يأتي ذلك في وقت كشفت فيه مصادر لـ"العربي الجديد"، عن حصول تقدّم في المفاوضات التي يجريها الوسيط الإثيوبي حالياً، مشيرة إلى أنّ المجلس العسكري وافق تقريباً على شروط المعارضة، متوقعة حصول اتفاق خلال 24 ساعة.
وتجمع مئات السودانيين في مدينة أم درمان، الواقعة على الضفة المقابلة للعاصمة الخرطوم على نهر النيل، اليوم، للاحتجاج على المجلس العسكري الحاكم، بعد يوم من مقتل سبعة أشخاص على الأقل.
وقطع ما لا يقل عن 600 شخص الطريق الرئيسي المؤدي إلى جسر النيل الأبيض الذي يربط أم درمان بالخرطوم، ونصبوا حواجز تحت أنظار قوات مكافحة الشغب.
وردد عشرات الأشخاص هتافات وهم يذرفون الدموع قرب الجثث المغطاة بالأعلام، من بينها "يسقط حكم العسكر" و"الدم قصاد الدم.. لن نقبل الدية".
وخرج مئات الآلاف إلى الشوارع في أنحاء السودان، أمس الأحد، لمطالبة الجيش بتسليم السلطة للمدنيين، في أكبر مظاهرات منذ عملية الفض الدامية التي قامت بها قوات الأمن لاعتصام في وسط الخرطوم قبل ثلاثة أسابيع.
وذكرت وكالة السودان للأنباء الرسمية أن الاشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن خلفت ما لا يقل عن سبعة قتلى، قبل أن تضاف إليها الجثث التي عثر عليها اليوم، و181 مصابا، بينهم 27 بذخيرة حية.
إلى ذلك، يتواصل الانتشار الأمني في العاصمة الخرطوم، بعد ما شهده أمس من تظاهرات في إطار مليونية الحراك للضغط على المجلس العسكري.
سياسياً، عقد اجتماع بين الوسيطين الإثيوبي والأفريقي، من جهة، مع كل من المجلس العسكري وقوى "إعلان الحرية والتغيير" من جهة أخرى، مقدمين مقترحاتهم للطرفين، علماً أن التواصل لا يزال مستمراً.
وبحسب معلومات "العربي الجدديد"، فقد حصل تقدم كبير في المفاوضات. ورجحت مصادر حصول اتفاق خلال 24 ساعة.
وأفادت المعلومات بأن المجلس العسكري قبل تقريباً بكل مقترحات الوساطة، ما عدا الرئاسة الدورية لمجلس السيادة الانتقالي، عارضاً اقتراحاً بأن يترأس "العسكري" المجلس السيادي لمدة عامين، على أن تترأسه شخصية مدنية لمدة عام واحد.
وفي وقت لاحق، قال مبعوث الاتحاد الأفريقي للسودان، محمد الحسن ود لبات، إن هناك تقدماً في جهود الوساطة الأفريقية الأثيوبية لتقريب الخلاف بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى "إعلان الحرية والتغيير".
وأضاف ود لبات في تصريحات مقتضبة بعد اجتماع جمع الوساطة بقوى "إعلان الحرية والتغيير" إنهم يواصلون التواصل مع الطرفين، معرباً عن أمله في التوصل إلى تفاهمات في القريب العاجل.
وحول مهلة الاتحاد الأفريقي للمجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين والتي انتهت أمس الأحد، قال ود لبات إنه ما دام هناك تقدم، فإنه ليس هناك شيء يدعو للقلق.
لكن مصادر في قوى "إعلان الحرية والتغيير" نفت حدوث تقدم، وأكدت لـ"العربي الجديد" أن المجلس العسكري ما زال في مواقفه المتمنعة، مشددة على أنها لن تتراجع عن أي اتفاق تم في السابق مع المجلس العسكري.
المهدي يدعو لتوحيد القوات المسلحة
إلى ذلك، قال زعيم المعارضة السودانية الصادق المهدي إن على البلاد تجنب التوترات بين قوات الدعم السريع المهيمنة على الأمن في العاصمة الخرطوم والجيش بأي ثمن، وإلا فإنها تخاطر بالمزيد من الاضطرابات.
ودعا المهدي، وهو شخصية بارزة في المشهد السياسي السوداني ورئيس وزراء سابق، نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، إلى دمج قوات الدعم السريع التي يقودها بالجيش لتعزيز الوحدة في صفوف القوات المسلحة.
وقال المهدي، الذي كان آخر رئيس وزراء منتخب ديمقراطيا في السودان، لوكالة "رويترز" في مقابلة، إنه يجب تسوية أي "توترات بين مجموعاتنا المسلحة سلميا".
وأوضح: "إما أن يحسمها الناس قتالا، وهو ما سيكون في غاية السوء للسودان، أو يقبلون بعملية مصالحة".
وأضاف المهدي: "على كل قوانا السياسية أن تركز على ضرورة تحاشي هذه الحرب الأهلية وكل أشكال الصراع التي يحتمل أن تحدث".
وأضاف، في المقابلة التي جرت في فيلته الفسيحة المحاطة بالحدائق في العاصمة، إن المعارضة طرحت فكرة دمج القوات على المجلس العسكري الانتقالي الذي يتولى إدارة شؤون البلاد منذ إطاحة الرئيس عمر حسن البشير في أعقاب احتجاجات أطلقت شرارتها أزمة اقتصادية.
ولا توجد بوادر على أن صراعا يلوح في الأفق بين قوات الدعم السريع والمؤسسة العسكرية. ولا توجد أيضا انقسامات ظاهرة بين حميدتي، نائب رئيس المجلس العسكري، ورئيسه الفريق عبد الفتاح البرهان، غير أن مهدي، الذي أطاحه البشير في عام 1989، قال إن السودان لا يتحمل المجازفة خلال فترة الاضطراب.
وذكر: "كل تفكيرنا سيتركز على تفادي هذا التطور الكارثي البادي في الأفق".
ويقول ساسة ومحللون وشخصيات معارضة إن الجيش لديه قوة نيران أكبر، غير أن المواجهة مع قوات الدعم السريع في العاصمة ستتسبب بخسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
وكان حميدتي قد أشار إلى أن لديه طموحات سياسية، وتكررت خطبه العلنية، ووعد بمستقبل مشرق للسودانيين من القصر الذي كان يشغله البشير. وقال المهدي: "إذا كان يتطلع لدور قيادي فسيكون مقبولا إذا أصبح مواطنا مدنيا، وإذا اتجه حينذاك إما لتشكيل حزب خاص به أو الانضمام لأي حزب يعتقد أنه أقرب إلى أفكاره".
وعلى النقيض من كثيرين من ضباط الجيش، لم يتخرج حميدتي من معهد عسكري. وكان صعوده السريع في عهد البشير قد أثار الاستياء.