السهر فيه سم قاتل!

14 مايو 2020
+ الخط -
من العادات الطريفة التي كنت أمارسها ويستغربها من حولي ترديدي قبل الذهاب للنوم مبكرًا قول عمر الخيام: "فما أطالَ النومُ عُمراً ولا قَصّرَ في الأعمارِ طولُ السَهَر".

وقد اتضح لاحقًا خطأ هذا القول وإنني كنت على صواب في ما أفعله، فالسهر يقصر الأعمار وإن لم يقصرها أفسد على الإنسان صحته وحرمه الاستفادة من وقته. ومن آفات الجيل الحالي أنه بات مدمنًا للسهر، بل ويرى فيه دليلًا على النضج، وعند المراهقين وبعض الأطفال يُعد السهر تحديًا كبيرًا.

ولكي يتمتع الإنسان بصحة جيدة ينبغي عليه أن يحرص على ثلاثة أمور تكمل بعضها بعضًا، وهي: الطعام الصحي، وممارسة الرياضة، والنوم الجيد، وحدوث خلل في أحدها يؤثر تأثيرًا مباشرًا على صحة الإنسان.

وموسوعة غينيس للأرقام القياسية توقفت منذ 1964 عن تسجيل أي رقم قياسي يتم تحقيقه على حساب صحة الإنسان أو يعرضها للخطر وذلك بناءً على نصائح العلماء.

والنوم له فوائد عديدة على صحة الإنسان، من أهمها تخليص الجسم من السموم التي تتراكم في الجسم نتيجة النشاط البدني طوال اليوم، وهذه العملية لا تتم إلا أثناء النوم، فهناك جهاز رباني لا يعمل إلا ليلًا، ومهمة هذا الجهاز هي كنس السموم والنفايات الضارة من خلايا الجسم أثناء النوم، وإعادة تأهيل خلايا وأعضاء جسم الإنسان للعمل بكفاءة في صباح اليوم التالي.


والغدة الصنوبرية لا تفرز هرمون الميلاتونين إلا ليلًا وفي الظلام الدامس، والميلاتونين هو أحد مضادات الأكسدة الفعالة في جسم الإنسان. ومن الهرمونات التي لا تفرز إلا ليلًا هرمون النمو الذي تفرزه الغدة النخامية، وهرمون الكورتيزول الذي تفرزه الغدة الكظرية، وجميعها هرمونات مهمة لجسم الإنسان وصحته.

وحاجة الأطفال للنوم تفوق حاجة الكبار، لأنها تتعلق بالنمو السليم لأجسامهم، وحصول الأطفال على قدر كاف من النوم من الأمور التي لا ينبغي على أولياء الأمور التساهل فيها مطلقًا، ويجب أن يكون هناك وقت محدد وثابت لذهاب الأطفال للنوم كل ليلة، وينبغي على الوالدين تأهيل الأطفال للنوم بإعلامهم باقتراب وقت النوم، وتوفير الأجواء المناسبة، ومنها إغلاق الأجهزة الإلكترونية وإطفاء الأنوار الرئيسية في البيت.

ومن فوائد النوم للجسم: إعادة النشاط والحيوية للجسم بعد يوم عمل مرهق، وتحسين القدرات العقلية للإنسان، وتحسين المزاج، والفرد الذي يحصل على قدر كاف من النوم يتمتع ببشرة نضرة خالية من التجاعيد ومن حب الشباب.

وهناك أمر بت على يقين منه، وهو أن الخير والسعادة كل السعادة تكمن في موافقة الفطرة، والانسجام مع نواميس الكون، والالتزام بما شرعه الله عز وجل للناس، والشرور والتعاسة والشقاء تكمن في مخالفة الفطرة، ومصادمة السنن الكونية، والإعراض عن المنهج الذي وضعه الله عز وجل للناس.

والسهر له مخاطر عديدة وتتنوع ما بين المخاطر الصحية، والمخاطر العقلية، والمخاطر النفسية والسلوكية، ويمكن للجميع ملاحظة آثار هذه المخاطر على من يعتادون السهر لساعات متأخرة من الليل.

والمخاطر الصحية تتمثل في الإرهاق البدني والأرق، وتراكم السموم في الجسم، وانخفاض مستوى هرمون التستوستيرون لدى الرجال، وزيادة خطر الإصابة بالنوع الثاني من السكري، واضطراب جهاز المناعة، وظهور علامات الشيخوخة على الجلد وظهور حب الشباب، وزيادة احتمال الإصابة بالسمنة، وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب واحتمال التعرض للسكتة الدماغية.

والمخاطر العقلية تتمثل في تراجع القدرة على التركيز وتراجع الذاكرة، واضطراب المزاج، وانخفاض قدرة الدماغ على القيام بالوظائف العقلية العليا، والسبب في ذلك هو السموم التي تتجمع في الدماغ وتعيق القدرات العقلية والعصبية للإنسان.

والمخاطر النفسية والسلوكية للسهر تتمثل في التوتر والهيجان والعصبية، والسهر يؤدي إلى ظهور مشكلات سلوكية عند الأطفال في البيت والمدرسة ويؤدي إلى التأخر الدراسي.

والله عز وجل هو الذي خلق الإنسان ويعلم ما يصلح شأنه وما يفسده، ومن حكمته سبحانه وتعالى أن جعل الليل للنوم والراحة والنهار للجد والاجتهاد والعمل. والسهر فيه مخالفة للفطرة السوية التي فطر الله الإنسان عليها، وهي الراحة والنوم ليلًا والنشاط والاستيقاظ نهارًا. يقول الله عز وجل: "وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا". (سورة النبأ: 9-11).

وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه "أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشاءِ والحَدِيثَ بَعْدَها". (صحيح البخاري: 568).

والسهر يكون للضرورة فقط ولمن يتطلب عملهم ذلك، يقول الله عز وجل: "وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ". (سورة الروم: 23).

والخلل هو أن يصبح السهر عادة يومية تستهلك صحة الإنسان وبدنه وهو مسؤول عنه في الآخرة، فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناهُ، وعن علمِه فيما فعل، وعن مالِه من أين اكتسَبه وفيما أنفقَه، وعن جسمِه فيما أبلاهُ". (سنن الترمذي: 2417).

النوم المبكر يضمن للإنسان التمتع بصحة جيدة ويضمن له أيضًا يومًا جديدًا مفعمًا بالنشاط والحيوية، وهناك جملة من النصائح للحصول على نوم هانئ، ومنها: تناول وجبة عشاء خفيفة، ويفضل عدم تناول الطعام قبل الذهاب للنوم بساعتين على الأقل، والذهاب للفراش مبكرًا، وتثبيت وقت النوم، والنوم في ظلام دامس، والحصول على قدر كاف من النوم كل ليلة، ودمتم بخير وصحة جيدة.
دلالات