أزمة القمح تتجدد في السودان. مخزون هذه السلعة الحيوية يتناقص. الانعكاس واضح في عيون المواطنين: القلق. الكل يتوقع تزايد المشكلات المعيشية. السودانيون يلجؤون إلى شراء كميات كبيرة من الدقيق لتخزينه. وتوقعات واسعة النطاق بأن يدخل رغيف الفقراء في بورصة السوق السوداء.
مديرة المخزون الاستراتيجي، إنعام هاشم، أكدت في تصريحات إعلامية محلية أن المخزون الاستراتيجي لسلعة القمح، يكفي لأسابيع، وتحديداً حتى 25 يناير/ كانون الثاني الحالي. لكنها رأت أنه لا توجد مشكلة في دقيق الخبز بالوقت الحالي، وأن وزارة المالية ملتزمة بتسليم جميع حصص الدقيق للعاصمة والولايات.
واعتبر مراقبون في أحاديث مع "العربي الجديد" أن توافر السلع الاستراتيجية في البلاد غير مطمئن. وأرجعوا نقصها إلى قلة النقد الأجنبي وعدم وجود استراتيجية حكومية واضحة في ما يتعلق بتأمين حاجيات الناس. وقالوا إن السلع الاستراتيجية لا تتحمل المغامرات، لأن إجراءات الاستيراد معقدة وإذا لم توفر الحكومة احتياطياً على مدى ثلاثة شهور فستكون ردة الفعل سلبية على المواطن. وشدد بعضهم على أن استيراد السلع أصبح عبئا على ميزانية الدولة التي تتحمل معظم القيمة المدفوعة من عملية الاستيراد، خاصة أن القمح يستحوذ على النصيب الأكبر من قيمة مخصصات الدعم.
اقــرأ أيضاً
لكن مصدرا مطلعا في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي قال لـ "العربي الجديد"، إن الحكومة عبر شركة "الفاخر" تسلمت مقدما 28 مليون دولار وحولتها لشراء القمح لتفادي حدوث نقص في إمداد السوق، بالتالي لن تحدث أزمة في الخبز. وأكد المصدر أن شراء الدقيق يتم عادة كمعالجة سريعة لتجنب حدوث ندرة، لافتاً إلى أن حصاد القمح المحلي سيبدأ بعد شهرين.
الاقتصادي ابراهيم الزين طالب وزارة المالية بتدابير عاجلة لمعالجة المشكلة في قطاع المطاحن وإزالة العقبات التي تعترض استيراد القمح وإيجاد الحل المناسب لتأمين استمرارية مد الأسواق بهذه السلعة وتوفير حاجة البلاد من مادة أساسية كالقمح.
ورأى أن الحكومات المتعاقبة أعادت شراء محصول القمح الذي يعد إحدى السلع الاستراتيجية، من المزارعين المحليين بأسعار تفضيلية عن تلك المطروحة في السوق. وطالب بإنشاء برنامج فعال لتأمين الاحتياط والتخزين الاستراتيجي للأغذية وبناء خطة استراتيجية في الاستثمار الزراعي. وقال إنه في حال لم تنجح كل الخطط والبرامج، فإن القمح سيستخدم كوسيلة للضغط السياسي من قبل الدول المصدرة. لكنه رأى أهمية اتباع سياسات زراعية محلية مستدامة تدعم المنتج الزراعي بأسعار مشجعة وتساعده على استخدام التقنيات الحديثة في الري وتطوير أنواع البذور المحسنة.
وقال الزين إن الفجوة الغذائية من القمح هي التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة السودانية منذ فترة نظراً للعبء الواقع على ميزانية الدولة نتيجة لعملية استيراد القمح. حيث تتحمل الدولة معظم القيمة المدفوعة من عملية الاستيراد خاصة وأن القمح يستحوذ على النصيب الأكبر من قيمة مخصصات الدعم. وشدد على تحول السودان إلى دولة مستوردة لأغلب الحبوب والمواد الغذائية، مما تسبب في تزايد وتعميق الفجوة الغذائية.
