السودان: البشير يستعدّ لولاية جديدة

29 أكتوبر 2014
يُعتبر البشير من الرؤساء المثيرين للجدل داخلياً وخارجياً (فرانس/برس)
+ الخط -

بعد إكماله ربع قرن في الحكم، يتّجه الرئيس السوداني عمر البشير، لبدء مرحلة جديدة في الحكم، قوامها خمس سنوات على الأقلّ، في ظلّ غياب منافسة حقيقية في الانتخابات المقبلة. ويجعل إعلان كافة أحزاب المعارضة مقاطعتها، بما فيها أحزاب المعارضة التي وافقت على الحوار الوطني، بناء على دعوة الحكومة في يناير/كانون الثاني الماضي، وأبرزها حركة "الإصلاح الآن"، بقيادة غازي صلاح الدين، وحزب "المؤتمر الشعبي" بزعامة حسن الترابي، فوز البشير بولاية رئاسيّة جديدة، أمراً محسوماً.

حملت الصدفة البشير، المولود عام 1944، ليتقلّد منصب رئيس الجمهوريّة، إبّان الانقلاب العسكري الذي نفّذته "الحركة الإسلاميّة" بزعامة حسن الترابي حينها. مع بداية الترتيب للانقلاب، لم يكن العميد عمر البشير، ضمن الخيارات الرئاسيّة، التي كانت محصورة بأربع شخصيّات عسكريّة، أوّلها اللواء المهندس الطيار، محمد المرضي مأمون، لكنّ إحالته للتقاعد قبل اكتمال عمليّة الانقلاب أبعده تماماً، وهو ما جرى أيضاً مع اللواء محمد بابكر الذي كان الخيار الثاني. وبعد مقتل العقيد الطيار مختار محمدين في إحدى العمليات العسكريّة، إبّان الحرب الأهليّة مع جنوبي البلاد، لم يبقَ إلا الخيار الرابع، العميد عثمان أحمد حسن. لكنّ تردّد الأخير واقتراحه ألا تظهر الحركة الإسلاميّة وأن يصبح الانقلاب عسكرياً فقط، أدى إلى استبعاده، علماً أنّه أوّل من أسّس خليّة إسلاميّة داخل الجيش آنذاك. ووقع الاختيار بعدها على البشير، الذي كان أقلّ رتبة، على الرغم من تحاشي الحركة الإسلامية وقتها اختيار أي من المشاة لتقلّد ذاك المنصب الحساس، باعتبار أن الضبّاط المشاة عادة ما يكونون أكثر عصبيّة للجيش، منهم للحركة الإسلاميّة.
وكان البشير قد جُنّد للحركة الإسلامية، منذ أن كان في الثانوي، لكنّه تركها ودخل الجيش كمستقل، لكنّ نشأته في بيت إسلامي، عزّز اختياره لدى الحركة. تخرّج البشير من الكلية الحربيّة عام 1967، ونال درجة الماجستير في العلوم العسكريّة، من كليّة القادة والأركان، وأخرى من جامعة ماليزيا في العامين 1981 و1983.
ويُعتبر البشير من الرؤساء المثيرين للجدل، داخلياً وخارجياً، وهو أوّل رئيس دولة، تصدر المحكمة الجنائيّة الدوليّة بحقّه، مذكّرة توقيف بارتكاب جرائم حرب في دارفور، وهو في سدّة الحكم، في يوليو/تموز 2008.

وتحفل عهود البشير المتتالية بمحطات عدّة، إذ اشتعلت خلالها الحرب في إقليم دافور وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة إلى حرب شرقي السودان، التي نجح في الوصول إلى اتفاق سلام بشأنها، مع القوة التي حملت السلاح ضدّه، وتُعرف "باتفاق أسمرا".

ووقع البشير، خلال خمسة وعشرين عاماً، حكم فيها السودان على أكثر من 9 اتفاقيات سلام، أهمها اتفاقيّة السلام الشامل التي وقّعها مع "الحركة الشعبيّة"، بزعامة الراحل جون قرنق وأنهت حرباً أهلية بين الشمال والجنوب استمرت لـ21 عاماً، ونتج عنها انفصال جنوبي السودان وتكوين دولته المستقلّة عام 2011. كما وقّع عدداً من اتفاقيات السلام مع الفصائل الدارفورية، أهمها اتفاق أبوجا، مع حركة "تحرير السودان"، بقيادة مني أركو مناوي، وفصائل أخرى، لكنّها سرعان ما انهارت وعادت الحركة إلى مربع الحرب الأول.

