استبقت المفوضية القومية للانتخابات في السودان تعديلات برلمانية يُنتظر أن تجرى على دستور البلاد في الخامس من يناير/كانون الثاني المقبل وتتعلق بطريقة اختيار حكام الولايات، باللجوء إلى تعديل جداول الانتخابات التي كانت قد أعلنتها في أغسطس/آب الماضي. وأجلت المفوضية العملية الانتخابية 11 يوماً، فضلاً عن تمديد مهلة تقديم الترشيحات لمنصب رئيس البلاد والبرلمانات القومية والولاية حتى 11 يناير المقبل بدلاً عن 31 ديسمبر/كانون الأول الحالي.
وكانت الحكومة السودانية قد دفعت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بجملة تعديلات دستورية إلى البرلمان، تتصل بتعيين حكام الولايات عبر رئيس الجمهورية بدلاً عن انتخابهم بواسطة الشعب، في محاولة للحد من الصدامات التي يمكن أن تنشأ إذا ما تم الإبقاء على النص الدستوري الذي يحدد اختيارهم عبر الانتخاب.
وقد برر حزب المؤتمر الوطني الحاكم الأسباب التي دفعته إلى تعديل الدستور بتفشي القبلية. وقد بدا ذلك واضحاً إبان المؤتمرات العامة التي عقدها الحزب لاختيار مرشحيه، إذ واجه صعوبات خلالها، ما أجبره في بعض الولايات على الدفع بخمسة مرشحين لكل ولاية لقيادة الحزب العليا على أن تختار أحدهم كمرشح وحيد للولاية المعنية، ما يفتح الباب أمام الآخرين للترشح كمستقلين. وهو الأمر الذي من شأنه أن يشتت أعضاء الحزب، ولا سيما في ولايات إقليم دارفور التي بدا الخلاف فيها واضحاً. كما يهدد هذا الأمر تماسك الحزب الحاكم نفسه.
وقد أثارت الخطوة جدلاً كثيفاً داخل الأوساط السودانية التي رأت فيها دليلاً على عدم حيادية المفوضية القومية للانتخابات التي يفترض أنها جهاز فني لا صلة لها بالقضايا السياسية، بما في ذلك التعديلات الدستورية.
ويرى المنتقدون للمفوضية أنه كان يفترض أن تمضي الأخيرة في تنفيذ جدولها المعلن للانتخابات بفتح باب الترشيحات في 31 ديسمبر الحالي من دون انتظار البرلمان الذي لم يُصادق على التعديلات حتى الآن لتقيده بالقانون الذي يحدد فترة ستين يوماً للمصادقة على أي تعديلات دستورية.
من جهتها، أقرّت المفوضية أنّ قرارها بتعديل جداول الانتخابات من ضمن أسبابه التعديلات الدستورية. وهو الأمر الذي دفع إلى مدّ عملية الاقتراع لتبدأ من تاريخ الثاني من أبريل/نيسان المقبل حتى الثالث عشر من الشهر نفسه. كما حددت المفوضية أسباباً إضافية لتعديل الجداول، تمثلت في السماح للأحزاب بفترة أطول لدراسة السجل الانتخابي الذي سُلّم لها السبت الماضي، فضلاً عن إتاحة الفرصة لها لدعم ترشيحاتها للدوائر والمناصب المختلفة، ولا سيما أن الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية يتطلب الحصول على توقيع 15 ألف مؤيد من 12 ولاية.
لكنّ خطوة المفوضية جاءت متسقة مع ما طالب به أعضاء من داخل اللجنة البرلمانية الطارئة التي تكونت للنظر في التعديلات الدستورية، والتي تضم في عضويتها النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية علي عثمان طه، ومساعد الرئيس السابق نافع علي نافع، وهما من صقور النظام الحالي. وكانت هذه الأصوات قد طالبت بتأجيل الانتخابات لفترة محدودة حتى يتسنى للبرلمان المصادقة على التعديلات في الخامس من يناير المقبل باعتبار أن جدول المفوضية الأول يتقاطع مع الخطوة، إذ حدد تاريخ 31 ديسمبر الجاري للدفع بالترشيحات لكافة المناصب بما فيها حكام الولايات.
ويعتبر القيادي في المؤتمر الشعبي أبوبكر عبد الرازق، أن قرار المفوضية غير قانوني. ويوضح القانوني السوداني في حديث إلى "العربي الجديد" أنه "لا يجوز إطلاقاً أن تقدم المفوضية على خطوة مخالفة للدستور. وكان عليها أن تعمل على تنفيذ ما أعلنته من جداول انتخابية من دون انتظار البرلمان".
ويرى عبد الرازق أنّ "الخطوة غير دستورية ويمكن الطعن فيها"، مؤكداً أنها تعزز الشكوك أيضاً في حيادية المفوضية.
من جهته، يعتبر القيادي في حركة "الإصلاح الآن"، أسامة توفيق، في حديث إلى "العربي الجديد" أن قرار المفوضية يؤكد أن هناك "تمازجاً تاماً بين كافة أجهزة الدولة، الأمر الذي قادنا منذ البداية للمطالبة بتأجيل الانتخابات لحين الاتفاق عليها داخل عملية الحوار الوطني ويجرى حولها نقاش لإجراء تغييرات تتصل بالمفوضية نفسها".
ويلفت توفيق إلى أنّ المفوضية "بخطوتها الاستباقية تؤكد أنها غير مؤهلة لقيادة انتخابات شفافة، وإنما تنفذ العملية وفقاً لما يطلبه الحزب الحاكم"، في إشارة إلى أن التعديلات يقف خلفها المؤتمر الوطني.
بدوره، يؤكد المحلل السياسي، خالد عبد العزيز، أن الخطوة تشكك في مهنية المفوضية باعتبار أن تحركها يفترض أن يتم عقب مصادقة البرلمان على التعديلات، ولا سيما أنه لا يوجد جهة خاطبت المفوضية رسمياً باتخاذ هذا القرار.
ويوضح عبد العزيز أنّ المفوضية عبارة عن جسم قانوني وليس سياسياً، مؤكداً أنها ستسبب في أزمة سياسية وتتيح الفرصة للمعارضة للتشكيك أكثر في عملها، ولا سيما أنها تنظر للمفوضية كجزء من النظام الحاكم.