لكن الخبير الزراعي محمد النور لفت إلى أن نفاد مخزون القمح مشكلة اقتصادية معقدة ويجب على الدولة ألا تنتظر حتى يكون استخدام كامل الاحتياطي لتتحرك. وقال إن هذه أول مرة يصل فيها المخزون إلى هذه الكمية القليلة، بالتالي السلع الاستراتيجية لا تتحمل مثل هذه الأزمات لأن إجراءات الاستيراد معقدة ويجب ألا يقل الاحتياطي عن ثلاثة أشهر. وأضاف أن هذا سيكون له أثر سلبي على الوضع الاقتصادي في البلاد ويجعل المواطنين يقبلون نحو شراء كميات كبيرة من الدقيق فيتمّ خلق طلب عالٍ على القمح، ما يزيد من حجم الطلب في مقابل قلة المعروض. وأشار إلى أنه حتى الآن هنالك بطء في الإجراءات الاقتصادية تحديداً.
وأكد أن ملف الاقتصاد الداخلي في السلع الاستراتيجية لم تتم معالجة أي جزئية منها، والحكومة لم تنجز أي شيء حتى الآن لتحسين مستوى المعيشة واستقرار سعر الصرف، ولا توجد حلول مبتكرة من قبل القطاع الاقتصادي بل ظلت وزارة المالية تصر على رفع الدعم دون حلول جدية للأزمة. وأضاف أنه إذا حدث شح في السلع الاستراتيجية ربما تحدث أزمة اقتصادية كبيرة ويمكن أن يباع الخبز في السوق السوداء بأسعار مضاعفة. كما أنه إذا حدث شح يزداد الموقف صعوبة على المواطن بصورة كبيرة، فالمطلوب إلغاء فكرة رفع الدعم تماما والتي ظلت مسيطرة على عقل المسؤولين طوال الفترات الماضية.
اقــرأ أيضاً
وسبق لوزارة المالية أن أعلنت قبل أربعة شهور عن توفير كميات من القمح تكفي البلاد لستة أشهر، وقالت على لسان وكيلها السابق عبد المنعم محمد إن وزارته وفرت 6410 أطنان أي ما يعادل 100 ألف جوال قمح يوميا يتم توزيعها على العاصمة الخرطوم والولايات بعد أن يتم طحنها في المطاحن.
وأشارت تقارير أداء موازنة العام المالي 2019 إلى التزام وزارة المالية بتوفير حاجة البلاد من القمح حتى التاسع من فبراير/ شباط من العام 2020. ولكن قبل أن تعرض موازنة 2020 في مجلس الوزراء، قالت الحكومة الانتقالية إنها تتعاطى بشفافية عالية في تصريحاتها وإفصاحها عن حجم احتياطي النقد الأجنبي المتوافر لدى "بنك السودان المركزي" من أجل تمويل شراء السلع الضرورية للمواطنين، كالقمح والأدوية. وأدلى وزير المالية إبراهيم البدوي بتصريحات عن امتلاك البلاد احتياطيات تكفي تمويل الواردات لعدة أسابيع فقط، وشكك في قدرة وزارته على توفير السلع الاستراتيجية.
وبحسب إحصائيات حكومية سابقة، فإن قيمة دعم القمح تصل إلى 365 مليون دولار سنوياً، إلا أن دراسة أعدتها لجنة الإسناد والمراقبة لمكافحة غلاء المعيشة قالت إن السودان يحتاج سنوياً إلى 216 ألف طن من الدقيق أي ما يعادل 67 مليون دولار.
ورغم الزيادة الكبيرة في بند اعتماد دعم القمح بموازنة العام الماضي والذي وصل إلى أكثر من 960 ألف جنيه بدلا من المعتمد البالغ 600 ألف جنيه، إلا أن الدراسة ذاتها أكدت أن عدد سكان ولاية الخرطوم البالغ 7 ملايين نسمة يستهلكون حوالي 30 مليون رغيف يوميا بما يعادل 40 ألف جوال دقيق، الأمر الذي يعقد الأمور كثيرا.
اقــرأ أيضاً
ورغم أن وكيل وزارة الزراعة السابق بابكر عثمان قال إن وزارته رفعت السعر التركيزي لجوال القمح للموسم الزراعي 2019 من 1800 إلى 2500 جنيه، وذلك وفقا لدراسة قام بها الخبراء الزراعيون ليكون مشجعا للمنتجين والتوسع في هذا المحصول الاستراتيجي وتحقيق الأمن الغذائي وتمزيق فاتورة القمح والدقيق، إلا أن مزارعي القمح شكوا من تعدد الرسوم والجبايات المفروضة على المزارع إضافة إلى تعقيدات مدخلات الإنتاج ومشاكل الري في الفترة الشتوية.