ولعبت حكومة البشير دوراً محورياً في تغيير حكومات دول الجوار، إذ ساهمت بشكل مباشر في إيصال رؤساء تشاد، إدريس دبي، وإريتريا أسياس أفورقي، ورئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ملس زنياوي، إلى سدّة الحكم. وشهدت علاقات السودان مع تلك البلدان، خلال الخمسة والعشرين عاماً، حالة من المدّ والجزر والقطيعة فالعداوة، بموازاة تراجع علاقات البلاد الخارجيّة مع عدد من الدول العربيّة والأفريقيّة. كما وقعت قطيعة شبه كاملة مع الدول الغربيّة، خصوصاً الولايات المتحدة، التي فرضت على الخرطوم حصاراً اقتصادياً، عبر إقرار عقوبات اقتصاديّة جدّدتها، الجمعة الماضية، عدا عن إدراج السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب.
وفي عهد البشير أيضاً، ساءت علاقات الخرطوم والقاهرة، خصوصاً بعد حادثة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في أوائل التسعينيات واتهم السودان بتنفيذها. وأعدم، خلال سنوات البشير الأولى، 28 ضابطاً، لاتهامهم بتدبير محاولة انقلابيّة، ولا تزال أسر الضحايا، حتى اليوم، يحيون ذكراهم ويطالبون الحكومة بإعلامهم عن أماكن دفنهم.

ويتحدّر البشير من قبيلة البديرية الدهمشية، وهي إحدى القبائل العربيّة التي تقطن في شمالي السودان وكردفان، وهو متزوّج من اثنتين، إحداهما ابنة عمّه والأخرى أرملة زميله في مجلس قيادة الثورة إبراهيم شمس الدين، الذي قُتل في حادثة طيران، وشاركه في حرب العبور، ضمن الجيش العربي المصري ضد إسرائيل 1973.
ويؤخذ على الرئيس البشير، أنّه للمرة الأولى منذ الاستعمار، تطأ قوات أجنبيّة أرض السودان، بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، الذي أصدر القرار 61 ضدّ الخرطوم.
واتبع البشير طيلة سنوات حكمه سياسة في مجال الحكم الاتحادي، أفضت إلى ظهور تكتّلات جهويّة وعرقيّة بشكل غير مسبوق في البلاد، عانى منها الحزب الحاكم نفسه. كما تحوّلت مؤسّسات الخدمة العامة في الدولة إلى مؤسّسات حزبيّة بدعاوى التمكين والإحالة للصالح العام، الأمر الذي انعكس على قومية الخدمة وكفاءتها ومهنيّتها، باعتبار أنّ الاختيار يجري على أساس الولاء للحزب الحاكم.

في المقابل، لا يمكن إنكار جملة إنجازات، تحقّقت خلال حكم البشير، أهمها استخراج وتصدير البترول، الذي قلب الموازين السياسيّة والاقتصاديّة في البلاد، إلى جانب الزيادة الكميّة والنوعيّة في ما يتصل بالتعليم العام والعالي، وقطاعات الاتصالات والكهرباء. لكنّ هناك من يرى في ذلك تطوراً طبيعياً للحياة، ويأخذون في مجال التعليم الاعتماد على الكمّ على حساب النوع، ما أدّى إلى تدهور المستوى الأكاديمي.
وقاد تركيز الحكومة على البترول إلى إغفال اهتمامها بالقطاعات الأخرى، الزراعيّة والحيوانيّة التي يعمل فيها 80 في المائة من سكان البلاد، الأمر الذي ترتّبت عليه زيادة نسب الفقر.
ويلخّص البشير في حوار صحافي سابق، لمجلة "الوطن العربي"، بداية تسلّمه للحكم بقوله: "عندما استلمنا السلطة، وعقدنا الاجتماع الأوّل، لنعرف الإمكانات الموجودة، وجدنا الخزينة خاوية، والبترول منعدماً، والدقيق يكفي لمدة أيام قليلة فقط، والسيارات تنتظر أكثر من يوم للحصول على الوقود، والأسر تنام في الأفران للحصول على الخبز"، قبل أن يضيف: "كل شيء كان معدوماً".