السودان: العسكر يستكملون الانقلاب على الثورة

05 يونيو 2019
كانت شوارع الخرطوم خالية صباحاً (عمر إرديم/ الأناضول)
+ الخط -
استكمل المجلس العسكري الانتقالي في السودان أمس الثلاثاء انقلابه على الثورة التي أطاحت الرئيس عمر البشير، فبعد المجزرة التي ارتكبها أمس من الأول الإثنين من خلال فضّ الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم بالقوة واستخدام الرصاص الحي، ما أدى إلى مقتل 35 شخصاً وجرح المئات، أطلّ رئيسه عبد الفتاح البرهان، العائد من السعودية، فجر الثلاثاء، للإعلان عن باقي المخطط الانقلابي، بقرارات سياسية تلغي كل الاتفاقات مع قوى المعارضة لنقل الحكم إلى سلطة مدنية، والدعوة لإجراء انتخابات خلال تسعة أشهر، لن يكون المستفيد منها سوى النظام السابق ورموزه، لأنه الطرف الوحيد المنظّم والقادر على خوض هذه الانتخابات بعد تمسكه لثلاثين عاماً بالسلطة. وأرفق المجلس العسكري خطواته هذه بنشر قوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، المقرب من الإمارات والسعودية، في الشوارع لمنع أي تحرك للمعارضين، مع إبعاد الشرطة خصوصاً في الخرطوم، علماً أن قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات في دارفور وغيرها من المناطق هي من تولت فضّ اعتصام الخرطوم الإثنين.
في المقابل، فإن المعارضة التي أعلنت الإثنين العصيان المدني الشامل أكّدت رفضها خطة المجلس العسكري لإجراء انتخابات، متعهدة بالعمل على إسقاط "المجلس الانقلابي"، مع توقّعها أن تواجه تضييقاً إضافياً في الفترة المقبلة.

وبعد ساعات من قتل 35 شخصاً وجرح المئات، ألغى المجلس العسكري اتفاقاً على نقل السلطة كان قد أبرمه مع "قوى الحرية والتغيير". وأعلن البرهان في بيان بثّه التلفزيون الرسمي فجر الثلاثاء أن المجلس "قرّر وقف التفاوض مع تحالف الحرية والتغيير وإلغاء ما تمّ الاتفاق عليه، والدعوة إلى إجراء انتخابات عامّة في فترة لا تتجاوز التسعة أشهر (بدءاً) من الآن". واتهم البرهان "القوى السياسية التي تحاور المجلس العسكري بتحمل ذات المسؤولية في إطالة أمد التفاوض بمحاولة إقصاء القوى السياسية والقوى العسكرية والانفراد بحكم السودان لاستنساخ نظام شمولي آخر يُفرض فيه رأي واحد يفتقر للتوافق والتفويض الشعبي". وأعلن كذلك أنه سيتم تشكيل حكومة على الفور لإدارة البلاد لحين إجراء الانتخابات. وأبدى أسف المجلس على العنف وقال "إننا نعدكم بالتحقيق في أحداث الإثنين وندعو النيابة العامة لتولي ذلك الأمر". يُذكر أنه قبيل الحملة الأمنية، زار البرهان مصر والإمارات والسعودية.

ولم تتأخر المعارضة في إعلان رفضها لخطة المجلس العسكري إجراء انتخابات خلال تسعة أشهر. وقال القيادي في "تحالف الحرية والتغيير" مدني عباس مدني، بحسب وكالة "رويترز"، إن حملة العصيان المدني ستستمر لإطاحة المجلس، مضيفاً أن المعارضة ترفض كل ما ورد في بيان البرهان. وأضاف "ما حدث من قتل المتظاهرين وجرح وإهانة كان مسألة ممنهجة ومخططة لفرض القمع على الشعب".