ورصدت الحكومة السابقة أموالا كثيرة لمشروع توطين القمح وكانت الخطة واضحة وهي خفض فاتورة استيراد القمح، ولكن من خلال التقييم اتضح أن المشروع لم يحقق الأهداف المرجوة منه. وطالبت قيادات زراعية أكثر من مرة بإعادة النظر بالمشروع ، نظرًا لأن المشكلات التي تعيق عمليات الإنتاج ما زالت قائمة، ولا يزال السودان يستورد نحو مليوني طن من القمح، والإنتاج المحلي لا يتجاوز نصف مليون طن في أفضل حالاته.
واعترف عبد الجبار حسين الأمين العام لمشروع النهضة الزراعية، بأن برنامج توطين القمح فشل بسبب خلافات بين وزراء بشأن دعم القمح. وأوضح أن كمية القمح المخطط إنتاجها خلال فترة البرنامج كانت 10.2 ملايين طن لم ينتج منها 1.9 مليون طن فقط وأن نسبة الأداء لم تتجاوز 19%. فيما أكد توقف الاهتمام بالقمح كمحصول استراتيجي من العام 2013 حتى 2017.
اقــرأ أيضاً
وبينما تتذرع حكومة السودان وتحاول تبرير فشل المشروعات الحكومية الكبرى في إنتاج القمح رغم رصد الأموال الطائلة لها، فوجئ السودانيون بتلال القمح التي أنتجها مشروع الراجحي المملوك لرجل الأعمال السعودي سليمان الراجحي في الولاية الشمالية تجاوز إنتاج الفدان الواحد بمشروعه الخاص نحو 30 جوال قمح، داحضا كل التبريرات التي تتذرع بها الحكومة السودانية واتحادات المزارعين. فالأرض هي الأرض ذاتها، والمياه هي ذاتها، والمناخ هو ذاته الذي قال عنه الرئيس السابق البشير ذات يوم "مناخ السودان غير صالح لزراعة القمح".
وكان الإنتاج الوفير قد أحرج وزارة الزراعة، والأجسام الإدارية المترهلة التي أثقلت كاهل المواطن البسيط بأعبائها المالية المتزايدة. فإنتاج الفدان من القمح لم يزد على 15 جوالا في مشروعات الجزيرة ونهر النيل بل أن بعض المشروعات أنتج فيها الفدان نحو 7 جوالات فقط.
وتدهور القطاع الزراعي في السودان بما فيه إنتاج القمح لم يكن بسبب العوائق بل أن هناك ما هو أخطر من ندرة الوقود وتدهور قيمة العملة الوطنية.
فالعائق الأكبر يكمن، وفق الخبراء، في الرسوم الباهظة التي تتفنن الحكومة السودانية في تطبيقها على المزارعين وصغار المنتجين مما جعل الكثير منهم يعزف عن النشاط الزراعي ويتجه إلى التجارة وممارسة الأنشطة السهلة التي تدر عليه دخلًا دون مخاطر الخسارة. ولا يستطيع المزارع الاستمرار في العملية الإنتاجية في ظل الضرائب والرسوم المفروضة عليهم، وأكد أن عشرات المزارعين دخلوا السجون بسبب الإعسار وعجزهم عن سداد التمويل الذي أخذوه من البنوك.
وأعد رئيس غرفة الصادر وجدي ميرغني ورقة عن القمح وقال إن فاتورة استيراد السودان للقمح في الآونة الأخيرة قاربت المليار دولار. وأكد أن حجم الاستهلاك الكلي للقمح يقدر بنحو 2,2 مليون طن منها نحو 1,920 طناً يتم توفيرها عن طريق الاستيراد ونحو 280 ألف طن إنتاج محلي. واقترح محجوب مشاركة القطاع الخاص مع المشاريع المروية القائمة في الولاية الشمالية في حدود 200 ألف فدان وبولاية نهر النيل في حدود 100 ألف فدان.
