وقفت حواء، وهي أم لـ7 أطفال، في صف طويل للخبز، منذ الفجر، وحتى السابعة صباحاً، وحينما جاء دورها، اكتشفت حواء الذي تعيش بولاية جنوب دارفور، أن المبلغ الذي تحمله والذي كان قبل يوم واحد يكفيها لشراء 20 قطعة من الخبز، لا يكفيها اليوم لشراء الكمية ذاتها التي تحتاجها أسرتها، ذلك لأن صاحب المخبز وجد نفسه مضطرا لبيع الوحدة من الخبز بجنيه ونصف، بعد أن كانت بجنيه فقط.
الزيادة في أسعار الخبز التي ضربت بعض الولايات، لم تشمل حتى الآن ولاية الخرطوم، لكن سلعا أخرى ضرورية زادت أسعارها وبنسبة كبيرة، حيث بات الغلاء يطحن السودانيين، بسبب الهبوط المتتالي لقيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأخرى خاصة الدولار والذي وصل اليوم إلى 43 جنيها، بعدما كان في بداية العام الحالي في حدود 20 جنيهاً.
وفي جولة لـ"العربي الجديد" في السوق العربي، وسط الخرطوم، تبين أن سعر دقيق الخبز والذي يشهد ندرة وشحا كبيرين قفز من 540 جنيها للجوال إلى 560 جنيها، وهو أمر يعزوه تجار تحدثنا معهم لاستمرار الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي عن مصانع وشركات طحن القمح لفترة تمتد لـ14 ساعة في اليوم، فضلا عن ندرة وقود الجازولين لتشغيل المولدات الكهربائية بتلك المصانع للاستعانة بها عند انقطاع الإمداد.
وفي السياق ذاته، قفزت تبعا لزيادة أسعار الدقيق أسعار المنتجات الاستهلاكية التي يدخل في صناعتها مثل المكرونة والشعيرية وغيرها، حيث ارتفع سعر الكرتونة لكل منها من 214 جنيها إلى 265 جنيها، فضلا عن ارتفاع العبوات الصغرى من الدقيق حيث قفز سعر دقيق شركة سيقا من 200 جنيها إلى 223 جنيها للعبوة زنة 10 كيلوغرامات، وقفز سعر الكلغ الواحد إلى 25 جنيها بدلا عن20 جنيها.
ولا تزال أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء وبيض المائدة تشهد ثباتا في ارتفاعها الذي وصلت إليه في يونيو/ حزيران الماضي والذي استمر حتى الآن رغم دعوة جمعية حماية المستهلك لتمديد حملة مقاطعة اللحوم بأنواعها حتى عيد الأضحى المبارك المقبل.
ولم تسلم سلعة غاز الطهي من موجة الزيادات العاتية، حيث ارتفع سعر أسطوانة الغاز زنة 12.5 كلغ من سعرها الرسمي للمستهلك والبالغ 140 جنيها إلى 250 جنيها في السوق السوداء، بينما قفز سعر عبوة الغاز زنة 15.5 كيلوغراما من 180 جنيها إلى 350 جنيها.
وجاءت الزيادات الحالية من تداعيات إغلاق مصفاة الخرطوم الرئيسية للصيانة بداية مارس/ آذار الماضي، والتي أدت لأزمة في الوقود، انعكست بدورها على كافة القطاعات الحيوية بزيادة رسوم نقل البضائع من مناطق الإنتاج لمناطق الاستهلاك وزيادة أسعار السلع للمستهلك الأخير.
وعمدت الكثير من الشركات والمصانع إلى التوقف عن طرح منتجاتها بالأسواق لخلق ندرة في السلع ومن ثم زيادة أسعارها لتعاود طرحها مرة أخرى للبيع بأسعار جديدة.
وطاول ماراثون الزيادات المتصاعدة كذلك مواد البناء، حيث ارتفع سعر طن الإسمنت من 5.5 آلاف جنيه إلى 7.5 آلاف جنيه، كما ارتفع سعر طن حديد التسليح من 35 ألف جنيه إلى 37 ألفا.
وأكدت مصادر موثوقة لـ"العربي الجديد"، أن الزيادات في حديد التسليح والإسمنت سببها اتفاق سري بين المصانع وكبار التجار ووكلاء التوزيع على تقليل الكميات المطروحة في الأسواق وإعادة طرحها لزيادة السعر تحقيقا للربحية السريعة للطرفين.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء قد أشار لارتفاع معدل التضخم في البلاد في يونيو/حزيران الماضي إلى 63.86%، مقارنة بـ60.93% في مايو/أيار الماضي لارتفاع مجموعة الملابس والأحذية بمناسبة عيد الفطر وبدء العام الدراسي الجديد الذي أدى لارتفاع مجموعة التعليم خاصةً المراحل الثانوية.
وقد قدرت دراسة أخيرة لمكتب النقابات المركزي التابع للحزب الشيوعي السوداني ارتفاع تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من 5 أفراد إلى 13 ألف جنيه شهرياً.
وأوضحت الدراسة أن التكاليف المرصودة لم تشمل احتياجات مهمة، مثل صيانة المنزل والأثاث والاتصالات والتثقيف والترفيه والمجاملات الاجتماعية واحتياجات غذائية.
وارتفعت تكاليف المعيشة، بحسب الدراسة، في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2017 ويناير/كانون الثاني 2018 بأكثر من 4 آلاف جنيه، أي بنسبة 15.7%، بينما ظل الحد الأدنى للأجور ثابتا عند 425 جنيها، وهو لا يغطي سوى 3.1% فقط من كلفة معيشة الأسرة المكونة من 5 أشخاص.
وارتفعت تكاليف المعيشة، بحسب الدراسة، في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2017 ويناير/كانون الثاني 2018 بأكثر من 4 آلاف جنيه، أي بنسبة 15.7%، بينما ظل الحد الأدنى للأجور ثابتا عند 425 جنيها، وهو لا يغطي سوى 3.1% فقط من كلفة معيشة الأسرة المكونة من 5 أشخاص.
وساهم البرنامج الحكومي لموازنة العام المالي الحالي كثيراً في الارتفاع المضطرد في أسعار السلع والغلاء المعيشي، بزيادته رسوم الدولار الجمركي الذي رفع تلقائيا أسعار كافة السلع الاستهلاكية المستوردة، وزيادة السعر التأشيري للدولار الرسمي من 7 جنيهات إلى 28 جنيها وزيادة رسوم الخدمات، وغيرها من الإجراءات الاقتصادية التي أقرها البرنامج.
وكان مراقبون قد وصفوا لـ"العربي الجديد"، المعالجات التي تنتهجها الحكومة للسيطرة على غلاء المعيشة من خلال افتتاح أسواق ومنافذ بيع مخفضة وتعاونيات بالمؤسسات والوحدات الحكومية، بأنها ضعيفة ولا تسهم في حل المشكلة جذريا.