ما إن يأتي سبتمبر/ أيلول من كل عام حتى تسترجع الطالبة السودانية أمل هجو ذكريات أليمة في تجربة الالتحاق بكلية الطب أو الصيدلة بإحدى الجامعات الكبرى في السودان. أمل درست طوال سنوات المرحلة الثانوية بجد واجتهاد، فبلغت نسبة تحصيلها الأكاديمي 99.3% وتربّعت بجدارة بين العشرة الأوائل على مستوى المملكة العربية السعودية، وما إن أعلنت النتيجة حتى ودّعت أسرتها وحزمت حقائبها عائدة إلى وطنها الأصل للالتحاق بكلية الطب في إحدى الجامعات الحكومية الكبرى في السودان، ولكن لم تجر الرياح بما تشتهيه سفن أمل وآلاف من زملائها السودانيين الذين نالوا شهاداتهم الثانوية في أحد البلاد العربية، فقد صدموا بجدار اسمه "المعادلة" خلفه جدار أشدّ قسوة اسمه "الكوتة".
المعادلة
درجت وزارة التعليم السودانية منذ عام 1984 على معادلة الشهادة الثانوية المتحصل عليها من الدول العربية بالشهادة الثانوية، وذلك بإنقاص تلك الشهادات بنسبة محددة كشرط للقبول في التعليم العالي السوداني. وتسرد أمل تجربتها مع المعادلة لـ"العربي الجديد": "جئت أحمل شهادة بنسبة 99.3% ولكن أمام ما يعرف بالمعادلة خصم منها 12% فأصبحت 87.3%، فأصبحت أمام أحد خيارين؛ إما التنازل عن رغبتي في التخصص الأكاديمي أو التوجه لجامعة خاصة برسوم دراسية باهظة، فاخترت الخيار الأول ودرست المختبرات الطبية، وللمفارقة لست نادمة على اختيار المختبرات".
أجرت وزارة التعليم تعديلات عدة على طريقة المعادلة خلال السنوات الثلاثين الماضية، في مايو/ أيار 2014، أصدرت وزارة التعليم تعديلاً جديداً في ما يخصّ معادلة الشهادة العربية، بحيث تحسب النسبة التنافسية لقبول طلاب الشهادة الثانوية العربية وفقاً للنسب 30% (الشهادة الثانوية المدرسية) و40% لاختبار التحصيل و30% لاختبار القدرات.
تخصص الحكومة السودانية بموجب اتفاق بين جهاز المغتربين ووزارة التعليم نسبة «كوتة» من المقاعد في الكليات العلمية، نسبة 5.97% لأبناء المغتربين للتنافس عليها، ويستمر هذا الاتفاق حتى 2020. يقول عثمان محمد الحسن، سوداني مقيم في الرياض، إن "نظام الحصة (الكوتة) أدى إلى تقليص عدد المقاعد المتاحة في الكليات المرغوبة مثل الطب والهندسة، كما أدى تطبيق نظام الكوتة إلى تقليل عدد المقبولين في الجامعات السودانية من طلاب الشهادة العربية"، وتصفها أمل هجو "بأنها تمنح الطلاب السودانيين العائدين عدداً من المقاعد مخجلاً".
يحكي قصي لـ"العربي الجديد"، وهو خريج جامعي، "التحقت بإحدى كليات القمة بجامعة الخرطوم قبل تطبيق نظام الكوتة، على أن أدفع الرسوم الدراسية بالدولار باعتباري أحمل شهادة عربية ولكن المفارقة ليست هنا، المفارقة أن أختي أحرزت نسبة أعلى من شهادتي الثانوية ولكن بحكم "الكوتة" لم تجد مقعداً في كلية الطب بجامعة الخرطوم".
تشير إحصاءات وزارة التعليم السودانية إلى أن عدد المتقدمين للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي بالبلاد من الدول العربية والأجنبية لهذا عام بلغ 3619 طالباً وطالبة. تؤكد الوزارة أن هناك زيادة نسبية جيدة في العامين الأخيرين في فرص القبول بكليات الطب والهندسة مقارنة بالأعوام السابقة، وتضرب مثلاً بأنه تم قبول نحو 174 في عام 2016 بكليات الطب، بدلاً من 95 طالباً في عام 2013، وأن عدد الطلاب في كليات طب الأسنان ارتفع من 6 في عام 2013 إلى 12 في عام 2016، علماً بأن في السودان أكثر من عشرين جامعة حكومية وتوجد بها كليات للطب.
الاغتراب مجدداً
ينبّه طه محمد الحسين لـ"العربي الجديد"، "إن الأسر السودانية في دول الاغتراب أصبحت تفضّل إرسال أولادها إلى دول أخرى للدراسة بها عن التقديم للجامعات السودانية التي أصبحت فرصة الحصول على مقعد لدراسة الطب فيها مثلاً لأبناء المغتربين نادرة جداً، ولهذا لا تشير أعداد المتقدمين على الرغم من ضخامتها إلى العدد الحقيقي لأبناء المغتربين الذين في سن الالتحاق بالجامعة".