وأضاف أن التكلفة في حالة المشاريع التي يتم تخصيصها تقدر بين 1200 و1500 دولار للفدان بميزانية كلية نحو 500 مليون دولار تنفذ على ثلاث إلى خمس سنوات. وذكر محجوب أن هناك مساحات تصلح للاستثمار في كل من ولاية نهر النيل وولاية الخرطوم، غرب ام درمان، ولاية شمال كردفان.
مديرة المخزون الاستراتيجي، إنعام هاشم، أكدت في تصريحات إعلامية محلية أن المخزون الاستراتيجي لسلعة القمح، يكفي لأسابيع، وتحديداً حتى 25 يناير/ كانون الثاني الحالي. لكنها رأت أنه لا توجد مشكلة في دقيق الخبز بالوقت الحالي، وأن وزارة المالية ملتزمة بتسليم جميع حصص الدقيق للعاصمة والولايات.
واعتبر مراقبون في أحاديث مع "العربي الجديد" أن توافر السلع الاستراتيجية في البلاد غير مطمئن. وأرجعوا نقصها إلى قلة النقد الأجنبي وعدم وجود استراتيجية حكومية واضحة في ما يتعلق بتأمين حاجيات الناس. وقالوا إن السلع الاستراتيجية لا تتحمل المغامرات، لأن إجراءات الاستيراد معقدة وإذا لم توفر الحكومة احتياطياً على مدى ثلاثة شهور فستكون ردة الفعل سلبية على المواطن. وشدد بعضهم على أن استيراد السلع أصبح عبئا على ميزانية الدولة التي تتحمل معظم القيمة المدفوعة من عملية الاستيراد، خاصة أن القمح يستحوذ على النصيب الأكبر من قيمة مخصصات الدعم.
لكن مصدرا مطلعا في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي قال لـ "العربي الجديد"، إن الحكومة عبر شركة "الفاخر" تسلمت مقدما 28 مليون دولار وحولتها لشراء القمح لتفادي حدوث نقص في إمداد السوق، بالتالي لن تحدث أزمة في الخبز. وأكد المصدر أن شراء الدقيق يتم عادة كمعالجة سريعة لتجنب حدوث ندرة، لافتاً إلى أن حصاد القمح المحلي سيبدأ بعد شهرين.
الاقتصادي ابراهيم الزين طالب وزارة المالية بتدابير عاجلة لمعالجة المشكلة في قطاع المطاحن وإزالة العقبات التي تعترض استيراد القمح وإيجاد الحل المناسب لتأمين استمرارية مد الأسواق بهذه السلعة وتوفير حاجة البلاد من مادة أساسية كالقمح.
ورأى أن الحكومات المتعاقبة أعادت شراء محصول القمح الذي يعد إحدى السلع الاستراتيجية، من المزارعين المحليين بأسعار تفضيلية عن تلك المطروحة في السوق. وطالب بإنشاء برنامج فعال لتأمين الاحتياط والتخزين الاستراتيجي للأغذية وبناء خطة استراتيجية في الاستثمار الزراعي. وقال إنه في حال لم تنجح كل الخطط والبرامج، فإن القمح سيستخدم كوسيلة للضغط السياسي من قبل الدول المصدرة. لكنه رأى أهمية اتباع سياسات زراعية محلية مستدامة تدعم المنتج الزراعي بأسعار مشجعة وتساعده على استخدام التقنيات الحديثة في الري وتطوير أنواع البذور المحسنة.
وقال الزين إن الفجوة الغذائية من القمح هي التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة السودانية منذ فترة نظراً للعبء الواقع على ميزانية الدولة نتيجة لعملية استيراد القمح. حيث تتحمل الدولة معظم القيمة المدفوعة من عملية الاستيراد خاصة وأن القمح يستحوذ على النصيب الأكبر من قيمة مخصصات الدعم. وشدد على تحول السودان إلى دولة مستوردة لأغلب الحبوب والمواد الغذائية، مما تسبب في تزايد وتعميق الفجوة الغذائية.