من جهته، قال القيادي في "قوى الحرية والتغيير"، صديق يوسف، لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس العسكري وبعد أن ارتكب المجزرة ومواصلته ارتكاب المزيد من المجازر، كشف عن عدائه للثورة"، واصفاً المجلس بأنه امتداد لنظام البشير، مضيفاً "ليست أمامنا طريقة للتعامل معه غير مواصلة النضال بالطرق السلمية، وقد أعلنا الإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل". ولفت يوسف إلى أن "مجلس البرهان ظل خلال الشهرين الماضيين يعمل على تضليل الجماهير والانقضاض على الثورة ومصادرتها، وبالتالي يستحق أن يذهب كما البشير". وتوقّع أن يواجه الشعب و"قوى الحرية والتغيير" وأحزابها تضييقاً في الفترة المقبلة بالاعتقالات والقمع والمصادرة، مشدداً على أن "كل ذلك لن يخيفنا"، ساخراً من دعوة البرهان لإجراء انتخابات مبكرة.


أما القيادي في "قوى الإجماع الوطني"، وهي من مكوّنات "الحرية والتغيير"، محمد وداعة، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "بيان البرهان مرفوض جملة وتفصيلاً، وفيه إدانة للبرهان نفسه ويتناقض مع المشروعية التي أتت بالمجلس العسكري". وأضاف: "البرهان أسقط كل الاتفاقات، فيما تحدث بمشروعية الانتخابات، ولكن من أين سيأتي بالمشروعية التي سيحكم بها خلال الأشهر الانتقالية التسعة التي حددها؟". وعن مجزرة الاثنين، قال وداعة إن "البرهان لم يقل الحقيقة بل قام بتضليل الرأي العام"، مضيفاً "هو يعلم من تورط في المجزرة وهو متواطئ معه". وأعلن أنه "سيتم التعامل مع المجلس كمجلس انقلابي، ونحن أوقفنا التفاوض معه وسنعمل على إسقاطه".

وفي السياق، دعا تجمع المهنيين السودانيين إلى إجراء تحقيق دولي في قتل المحتجين الإثنين. وقال المتحدث باسم التجمع أمجد فريد إنه يرفض خطة المجلس العسكري لتشكيل لجنة تحقيق حكومية. كما حث التحالف الديمقراطي للمحامين "بعض الدول العربية" على عدم التدخل في الشؤون السودانية والتوقف عن دعم المجلس العسكري. وقال التحالف، وهو جزء من تجمع المهنيين، "نطلب من بعض الدول العربية كذلك أن تكفّ يدها عن السودان وعن مناصرة ودعم المجلس العسكري وتوطيد دعائم حكمه بغرض حفظه وحمايته لمصالحها الخاصة الضارة بالدولة السودانية ومواطنيها". وطالب أيضاً الحكومات الأجنبية باتخاذ موقف بشأن فض الاعتصام في الخرطوم الاثنين.

ميدانياً، وعلى الرغم من الانتشار الكثيف لعناصر "قوات الدعم السريع"، دعا المتظاهرون للمشاركة بصلاة عيد الفطر أمس، رداً على قرار إعلان السلطات الثلاثاء مكملاً لشهر شوال وتحديد يوم الأربعاء أول أيام عيد الفطر.
وصباحاً بدت الشوارع المحيطة بوسط العاصمة شبه مهجورة، إذ أغلقت العديد من الأسواق والمتاجر أبوابها في غياب تام تقريباً لوجود أي سيارات في الشوارع، في ظل انتشار كثيف لقوات الدعم السريع، مقابل غياب تام لعناصر الشرطة. وواجه المواطنون صعوبة في الحركة والتنقل بين الولايات وتحديداً من الخرطوم إلى خارجها. وبحسب "رويترز" جابت مركبات قوات الدعم السريع شوارع أم درمان على الضفة الأخرى من نهر النيل قبالة الخرطوم وأطلقت النار في الهواء. وشهدت حركة الملاحة الجوية إلى الخرطوم اضطرابات.

وفي وقت لاحق، تجمّع الآلاف خارج المساجد في عدة أحياء حول الخرطوم وأم درمان. وهتف بعض المصلين "الحرية والسلام والعدالة والحكومة المدنية خيار الشعب"، وفقاً لمقاطع مصورة على الإنترنت. وقال أحد سكان مدينة أم درمان لوكالة "فرانس برس": "تحاول قوات الدعم السريع فتح الشارع الرئيسي بإطلاق الرصاص الحي في الهواء. هذه العملية مستمرة منذ الصباح الباكر". فيما ذكرت لجنة أطباء السودان مساء أن إصابات سجلت بإطلاق النار عليهم في مدينة بحري.