر عن تناقض في موقف المؤتمر الوطني بشأن الحوار". ويتساءل: "إذا قبلنا أن ندخل انتخابات معروفة النتائج فلماذا الحوار إذن؟".
ويشير محمد إلى أنّ "إصرار البشير على إجراء الانتخابات يُعدّ رفضاً للحوار"، ويوضح أن "هذا يؤكد ما ذهبنا اليه، من أنّ النظام غير جاد في الدعوة إلى الحوار، وأراد بها كسب الوقت للوصول إلى الانتخابات".