لكن الخبير الزراعي محمد النور لفت إلى أن نفاد مخزون القمح مشكلة اقتصادية معقدة ويجب على الدولة ألا تنتظر حتى يكون استخدام كامل الاحتياطي لتتحرك. وقال إن هذه أول مرة يصل فيها المخزون إلى هذه الكمية القليلة، بالتالي السلع الاستراتيجية لا تتحمل مثل هذه الأزمات لأن إجراءات الاستيراد معقدة ويجب ألا يقل الاحتياطي عن ثلاثة أشهر. وأضاف أن هذا سيكون له أثر سلبي على الوضع الاقتصادي في البلاد ويجعل المواطنين يقبلون نحو شراء كميات كبيرة من الدقيق فيتمّ خلق طلب عالٍ على القمح، ما يزيد من حجم الطلب في مقابل قلة المعروض. وأشار إلى أنه حتى الآن هنالك بطء في الإجراءات الاقتصادية تحديداً.
وأكد أن ملف الاقتصاد الداخلي في السلع الاستراتيجية لم تتم معالجة أي جزئية منها، والحكومة لم تنجز أي شيء حتى الآن لتحسين مستوى المعيشة واستقرار سعر الصرف، ولا توجد حلول مبتكرة من قبل القطاع الاقتصادي بل ظلت وزارة المالية تصر على رفع الدعم دون حلول جدية للأزمة. وأضاف أنه إذا حدث شح في السلع الاستراتيجية ربما تحدث أزمة اقتصادية كبيرة ويمكن أن يباع الخبز في السوق السوداء بأسعار مضاعفة. كما أنه إذا حدث شح يزداد الموقف صعوبة على المواطن بصورة كبيرة، فالمطلوب إلغاء فكرة رفع الدعم تماما والتي ظلت مسيطرة على عقل المسؤولين طوال الفترات الماضية.
وسبق لوزارة المالية أن أعلنت قبل أربعة شهور عن توفير كميات من القمح تكفي البلاد لستة أشهر، وقالت على لسان وكيلها السابق عبد المنعم محمد إن وزارته وفرت 6410 أطنان أي ما يعادل 100 ألف جوال قمح يوميا يتم توزيعها على العاصمة الخرطوم والولايات بعد أن يتم طحنها في المطاحن.
وأشارت تقارير أداء موازنة العام المالي 2019 إلى التزام وزارة المالية بتوفير حاجة البلاد من القمح حتى التاسع من فبراير/ شباط من العام 2020. ولكن قبل أن تعرض موازنة 2020 في مجلس الوزراء، قالت الحكومة الانتقالية إنها تتعاطى بشفافية عالية في تصريحاتها وإفصاحها عن حجم احتياطي النقد الأجنبي المتوافر لدى "بنك السودان المركزي" من أجل تمويل شراء السلع الضرورية للمواطنين، كالقمح والأدوية. وأدلى وزير المالية إبراهيم البدوي بتصريحات عن امتلاك البلاد احتياطيات تكفي تمويل الواردات لعدة أسابيع فقط، وشكك في قدرة وزارته على توفير السلع الاستراتيجية.
وبحسب إحصائيات حكومية سابقة، فإن قيمة دعم القمح تصل إلى 365 مليون دولار سنوياً، إلا أن دراسة أعدتها لجنة الإسناد والمراقبة لمكافحة غلاء المعيشة قالت إن السودان يحتاج سنوياً إلى 216 ألف طن من الدقيق أي ما يعادل 67 مليون دولار.
ورغم الزيادة الكبيرة في بند اعتماد دعم القمح بموازنة العام الماضي والذي وصل إلى أكثر من 960 ألف جنيه بدلا من المعتمد البالغ 600 ألف جنيه، إلا أن الدراسة ذاتها أكدت أن عدد سكان ولاية الخرطوم البالغ 7 ملايين نسمة يستهلكون حوالي 30 مليون رغيف يوميا بما يعادل 40 ألف جوال دقيق، الأمر الذي يعقد الأمور كثيرا.
ورغم أن وكيل وزارة الزراعة السابق بابكر عثمان قال إن وزارته رفعت السعر التركيزي لجوال القمح للموسم الزراعي 2019 من 1800 إلى 2500 جنيه، وذلك وفقا لدراسة قام بها الخبراء الزراعيون ليكون مشجعا للمنتجين والتوسع في هذا المحصول الاستراتيجي وتحقيق الأمن الغذائي وتمزيق فاتورة القمح والدقيق، إلا أن مزارعي القمح شكوا من تعدد الرسوم والجبايات المفروضة على المزارع إضافة إلى تعقيدات مدخلات الإنتاج ومشاكل الري في الفترة الشتوية.
ورصدت الحكومة السابقة أموالا كثيرة لمشروع توطين القمح وكانت الخطة واضحة وهي خفض فاتورة استيراد القمح، ولكن من خلال التقييم اتضح أن المشروع لم يحقق الأهداف المرجوة منه. وطالبت قيادات زراعية أكثر من مرة بإعادة النظر بالمشروع ، نظرًا لأن المشكلات التي تعيق عمليات الإنتاج ما زالت قائمة، ولا يزال السودان يستورد نحو مليوني طن من القمح، والإنتاج المحلي لا يتجاوز نصف مليون طن في أفضل حالاته.
واعترف عبد الجبار حسين الأمين العام لمشروع النهضة الزراعية، بأن برنامج توطين القمح فشل بسبب خلافات بين وزراء بشأن دعم القمح. وأوضح أن كمية القمح المخطط إنتاجها خلال فترة البرنامج كانت 10.2 ملايين طن لم ينتج منها 1.9 مليون طن فقط وأن نسبة الأداء لم تتجاوز 19%. فيما أكد توقف الاهتمام بالقمح كمحصول استراتيجي من العام 2013 حتى 2017.
وبينما تتذرع حكومة السودان وتحاول تبرير فشل المشروعات الحكومية الكبرى في إنتاج القمح رغم رصد الأموال الطائلة لها، فوجئ السودانيون بتلال القمح التي أنتجها مشروع الراجحي المملوك لرجل الأعمال السعودي سليمان الراجحي في الولاية الشمالية تجاوز إنتاج الفدان الواحد بمشروعه الخاص نحو 30 جوال قمح، داحضا كل التبريرات التي تتذرع بها الحكومة السودانية واتحادات المزارعين. فالأرض هي الأرض ذاتها، والمياه هي ذاتها، والمناخ هو ذاته الذي قال عنه الرئيس السابق البشير ذات يوم "مناخ السودان غير صالح لزراعة القمح".
وكان الإنتاج الوفير قد أحرج وزارة الزراعة، والأجسام الإدارية المترهلة التي أثقلت كاهل المواطن البسيط بأعبائها المالية المتزايدة. فإنتاج الفدان من القمح لم يزد على 15 جوالا في مشروعات الجزيرة ونهر النيل بل أن بعض المشروعات أنتج فيها الفدان نحو 7 جوالات فقط.
وتدهور القطاع الزراعي في السودان بما فيه إنتاج القمح لم يكن بسبب العوائق بل أن هناك ما هو أخطر من ندرة الوقود وتدهور قيمة العملة الوطنية.
فالعائق الأكبر يكمن، وفق الخبراء، في الرسوم الباهظة التي تتفنن الحكومة السودانية في تطبيقها على المزارعين وصغار المنتجين مما جعل الكثير منهم يعزف عن النشاط الزراعي ويتجه إلى التجارة وممارسة الأنشطة السهلة التي تدر عليه دخلًا دون مخاطر الخسارة. ولا يستطيع المزارع الاستمرار في العملية الإنتاجية في ظل الضرائب والرسوم المفروضة عليهم، وأكد أن عشرات المزارعين دخلوا السجون بسبب الإعسار وعجزهم عن سداد التمويل الذي أخذوه من البنوك.
وأعد رئيس غرفة الصادر وجدي ميرغني ورقة عن القمح وقال إن فاتورة استيراد السودان للقمح في الآونة الأخيرة قاربت المليار دولار. وأكد أن حجم الاستهلاك الكلي للقمح يقدر بنحو 2,2 مليون طن منها نحو 1,920 طناً يتم توفيرها عن طريق الاستيراد ونحو 280 ألف طن إنتاج محلي. واقترح محجوب مشاركة القطاع الخاص مع المشاريع المروية القائمة في الولاية الشمالية في حدود 200 ألف فدان وبولاية نهر النيل في حدود 100 ألف فدان.
وأضاف أن التكلفة في حالة المشاريع التي يتم تخصيصها تقدر بين 1200 و1500 دولار للفدان بميزانية كلية نحو 500 مليون دولار تنفذ على ثلاث إلى خمس سنوات. وذكر محجوب أن هناك مساحات تصلح للاستثمار في كل من ولاية نهر النيل وولاية الخرطوم، غرب ام درمان، ولاية شمال كردفان.